يريد مئات المليارات المسروقة.. وفيما بعد نبحث فى موضوع (البط) مصر دخلت فى السيناريو الإيرانى وتحصنت من السيناريو الجزائرى الذين أيدوا 30 يونيو واعتبروها ثورة تصحيحية كانوا (يزعلون) إذا استخدمنا لفظ انقلاب. والحقيقة أن لفظ انقلاب ليس معيبا أو سيئا فى حد ذاته، فالانقلابات العسكرية أتت فى الماضى بنظم وطنية أخطأت وأصابت، وبالتأكيد فإن هذا ليس هو الأسلوب الأمثل للتغيير، بل وأثبت التاريخ فى أغلب الحالات أنه لا يقيم مجتمعات مستقرة، ولا يصنع آليات للتقدم، والأمم المتحضرة تجاوزت هذه الممارسة المتخلفة. ومع ذلك لو أن انقلاب 30 يونيو طرح رؤية وطنية مخلصة لكان من الواجب التفاهم والتفاوض معه. ولو كان أصحاب انقلاب 30 يونيو أصحاب رؤية وطنية لما كان كل همهم هو الانتقام، وممارسة الإبادة السياسية والإنسانية للإخوان المسلمين، بل كانوا قد عزلوهم عن الحكم وأسسوا سياسة جديدة فورا، و6 أشهر كانت كافية لتوضيح هذه الرؤية الوطنية. والانتقام هنا غريب لأن حكم الإخوان لم ينكل بأحد وكان ضعيفا، فالانتقام هنا بمعنى لأن تجرءوا ووصلوا إلى موقع رئاسة الجمهورية ويريدون أن يكونوا حزبا حاكما بجد، ولذلك لا بد من تأديبهم. انشغل الانقلابيون عوضا عن تقديم أية رؤية أو إصلاحات وطنية باعتقال الإخوان وإبادة اعتصامات الحرس الجمهورى ورابعة والنهضة، وفتح النيران الثقيلة على أية مظاهرة ضد العسكر إلى آخر ذلك من صور التنكيل، ولو أنهم اكتفوا بعزل «مرسى» وبدءوا فى خطوات جادة لتحقيق استقلال مصر كما زعموا، والاستجابة للمطالب الشعبية الاجتماعية لكسبوا الشارع، وكرسوا وجودهم فى السلطة، ولكنهم بدلا من ذلك اهتموا بخطوات القمع، وتلفيق القضايا الجنائية المضحكة لمرسى، وهم إذا دخلوا من هذا المدخل فهم أولى بالمحاكمة فهم محترفو إجرام فى كل التهم التى وجهوها إلى الرئيس مرسى: التجسس مع إسرائيل وأمريكا - القتل - السرقة والنصب واستغلال النفوذ لتحقيق ثروات وليس مجرد أكل بطة كل يوم، وأنا موافق على سبيل الجدل على هذه الفرية أن الرئيس مرسى يأكل بطا كل يوم ب9 آلاف جنيه، ولو فعل ذلك لكان فى عداد المفقودين لا سمح الله، لأن هذا أكل غير صحى لمن هو فى مثل سنه، ويعانى من السكر وأشياء أخرى. مرسى لم يصرف مرتبه أصلا، وبذلك يمكن أن يحصلوا على ثمن البط من مرتبه بالخزانة العامة. ويمكن تقسيط ثمن البط وجدولة الدفع، كما فعل قضاؤنا الشامخ مع المخلوع وزبانيته فى موضوع هدايا الأهرام. ولكن أيها «المناضل» الذى أثرت موضوع البط، من يحصل لنا على عشرات ومئات المليارات من الدولارات التى سرقها أصحابك وسادتك: مبارك وزبانيته؟! كان أمامكم خيار اختطاف الرئيس، ثم القيام بالأفاعيل التى وعدتم الشعب بها، ولكنكم أضعتم وقتكم ووقت الأمة بالألاعيب، وبتلفيق القضايا، وحبس البنات بتهمة حمل بالونة أو مسطرة أو كشكول عليه شارة رابعة. بل طالبتم حكام كرة القدم بعدم تحديد الوقت الضائع بأربع دقائق فإما 3 أو 5 دقائق. وبدأتم تطاردون الرياضيين الذين يرفعون شارة رابعة بصورة تكاد تقضى على عدد من الألعاب كل أبطالها يرفعون شارة رابعة. بل تم سحل بنت فى الشوارع لمجرد حملها لهذا الشعار. وتم إلقاء القبض على أطفال بهذه التهمة، وبدأنا نصل إلى سن 4 أو 5 سنوات! ثم وصلت الحالة المرضية الجنونية إلى «أبله فاهيتا»، وضحكتوا الأجانب علينا، حيث