سعر الذهب اليوم الأحد 14-9-2025 بعد الارتفاع القياسي الأخير.. عيار 21 الآن بالمصنعية    «التموين» تُحدد موعد إضافة المواليد 2025    «قفل تليفونة وهنزل الجمعة عشانه».. مصطفى عبده يكشف موقفه من قرار الخطيب    «التعليم» تكشف قائمة مدارس الكهرباء التطبيقية بالمحافظات للعام الجديد 20262025    نجلاء بدر: «أزمة ثقة» مسلسل نفسي كشف دواخل الشخصيات.. والقاتل كان معروفا منذ الحلقة الأولى    بين العصا والجزرة، رسالة هامة من الشيخ حمد بن جاسم للقمة العربية الإسلامية الطارئة    أقوى هجوم لعائلات الأسرى على نتنياهو: شخص مجنون محاط بمجموعة مختلين تدعى المجلس الوزاري    فجأة وما رضيش يعرف حد، سبب دخول تامر حسني المستشفى    صحيفة نمساوية: بولندا باتت تدرك حقيقة قدرات "الناتو" بعد حادثة الطائرات المسيرة    عاجل - ربع مليون نازح من غزة.. كارثة إنسانية تتفاقم مع تصعيد القصف الإسرائيلي    موعد مباراة برشلونة ضد فالنسيا والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    فضيحة قد تدمره، 100 رسالة إلكترونية جديدة تدين الأمير أندرو ب"ملفات إبستين" الجنسية    مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    مدرب أوكلاند سيتي: بيراميدز الأقرب للفوز ضدنا.. ولاعبان أعرفهم جيدًا    قبل ديربي الليلة.. مانشستر يونايتد يتفوق على مان سيتي بالأرقام    إعلام إسرائيلي: حماس تخطط لتكثيف محاولات اختطاف الجنود في غزة    الداخلية: طبيبة بالمعاش أعدت تقرير وفاة أحمد الدجوي بمقابل مالي    جثة و6 مصابين في تصادم توك توك ودراجة بخارية في البحيرة    الداخلية توضح حقيقة فيديو سرقة سور كوبرى بإمبابة:"الواقعة قديمة والمتهم اعترف"    بعد توثيقها بمواقع التواصل الاجتماعي.. حبس طرفي مشاجرة البساتين    إعلام الثورة المضادة يدعو ل"الناتو العربي" .. ومراقبون: خداع الشعوب جريمة    عقب فيديو مثير للجدل.. «الحياة الفطرية» السعودية تصدر بيانا وتوضيحا    «متتدخلوش في حياتي».. ريهام سعيد تكشف معاناتها النفسية: مشكلتي مش بس في الشكل    التموين: الكارت الموحد يتيح الشراء وصرف الرواتب والمعاشات    بالأرقام، أسعار الكتب المدرسية للمدارس التجريبية للعام الدراسي 2025-2026    «زي النهارده».. إعلان وفاة المشير عبدالحكيم عامر 14 سبتمبر 1967    عيار 21 الآن يسجل رقمًا قياسيًا.. أسعار الذهب اليوم الأحد بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    فلسطين.. الاحتلال يعتقل شابا من بيت ريما بعد الاعتداء عليه    بيان هام من الهيئة العامة للأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس ب محافظات الوجه البحري    عودة خدمة الخط الساخن 123 ببنى سويف بعد إصلاح العطل الفني    طولان: لم يعجبني فيديو «العميد الأصلي» بين الحضري وأحمد حسن    عمرو فتحي: تتويج منتخب الشابات ببطولة إفريقيا إنجاز جديد لمنظومة كرة اليد    بعد مطالبته برفع الدعم عن الوقود.. أحمد موسى: ماذا يريد صندوق النقد من مصر.. تصريحات مستفزة كأنهم يمنّون علينا    رئيس «التأمين الصحي» للمرضى: استمرارية ضمان الجودة ومتابعة الخدمات المقدمة من الركائز الأساسية    زيادتها عن هذا المعدل خطر.. نصائح لتقليل الغازات وتفادي الانتفاخ    استجابة لطلاب الثانوية الأزهرية.. قرار هام من مكتب التنسيق حول القبول بالمعاهد العليا    وزارة التعليم: قرب انتهاء مدرسة روض الفرج المصرية اليابانية..صور    هشام جمال يحتفل بخطوبة صديقه.. وليلى زاهر تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    مغارة جبل الطير بالمنيا.. هنا اختبأ السيد المسيح والسيدة مريم العذراء    انطلاق الدورة التاسعة ل "مؤتمر قصيدة النثر" بنقابة الصحفيين في هذا الموعد    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    ما حكم صلاة تحية المسجد أثناء وبعد إقامة الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    متى تُصلّى صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    رغم إنفاق ملياري جنيه على تطويره .. مدبولي." سمسار السيسي يتفقد مطار سفنكس لطرحه للبيع !    هويلوند يضرب في أول 14 دقيقة.. نابولي على الصدارة بثلاثية في شباك فيورنتينا    مستشفى فايد التخصصي يجرى 6500 جراحة نساء وتوليد تحت مظلة التأمين الصحي الشامل    القومي لحقوق الإنسان والشبكة الأفريقية يعقدان لقاء تشاوريا لتعزيز التعاون    أرملة إبراهيم شيكا تكشف عن تفاصيل جديدة في رحلة مرضه    القطار ال15 لعودة السودانيين الطوعية ينقل موظفي الطيران المدنى تمهيدًا لتشغيل مطار الخرطوم    ما حكم صلاة تحية المسجد بعد إقامة الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب    مين فين؟    «كاب وكارت دعوة».. أبرز تقاليع حفلات التخرج 2025    محطة العائلة المقدسة.. دير العذراء ببياض العرب يتحول لمقصد سياحي عالمي ببني سويف    خالد عبدالقادر مستشار وزير العمل للسلامة والصحة المهنية ل«المصري اليوم»: توقيع عقوبات مغلظة على المنشآت المخالفة    مواصفات «اللانش بوكس» الصحي.. خبير تغذية يحذر من «البانيه»    مدارس التمريض بالفيوم تفتح أبوابها ل298 طالبًا مع بدء الدراسة    الخارجية: أولوية الوزارة الحفاظ على مصالح المصريين في الخارج    هل هناك ترادف فى القرآن الكريم؟ .. الشيخ خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورج بن بوش من غير رُتوش!
