الاهداف المعلنة لزيارة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش للمملكة العربية السعودية يمكن تلخيصها في ثلاثة، الاول اقناع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيادة انتاج النفط لتخفيض اسعاره، وانقاذ الاقتصاد الامريكي من مرحلة الكساد التي دخلها. والثاني بحث كيفية التعامل مع الطموحات النووية الايرانية التي حققت تقدما كبيرا بعد زيادة اجهزة الطرد المركزي الي ستة آلاف وحدة لتخصيب كميات كافية من الوقود النووي لانتاج اسلحة. اما الثالث فهو الاحتفال بمرور 75 عاما علي العلاقات السعودية الامريكية، الهدف الاول، والأهم، تحقق باعلان السيد علي النعيمي وزير النفط السعودي زيادة انتاج بلاده بحوالي 300 الف برميل يوميا، بعد اختتام الجولة الاولي من مباحثات الرئيس الامريكي مع القيادة السعودية، مع استعداد بزيادات اخري في المستقبل لتلبية احتياجات المستهلكين حسب تصريحاته. اما الهدف الثاني المتعلق بالبرامج النووية الايرانية فهو الاخطر، ومن غير المتوقع ان يتم التعرف علي اي اتفاقات او تفاهمات بخصوصه بسبب حساسيته وطابعه السري الاستراتيجي، ولكن من الصعب تصور وجود خلاف بين الطرفين السعودي والامريكي حول تبعات امتلاك ايران لأسلحة نووية في منطقة تحتل المكانة الابرز في السياسات الخارجية الامريكية بسبب امتلاكها لثلثي احتياطات النفط في العالم. اما الهدف الثالث، وهو الاحتفال بالعلاقات الامريكية السعودية فهو بروتوكولي بحت، وربما لم يتذكره المضيف السعودي الا بعد اثارته من قبل الضيف الامريكي، فلم نسمع ان البلدين احتفلا من قبل بذكري مرور ربع او نصف قرن علي هذه المناسبة. وربما اراد الضيف الامريكي ان يجامل السعوديين باختلاق هذه المناسبة للتغطية علي احتفالاته بالذكري الستين لقيام الدولة العبرية، وهو في هذه الحالة ينطبق عليه المثل الشعبي أي جاء يكحلها فعماها . بالنظر الي ما ورد في خطاب الرئيس بوش من اشادات بالاغتصاب الاسرائيلي لفلسطين، وتهديداته بانهاء حركات المقاومة في لبنان وفلسطين باعتبارها حركات ارهابية .
الرئيس بوش بزيارته للعاصمة السعودية وبعد هذه الاشادات بالانجازات الاسرائيلية في تشريد شعب عربي مسلم وممارسة التطهير العرقي في حقه، يضع مضيفيه السعوديين في موقف حرج للغاية، خاصة انه لم يتطرق مطلقا الي معاناة الفلسطينيين، وتهويد القدس، ولم يذكر الدولة الفلسطينية التي تعهد باقامتها قبل ختام ولايته الا عرضا وبعد ان اكد الدعم الامريكي المطلق للاسرائيليين علي الصعد كافة. فزيادة انتاج النفط السعودي تجاوبا مع طلب الرئيس بوش، سيفسر في الشارع العربي علي انه مكافأة له علي مواقفه المعادية للعرب والمسلمين، وحروبه التي يخوضها ضدهم في العراق وافغانستان، وهي الحروب التي ادت الي تمزيق البلدين وقتل ما يقارب المليونين من ابنائهما، وجرح وتشريد بضعة ملايين اخري. المملكة العربية السعودية قدمت الكثير للقضايا العربية والاسلامية منذ قيامها، وتقديمها كل هذه المساعدات للاقتصاد الامريكي ودون مقابل ملموس من الادارة الامريكية الحالية التي تعيش اسوأ ايامها، حيث تنخفض شعبيتها الي الحدود الدنيا، ولم يبق علي وجودها في الحكم الا بضعة اشهر، سينظر اليه في العالمين العربي والاسلامي علي انه مساعدات مجانية، بالاضافة الي اتسامها بعدم الحكمة، علاوة علي