صدرت صحف رصينة باللغة الإنجليزية تتحدث فى عناوين أخبارها عن اتهام عروسة بالإرهاب فى مصر. 33 مليونا يطالبون بظهور السيسى وبدلا من أن تقوموا بأى شىء مفيد يبيض وجوهكم، إذا بكم تكرسون كل إمكانيات الدولة، لإخفاء غياب السيسى لليوم الخامس والثمانين، وبلغ بكم الهزال إلى حد العجز عن الاعتراف بحالته: إصابة وإلى أية درجة، احتمالات البقاء حيا أو احتمالات الإصابة بين العجز أو التعافى. ولم يحدث أن غاب قائد ثورة أو حتى انقلاب 85 يوما متصلة بدون حديث مباشر على الهواء. وكل يوم التلفيق يوقعهم فى أخطاء أكبر، دون أن يظهر الباشا الكبير يشد من أزر أتباعه وهم «33 مليونا» على الأقل، وليقول لهم إنه سيقضى على الإرهاب، وسيحطم أسنان أمريكا وإسرائيل، ويدعو الجماهير إلى التصويت ب«نعم». كيف يختفى قائد الثورة فى هذه اللحظات الحرجة، ويقولون إن شركة الدعاية الصهيونية هى التى نصحته بذلك، حتى يختفى ثم يظهر فجأة ويقول: (بخ أنا كويس). ربما حدث خطأ وتم التعاقد مع شركة لترويج الهيروين والحشيش، وأن مندوبيها من متعاطى الصنف. لقد سمعنا عن اعتكاف الزعماء ولكن لسبب معلن، كما كان غاندى يعتكف ويصوم عن الطعام احتجاجا على الاضطرابات الطائفية بين المسلمين والهندوس، أو احتجاجا على العنف، ولكن كان مكانه معلوما، ويمكن لأى أحد من القادة أن يزوره. فالزعماء لا يلعبون لعبة الاستغماية، وأنا لم أقل إن السيسى زعيم لا سمح الله، ولكن أناسا فى هذا البلد الأمين هم الذين رددوا هذا الهراء. تصرفات صبية!! ما يهمنا فى ذلك أننا أمام تصرفات صبية يخشون أن يأخذ منهم أحد اللعبة التى يلعبون بها. كبار عسكر كامب ديفيد أدمنوا المال والسلطة وكل ألوان الترف، ولا يشعرون (كسيدهم مبارك) بأنهم أصبحوا مسخة ومسخرة ومادة للتسلية، ومضغة فى أفواه المصريين والعالمين. ينقل عن المسيح أنه قال: ما الذى يفيدك إذا كسبت العالم وخسرت نفسك. والواقع أن هؤلاء خسروا العالم وخسروا أنفسهم. إن الذى يعيش فى كوخ من كد يده وعرق جبينه من الحلال، هو إنسان محترم فى عيون الناس أكثر من إنسان يعيش فى قصر، بمجرد أن يستدير عن الناس تبصق على الأرض أو تطعنه بالكلمات. ما فائدة ومتعة أن تحوز العالم المادى كله، وأن تحظى بسخرية الناس. ولكن مبارك لا يهمه كل ما كتب عنه طوال عشرات السنين ولا فى السنوات الثلاث الأخيرة، جلده سميك، المهم أن يعود إلى شرم الشيخ.. هذا هو الانتصار لا نظرة الناس إليه. أما خالق الكون فهو أصلا خارج المعادلة بالنسبة إليهم. وما ينطبق على مبارك ينطبق على السيسى وعنان وشفيق وصدقى وموافى، وكل من ينوى التصدر السياسى فسيأخذ نصيبا وافرا من الاستهزاء، لأن لا واحد منهم ولا من قادة جيش كامب ديفيد يمكن أن يمثل قيادة محترمة من الناس. لقد فشل انقلابكم لأنكم برهنتم فى كل لحظة أنكم مجرد طامعين فى الاستمرار فى السلطة بلا رؤية أو خطة وطنية، خطتكم هى خطة المذلة والاستعباد التى تعلمتموها من مبارك، فهو لم يبرع إلا فى ذلك، وهو كبيركم الذى علمكم السحر. والمذلة والمهانة لا تحتاج إلى ثقافة أو رؤية.. تحتاج إلى غرائز حيوانية منحطة، دون سمو الحيوانات نفسها (راجع دراساتى دفاعا عن الحيوان فى كتابى رسائل الإيمان). ما حدث يوم الأربعاء الماضى من عجز عن إظهار «المسجون» المتهم بالقتل والجاسوسية والهروب من سجون الطغيان، العجز