اشتدت حدة الحرب الكلامية بين الديمقراطيين والجمهوريين على خلفية الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش في الحادي عشر من سبتمبر لتخليد الذكرى السنوية الخامسة للهجمات على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى الكونغرس فقد بلغت حدة التصريحات النارية بين الجانبين إلى حد الاتهام والاتهام المضاد. الديمقراطيون اتهموا الرئيس بوش بمحاولة تسييس الذكرى الأليمة واستغلالها لتحقيق مآربه الخاصة بإعادة حشد التأييد الشعبي لغزو العراق خاصة مع التراجع الملحوظ في نسبة تأييد الأميركيين لها ومحاولته الربط من جديد خلال هذه الذكرى بين غزو العراق وبين المسئولين عن تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر بهدف صرف الانتباه عن إخفاقات حكومته في الحرب في العراق وفي تعقب المسئولين الحقيقيين عن الهجمات التي استهدفت الولاياتالمتحدة. وفي مقابل ذلك انتقد الجمهوريون بدورهم الديمقراطيين وشددوا على أن الحرب في العراق تأتي في إطار الحرب الدولية على الإرهاب بل إن العراق يمثل الساحة المركزية للحرب على الإرهاب. ويحاولون إعادة الكَرّة مرة أخرى مثلما حصل في الانتخابات عاميْ ألفين واثنين وألفين وأربعة بإظهار الديمقراطيين على أنهم ضعفاء فيما يتعلق بالدفاع عن الولاياتالمتحدة وحماية مواطنيها والتعامل مع خطر الإرهاب ببعض الليونة.
يأتي كل ذلك في خضم الحملات الانتخابية الحامية التي يخوضها الحزبان، حيث من المقرر إجراء الانتخابات النصفية مطلع شهر نوفمبر القادم لانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وجميع أعضاء مجلس النواب، خاصة وأن الديمقراطيين يأملون في الفوز بالأغلبية في المجلسين أو في مجلس النواب على الأقل بهدف تغيير مسار سياسات الولاياتالمتحدة سواء الداخلية المتعلقة بإنعاش الاقتصاد والتصدي لما يعتبرونه بثقافة الفساد وانعدام المحاسبة التي يقولون إن الجمهوريين كرسوها في واشنطن، أو السياسة الخارجية وخاصة تغيير مسار الحرب في العراق وأفغانستان وإصلاح الضرر في علاقات الولاياتالمتحدة مع الدول الحليفة التقليدية بسبب ما يعتبرونه بالسياسيات الأحادية الجانب التي تنتهجها حكومة بوش. ويعملون على استغلال حالة استياء العديد من الأميركيين من طريقة تسيير الحرب في العراق ومن تزايد حجم العجز التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي نتيجة المبالغ نفقات الحرب في العراق والاعفاءات الضريبية. فقد أظهرت إستطلاعات الرأي العام استياء غالبية الأميركيين من أداء الرئيس بوش والكونغرس تحت إشراف الجمهوريين، وتراجع نسبة التأييد الشعبي للحرب في العراق وتمييز الأميركيين.
خطاب الرئيس بوش وانعكاساته طلب الرئيس بوش من القنوات التلفزيونية الرئيسية في الولاياتالمتحدة تخصيص فترة من الوقت خلال وقت الذروة حين تشاهد أغلبية الأميركيين شاشات التلفزيون وذلك بهدف مخاطبة الأميركيين مباشرة بمناسبة ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر ومواساة أسر الضحايا. وتعهد بوش بأن الخطاب سيكون خاليا من أية أمور سياسية، غير أن خطابه تضمن إشارة واضحة ومباشرة للحرب في العراق وربط بينها وبين الحرب الدولية على الإرهاب. وجدد التعبيرات التي عادة ما يصرح بها في خطاباته للدفاع عن سياسته المتعلقة بالعراق مثل "إن العراق ساحة مركزية في الحرب على الإرهاب" و " يتعين عليها القضاء على الإرهابيين هناك كي لا يهاجموننا على أرضنا" و"ستكون تداعيات انسحابنا من العراق كارثية بالنسبة لأمن أميركا وتزيد من جسارة وتحدي الإرهابيين".