كونها تنعكس سلبا علي رصيد المملكة الكبير وسمعتها في العالمين العربي والاسلامي في مثل هذا الوقت بالذات. فالعلاقات الراسخة والقوية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة قامت قبل ربع قرن من قيام اسرائيل علي حساب نكبة شعب عربي له مكانة عزيزة في قلوب السعوديين خاصة، والعرب والمسلمين عامة، ومن المفترض ان تجد هذه العلاقات تقديرا خاصا من قبل الادارة الامريكية، ويجعل رئيسها اكثر حرصا علي تعزيزها من خلال مواقف اكثر تفهما للحق العربي، وهو ما لم نره من خلال اصراره علي المشاركة في احتفال اسرائيل بانتهاك حقوق شعب عربي مسلم، وما ورد في خطابه من تأكيد علي حماية هذه الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها بصفة يومية ضده. وربما يفيد التذكير بان المبادرة العربية للسلام التي تبنتها القمم العربية، واعادة قمة دمشق الاخيرة التأكيد عليها هي سعودية في الأساس، ومن وحي افكار العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان من المتوقع ان تحظي بتقدير خاص من الادارة الامريكية ورئيسها، والانطلاق من بنودها لتحقيق السلام في المنطقة، ولكن من المؤسف ان هذا التقدير غائب كليا من قاموس السياسة الامريكية، رغم ان المملكة العربية السعودية قدمت خدمات جليلة للادارة الامريكية الحالية عندما ساهمت بدور فعال في حروبها ضد الارهاب في افغانستان، واطاحة النظام العراقي السابق في بغداد.
ان اكثر ما نخشاه هو ان ينجح الرئيس بوش في توريط القيادة السعودية في حرب جديدة ضد ايران وسورية، تنطلق من لبنان وربما فلسطين، فتهديداته بانهاء حزب الله و حماس ، وتوارد تقارير اخبارية عن استعدادات اسرائيلية لاجتياح قطاع غزة كمقدمة لاجتياح لبنان، تجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا، لان معظم طلبات الرئيس بوش من حلفائه العرب مجابة دائما. فتوقيع اتفاق سعودي امريكي علي هامش زيارة الرئيس بوش، بتعهد الاخير بحماية المنشآت النفطية السعودية، يوحي بأن حربا اقليمية قادمة الي المنطقة، وستكون ايران قطعا الهدف الاساسي فيها، بعد ان توسع نفوذها في العراق، وبات علي وشك ان يصل الي الساحل الغربي من الخليج العربي، وبما يهدد الهيمنة الامريكية الممتدة منذ قرن تقريبا. نصحنا القيادات العربية الحليفة لواشنطن اكثر من مرة بعدم تقديم خدمات مجانية للادارات الامريكية المتعاقبة، والادارة الحالية علي وجه الخصوص، ولكن لم يستمع احد الينا، وهو امر متوقع علي اي حال، وربما من المتأخر تكرار هذه النصائح الآن، بعد ان اصبح الرئيس بوش في طريق عودته الي واشنطن وقد حقق معظم الاهداف التي ارادها من جولته الحالية، ولكن ما يمكن قوله هو ان هذا الرئيس، وسياساته المدمرة في تفتيت هذه الأمة، واغراقها في حروب طائفية، هي الاخطر علي المنطقة العربية من ايران وربما اسرائيل ايضا، ونضيف الاخيرة لانه اثبت انه الرئيس الاكثر صهيونية منذ قيام الدولة العبرية. من المؤلم ان الرئيس بوش يستقبل في جميع عواصم العالم، بما فيها العواصمالغربية، بالمظاهرات الاحتجاجية الصاخبة، والبيض الفاسد بسبب جرائمه التي يرتكبها في بلادنا، اما في عواصمنا العربية فيفرش له السجاد الاحمر، وتعلق الأوسمة والنياشين علي صدره، تكريما له، واحتفاء بمقدمه. لا بد ان هناك خللا في العقلية العربية بحاجة الي علاج.