عن إظهاره فى المحكمة، والعجز عن إظهاره على مدار شهرين لأسرته ومحاميه، يؤكد الحجم المتناهى فى الصغر لهؤلاء المتجبرين والنشطاء فى القتل، ولكن العاجزين عن أية مواجهة لها علاقة بالسلم أو الحجة أو القانون. الانقلاب العسكرى والاستبداد له عادة قواعد ونظم وأعراف، أما ما يجرى فى مصر منذ 30 يونيو فهو من أعمال العصابات غير المنضبطة بأية قاعدة أو منطق أو عرف، ولن يتحول إلى عمل مشروع بتمرير دستور مزور لا تعترف به الأغلبية الساحقة. سيناريو إيران لا الجزائر صدق أخى د. محسوب عندما أشار فى كلمة له أخيرا إلى أن مصر تتجه إلى السيناريو الإيرانى لا الجزائرى. المقصود بالسيناريو الجزائرى هو الانزلاق إلى حرب أهلية مسلحة يروح ضحيتها 150 ألف مواطن ولا تحقق شيئا. مع ملاحظة أن المخابرات الجزائرية قامت بلعبة القتل والتفجيرات بصورة تنسبها إلى الإسلاميين. ولكن كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ التى طُردت من الحكم رغم حصولها على 80% من مقاعد البرلمان بعد المجالس المحلية، قد شكلت بالفعل جيش الإنقاذ الذى بدأ الكفاح المسلح فى الجبال. وهو ما سهل من مأمورية النظام الانقلابى الجزائرى، الذى استهدف قتل المدنيين، بصورة يتم نسبتها إلى الإسلاميين، ومن ذلك استخدام المهاجمين (لحى تركيب) غير حقيقية. وهذا لن يحدث فى مصر إن شاء الله، لأن الإسلاميين على وعى بذلك وليس الإخوان المسلمين فحسب، ومن ثم فإن مصر سائرة فى السيناريو الإيرانى، وهو ما توقعته منذ عام 1993 فى كتاب (فقه التغيير السياسى فى الإسلام). والمقصود هو المظاهرات السلمية، والتى استمرت فى إيران أكثر من عام. ولكن كان ينقصنا عدة أشياء بدأ بعضها يتحقق بالتدريج: أولا: انتهاج السلمية الخشنة (لا السلمية الساذجة) التى تدافع عن النفس والمال والعرض بأقل الخسائر الممكنة، وبما يحقق الردع للمجرمين، والاستنزاف لقوى القمع بدون استخدام أسلحة نارية. وهذا ما بدأ الثوار يقتنعون به منذ عدة أسابيع، وبدأ يحقق نقلة استراتيجية من الدفاع إلى الهجوم، رغم عدم سقوط قتيل واحد من الشرطة. ولكنه قتل الروح المعنوية الإجرامية لهم وللبلطجية وأفراد جيش كامب ديفيد. ثانيا: وضع توجه هذه الموجة الثورية فى إطار عام لتحرير مصر من العبودية للحلف الصهيونى الأمريكى (تحية إلى الثوار الذين بدءوا فى حرق العلمين الأمريكى والإسرائيلى) وكل بقايا حكم مبارك الذى عاد بكل قوة يحكم سيطرته بشخوصه وبسياساته المجرمة نفسها ولكن بصورة مضاعفة، وهذه طبيعة الثورة المضادة؛ تعود أكثر شراسة وفرعنة وتجبرا، على أمل ألا تفقد السلطة مرة أخرى. كل فرد من أفرادها يدافع عن رقبته من المشنقة، وجسده من السجن، وأمواله من عودتها إلى صاحبها الأصلى (الشعب)، ويعلم أن الهروب ليس حلا مريحا، فقد يظل تحت المراقبة والمطاردة وقد يتعرض للتسليم فى أية مساومات سياسية مع النظام الجديد، وقد تتبرأ البنوك منه ولا تعطيه أمواله غير الشرعية ولا يستطيع أن يقاضيها. ثالثا: تشكيل مجلس قيادة ثورة ببرنامج حد أدنى حتى يعلم كل المخلصين أن المسألة ليست مجرد عودة الإخوان أو الرئيس مرسى، رغم أن هذا من حقهم السياسى والدستورى، وهذا من دواعى الاستقرار المؤسسى، ولكن لا بد أن يعلموا أن انتصار الثورة لن يتحقق بدون الاجتماع على برنامج وطنى يجمع كل قوى الشعب يقوم على أساس التحرر