نشر في الشعب يوم 06 - 10 - 2007


هشام نفاع

هذا الاسبوع، احتاج المرء الي كميات جديّة من الصبر وروح الفكاهة حتي يصمد مقابل خطاب جورج بوش امام الامم المتحدة (الثلاثاء). بل ربما ذهبنا ابعد من هذا حدّ تبني مقولة الروائي غابريل غارسيا ماركيز بان هذا الزمن الذي نعيشه لا يمكن مواجهته سوي بمزيد من العبث .
في الحالتين، ليس المقصود اتخاذ مواقف فكاهية ولا عابثة بالطبع. لان هذا نفسه سيكون عبثا. بل انك كي تخرج بخلاصات جدية فيما يخص بوش، ستضطر الي الاستماع اليه. وهو ما يفرض عليك سلوكَ الدروب التي تضمن لك المناعة النفسيّة، وحماية عقلك من فيروس الغباء الذي قد ينتقل اليك منه عبر الشاشة او النص المكتوب. اي حتي من غير لمس. فالمشاهد مهدد بخطر الغباء ليس بفعل غباء بوش الشخصي بالذات، بل لان السياسات التي يحاول تمريرها والمصالح التي يمثّلها هي ابعد ما تكون عن الغباء. انها شديدة الذكاء والدهاء والخبث، وتعتمد علي استغباء العقول بالاساس. ولذلك يجب المجيء اليها بقدر كبير من التشكك والحذر. اعتقد احيانا ان الدهاة الذين اختاروا بوش مرشحا ونصّبوه رئيسا (حسنا، عبر انتخابات!) انما اختاروه بفعل تلك الملامح الغبيّة ونبرة صوته البلهاء التي خصّته بها الطبيعة، وكل هذا حتي يجعلونا ننشغل بغبائه فلا نصغي الي كلماته. ومن هنا وجب الحذر.
اننا امام مُعضلة. فالرجل خرج في خطابه الاخير ليدعو الامم المتحدة بفم ملآن الي العودة للقيام بمهماتها ووظائفها الاصلية، وفي صلبها نشر الحرية للانسانية وضمان الديمقراطية في العالم . ولا يسعنا القول هنا سوي: صبرا يا ايّوب! حقا، ان علي المنظمة الدولية ان تتعلم من سياسات بوش وزمرته الرشيدة في تحرير العراق وانعاش افغانستان وحماية وتعزيز عدالة الاحتلال الاسرائيلي ونزاهة عروش النفط واصلاح لبنان واخيرا توجيه التحية الديمقراطية لسورية بالطائرات الاسرائيلية المقاتلة. هكذا تكون الحرية، وهكذا تكون الديمقراطية وهكذا تكون الانسانية. علينا جميعا ان نتعلم قيم الاخلاق من عصابة المحافظين الجدد.
لكن هناك جملة قصيرة واحدة وردت علي لسان بوش الذّرب، وهي تستحق وقفة طويلة. فقد قال دون ان يطرف له جفن: ان الولايات المتحدة تريد امما متحدة قويّة وناشطة .. حسنا، بعد استلهام الصبر مجددا، نحتاج هنا الي بعض الحقائق وبعض الوقائع التاريخية القريبة حتي نفحص كميات الكذب التجارية في هذا الزعم.
مطلع القرن الجديد، بعد 11 ايلول (سبتمبر) بدات ماكينة الحرب الامريكية بالتحرّك. الهدف هو العراق. والمخطط كان جاهزا. هنا، قصفت الادارة الامريكية الراي العام بكميات هائلة من المعلومات المفبركة بغية تبرير ما تبيّته. تحدثت عن علاقة النظام العراقي بالقاعدة، عن اسلحة دمار شامل هائلة مخبّأة بعيدا عن الرقابة الدولية، عن وعن وعن.. وهو ما تم في النهاية دحضه عبر تقارير وشهادات امريكية رسمية. بل ان صحيفتي نيويورك تايمز و واشنطن بوست اعتذرتا للقرّاء لاحقا في افتتاحيتين علي رداءة تغطيتهما للقضية وعدم تقديم صورة معلوماتية وتحليلية كاملة لهم.