انتقادات الديمقراطيين أثارت إشارة الرئيس بوش للعراق في خطابه حفيظة الديمقراطيين الذين قالوا إنه حاول من خلال ذلك استغلال الذكرى لتحقيق مكاسب سياسية خاصة خلال عام الإنتخابات ولحشد التأييد لسياسته في العراق التي تعتبر أصلا محل جدل كبير في الأوساط السياسية والشعبية الأميركية. الديمقراطيون يعتبرون أن الحرب في العراق كانت حربا اختيارية لأنه لم تكن هناك أي علاقة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة وبالتالي لم تكن هناك أي علاقة بين صدام وهجمات الحادي عشر من سبتمبر مثلما كانت تلمح وتوحي بذلك حكومة الرئيس دوما في الفترة التي سبقت غزو العراق في مارس من عام ألفين وثلاثة.
وكانت أول ردود الفعل الصادرة عن الديمقراطيين على خطاب الرئيس بوش تلك التي صدرت عن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السناتور هاريب ريد Harry Reid الذي قال إن الرئيس بوش تحدث خلال الخطاب نيابة عن حكومته وليس بإسم الشعب الأميركي بكامله علما بأن هجمات سبتمبر مست جميع الأميركيين وبالتالي فإن إحياء ذكراها يشمل جميع الأميركيين وبالتالي كان حريا بالرئيس بوش أن يوجه خطابا للأمة بأكملها. واضاف أن الخطاب "كان بمثابة خطوة سياسية تهدف إلى استغلال الشعور الشعبي العارم الراغب في تدمير شبكة القاعدة كوسيلة لإعادة حشد التأييد المتدني والمتراجع للحرب في العراق".
فيما قالت النائبة نانسي بيلوسي Nancy Pelosi زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب إن الرئيس بوش حاول استخدام حيله القديمة المتمثلة في تضخيم الأخطار التي تواجهها الولاياتالمتحدة بهدف إثارة الخوف بينهم وجعلهم مطيعين له. وقالت "بدلا من أن يحاول الجمهوريون الدفاع عن سجلهم السياسي الفاشل، إلا أنهم يلجؤون سياسة الخوف الفاشلة". وأضافت " لقد حان الوقت منذ فترة طويلة لكي يتحلى الجمهوريون بالنزاهة في تعاملهم مع الشعب الأميركي والتوقف عن سياسة التشكيك في مدى وطنية الأشخاص الذين يدركون بأن سياسة الرئيس بوش في العراق قد أخفقت، وأنها جعلت الأميركيين أقل أمنا وبالتالي يتعين تغييرها". ووجه كل من السناتور ريد والنائبة بيلوسي رسالة مشتركة للقنوات التلفزيونية الرئيسية تطالبها بفسح المجال أمام الديمقراطيين ومنحهم فسحة مماثلة للوقت الذي خصصته للرئيس بوش من أجل إبراز مواقف الديمقراطيين بشأن الحرب ضد الإرهاب والحرب في العراق. وقالا إن هناك عدم توزان كبير في تغطية وسائل الإعلام الأميركية للقضايا المتعلقة بالأمن القومي الأميركي.
رد الجمهوريين سارع الجمهوريون باللجوء إلى التصريحات المعتادة التي تعتبر أن الحرب في العراق كانت حربا ضرورية لتفادي الخطر الذي كان يشكله نظام صدام حسين خاصة في عالم ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، على الرغم من إقرارهم بأنه لم يكن لصدام حسين أي ضلع أو علاقة على الإطلاق بالهجمات. وشدد البيت الأبيض على أن الحرب في العراق تمثل الساحة المركزية في الحرب على الإرهاب وبالتالي كان من المنطقي أن يشير الرئيس في خطابه إلى الحرب في العراق في خضم حديثه عن جهود الولاياتالمتحدة للتصدي للإرهاب وتعقب ومحاسبة المسؤولين عن هجمات سبتمبر.