من نير العبودية لأمريكا وإسرائيل، وهما أس البلاء فى كل ما تعانيه مصر فى العقود الأخيرة، ولا يزالون يحكمون مصر بشكل واضح ولا نقول من وراء ستار. وقد تناولت الخطوط العريضة لهذا البرنامج فى عدد 22 من أكتوبر 2013 الماضى، وجاء فيه: أولا- إلغاء معاهدة كامب ديفيد وملاحقها السرية، ومعاهدة السلام وملاحقها السرية؛ لأنها عقدت قبل اندلاع ثورة 25 يناير. والآن توجد شرعية جديدة. وهذا حدث فى كل الثورات الحقيقية، وهذه أمور معروفة فى القانون الدولى. والأمر يعتمد أولا وأخيرا على الإرادة. ثانيا- أن تكون مصر أول دولة فى العالم تعلن من جانب واحد رفض تلقى المعونة الأمريكية العسكرية والمدنية. ثالثا- الاحتفاظ بالهدنة مع إسرائيل إلى أجل غير مسمى، ما دامت إسرائيل لا تعتدى على الأراضى المصرية ولا تنتهك السيادة المصرية بأى شكل من الأشكال. رابعا- وقف أشكال التطبيع كافة مع إسرائيل، وهذا أبسط رد على استغلال إسرائيل للتطبيع الزراعى على سبيل المثال فى الترويج للسموم وضرب الشعب المصرى كيمياويا وبيولوجيا، وغير ذلك من الأضرار التى يعرفها الشعب المصرى وأقرت بها المحاكم والأجهزة الرقابية المصرية. خامسا- الدخول فى مفاوضات جادة مع السودان وليبيا وتونس ومن يقبل من الدول العربية لإقامة سوق عربية مشتركة على النمط الأوروبى فى بدايته. سادسا- إلغاء كل التفاهمات والاتفاقات السرية مع حكومتى الولاياتالمتحدة وإسرائيل فى شتى المجالات فى عهد نظام مبارك. ومراجعة ما يخص الولاياتالمتحدة خلال فترة انتقالية للعلاقات. سابعا- مراجعة الاتفاقات الجائرة كافة مع الشركات الأمريكية والبريطانية فى مجال استخراج البترول والغاز، ومراجعة الموقف من استيلاء إسرائيل على الغاز المصرى فى البحر المتوسط. ثامنا- يظل التعامل التجارى والاستثمارى (فيما عدا ما سبق) مع الولاياتالمتحدة بصورة اعتيادية وفقا للأعراف الدولية وبهدف تأسيس علاقة جديدة بين البلدين على أسس صحية وندية. تاسعا- العلاقات المصرية الأوروبية ومع كل دول العالم تسير بصورة طبيعية. عاشرا- وقف الاعتماد على التسليح الأمريكى واستبدال التسليح الروسى والصينى مكانه مؤقتا حتى إعادة الحياة إلى التصنيع الحربى المصرى. حادى عشر- الإعلان عن عودة العلاقات الطبيعية مع إيران باعتبارها الدولة القوية فى المنطقة التى تقف فى مواجهة الحلف الصهيونى الأمريكى، خاصة أن أمريكا وإسرائيل هما اللتان وضعتا الفيتو على هذه العلاقة التى يمكن أن تغير وجه المنطقة ضدهما. وإحياء مبادرة عربية إسلامية لتسوية الأوضاع فى سوريا وفقا للمطامح المشروعة للشعب السورى وبدون تدخل القوى الأجنبية. ثانى عشر: تنشيط مشروع السوق الإسلامية المشتركة التى تضم 8 دول إسلامية كبيرة (إندونيسيا - باكستان - بنجلاديش - تركيا - إيران - ماليزيا - نيجيريا - مصر) وتوسيعه ليشمل جميع الدول الإسلامية تدريجيا. ثالث عشر- توثيق العلاقات الاستراتيجية مع دول البريكس (الهند، الصين، روسيا، جنوب إفريقيا، البرازيل). رابع عشر- وقف عملية التفاوض للحصول على قروض من صندوق النقد الذى يتدخل فى سياساتنا الاقتصادية، وكذلك البنك الدولى، ووقف سياسة القروض، خاصة من الغرب، بعد أن وصلنا إلى رقم قياسى تاريخى فى الاستدانة (54 مليار دولار). للمزيد من التفاصيل راجع وثيقة الاستقلال magdyahmedhussein@g mail.com