غير أن بعض الجمهوريين ذهبوا أبعد من ذلك ووجهوا انتقادات حادة للديمقراطيين بلغت حد الإتهام بالضعف والليونة والخنوع أمام الإرهاب. وقال النائب جون بونر John Boehner زعيم الأغلبية الجهورية في مجلس النواب "إنني أتساءل عما إذا كان الديمقراطيون يهتمون بحماية الإرهابيين أكثر مما يهتمون بحماية الشعب الأميركي...إنهم بكل تأكيد لا يرغبون في التصدي للإرهابيين وإلحاق الهزيمة بهم". ويرى المراقبون أن الجمهوريين يحاولون اللجوء إلى سياستهم المعهودة المتمثلة في استخدام ورقة الإرهاب وحماية الأمن القومي كورقة انتخابية للحفاظ على سيطرتهم على الكونغرس، خاصة وأن تلك الاستراتيجية الانتخابية مكنتهم من الفوز خلال انتخابا 2002 و2004.
حمى الانتخابات واستطلاعات الرأي العام أظهر أحدث استطلاع للرأي العام الأميركي أجراه مركز بيو للأبحاث Pew Research Center أن هناك توجها سلبيا كبيرا لدى الناخبين الأميركيين من الطريقة التي يدير بها الرئيس بوش والكونغرس الذي تسيطر عليه الأغلبية الجمهورية شؤون البلاد سواء السياسيات الداخلية أو الخارجية. وقال معهد بيو للأبحاث إن غضب الناخب الأميركي من السياسيين في العاصمة واشنطن بلغ مستويات قياسية خلال شهر يونيو الماضي، غير أنه تقلص بشكل ضئيل مع اقتراب موعد الانتخابات. وتبين من الاستطلاع أن نسبة ثمانية وثلاثين في المائة تقول إن الكونغرس الحالي الذي يسيطر الجمهوريون على مجلسيه النواب والشيوخ حقق أقل مما حققه أي مجلس سابق في تاريخ الولاياتالمتحدة. كما قالت نسبة ستة وثلاثين في المائة إن تصويتهم في الانتخابات القادمة يعتبر تصويتا ضد الرئيس بوش وسياساته.
وتبين من الاستطلاع أن الناخبين الأميركيين يعبرون عن شعور قوي ومضطرد مضاد للجمهوريين بشكل عام، وأن شعبية الحزب الديمقراطي تتقدم على الحزب الجمهوري في جميع المجالات الرئيسية كالاقتصاد والحرب في العراق والتعليم والرعاية الصحية والشؤون البيئية والعجز في الميزانية. وقال معهد بيو للأبحاث إن ستة استطلاعات للرأي أجراها خلال الأشهر الاثنى عشر الماضي أظهرت جميعها أن غالبية الناخبين تقول إنها ستصوت لصالح المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات (نسبة 50%) مقابل نسبة 39% قالت إنها ستصوت للمشرح الجمهوري في دوائرها الانتخابية. كما تبين من خلال الاستطلاع أيضا أن الجمهوريين بدؤوا يخسرون بعض التأييد حتى في القضايا التي تشكل المحاور التقليدية لقوتهم كالحرب ضد الإرهاب وتكريس القيم الأخلاقية.
وقال مركز بيو للأبحاث أن الاستطلاع يظهر أن التطورات الأخيرة المتعلقة بالإرهاب بما فيها سلسلة الخطب التي ألقاها الرئيس بوش بشأن الإرهاب (وهنا تكمن أهمية خشية الديمقراطية واعتراضهم على ربط الرئيس بوش بين العراق والحرب ضد الإرهاب خلال خطبه الرسمية) زادت في شعور الأميركيين بأهمية الموضوع. فنسبة خمسة عشر في المائة من الأميركيين حاليا يعتبرون أن الإرهاب يمثل أهم مشكل تواجهه الولاياتالمتحدة، وهي أعلى نسبة خلال السنوات الثلاث الماضية. وذلك مقارنة بنسبة خمسة في المائة فقط خلال استطلاع مماثل أجري في مايو أيار الماضي. وهو ما يُظهر التأثير الذي أحدثته تركيز الجمهوريين من جديد على قضية الإرهاب مع اقتراب موعد الانتخابات. وذلك في الوقت الذي تعتبر نسبة ستة وعشرين في المائة من الأميركيين أن الحرب في العراق تمثل أهم مشكل تواجهه الولاياتالمتحدة. لكن المثير في نتائج الاستطلاع أنه على الرغم من تزايد تركيز الرأي العام الأميركي على قضية الإرهاب إلا أن ذلك لم يسفر عن تعزيز شعبية الرئيس بوش التي تبلغ نسبة سبعة وثلاثين في المائة.