قبيل شن الحرب، انطلقت حركة احتجاج عالمية شاملة ضد المخطط الامريكي. لكن قرار البيت الابيض كان قد قرّ علي الخروج في حملة لا رجعة فيها. وحين لم تنصَع دول العالم الي املاءات واشنطن، اعلن بوش ان نظامه سيقود تحالفا لنزع سلاح العراق اذا لم يقم مجلس الامن الدولي بالتحرك ضد بغداد . كان هذا التهديد الواضح يعني شيئا واحدا: بوش يدوس علي الامم المتحدة ومجلس امنها وسيتصرّف خارج قراراتها. بعده اعلن اري فلايشر، المتحدث باسم البيت الابيض لصحافيين علي متن طائرة اقلت الرئيس الامريكي ان مفاوضي الامم المتحدة يواجهون اسبوعا مهما.. سنري ما سيحدث في نيويورك.. هذه فرصة الامم المتحدة لتحقيق نجاح، او ان هذه فرصتها للفشل . اذا فالامم المتحدة بما تمثله وُضعت في الامتحان الامريكي، اما الرضوخ واما الفشل.
في مقال كتبه تيري ميسان، مدير شبكة الصحافة غير المنحازة (فولتير)، استعرض خلفيات واهداف البيت الابيض بقيادة بوش وعصابة المحافظين الجدد لتقييد رقابة الامم المتحدة وجعلها ترضخ لسياساتهم. فقد اعلن المحافظون الجدد مرارا وبصراحة انهم لا يفهمون لماذا يجب علي واشنطن الانصياع للقانون الدولي، ما دامت وحدها كدولة، قادرة علي اتخاذ القرارات باعتبار ان العالم صار وحيد القطب، وهي مركزه. الكاتب يستذكر قيام المخابرات الامريكية بوضع رئيس الامم المتحدة في حينه كوفي عنان تحت التنصّت لابتزازه؛ قيام هيئة مكونة من الجمهوريين المقربين من ادارة بوش وتدعي فلتتحرك امريكا قدما ، باطلاق حملات تشهيرية عبر القنوات التلفزيونية الامريكية، من اجل حجب المصداقية عن المنظمة الدولية، وتصوير موظفيها علي انهم من مناصري الارهاب واعداء الولايات المتحدة وحتي المطالبة باقفال مقر المنظمة في نيويورك وطرد طاقمها؛ واخيرا، تعيين جون بولتون مندوبا عن الولايات المتحدة في الامم المتحدة وهو الذي كان دعا مرارا الي انهاء مهمتها لانها تعرقل مبادرات امريكا .
لم يتوقف الامر عند البيت الابيض، فقد صوّت الكونغرس عام 2004 علي ميزانية قدرها مليون ونصف المليون دولار، لصالح مؤسسة تُدعي المعهد الامريكي للسلام من اجل انشاء مجموعة عمل مكلفة بتحضير تقرير عن مهام هيئة الامم المتحدة ، لان اعضاء الكونغرس آسفون من عدم فعالية نشاط المنظمة الدولية علي كثير من المستويات . ثم جاء هنري هايد، رئيس لجنة العلاقات الدولية في الكونغرس، باقتراح قانون هو في الحقيقة انذار محدود الاجل للمنظمة الدولية بان تختار ما بين تبني اصلاحات او وقف بلاده دفع مستحقاتها لها. فالولايات المتحدة كانت تساهم حينئذ بمستحقات قدرها 439 مليون دولار الي المنظمة الدولية، اي بنسبة 22% من ميزانية المنظمة. هنا جاء نواب الكونغرس للتلويح باقفال الحنفيّة اذا لم تُنفّذ اوامرهم. كانوا صريحين جدا وقالوا ان مستحقاتهم للمنظمة الدولية يجب ان توجَّه فقط لدعم المبادرات التي تدعمها الولايات المتحدة . كما اشترطوا تفكيك 18 هيئة اممية وانسانية مع التكرُّم بالموافقة علي ابقائها علي شكل هيئات تطوعية تحدد كل دولة ما يلزمها منها . بكلمات اخري: قانون دولي ومعايير عمل بحسب المقاس. ولننتبه الي ان المقاس يُحدَّد مسبقا بموجب كسم المصالح الامريكية.
هذه هي حقيقة القوّة والفاعلية التي يريدها نظام جورج بوش لمنظمة الامم المتحدة. ليست المسالة مناطحة بالطبع. بل محاولة عنيفة لتغيير النظام العالمي الذي انشئ بعد الحرب العالمية الثانية وبناء نظام عالمي جديد . والجديد الذي يقصدونه، هو ما قاله المسؤولون الامريكيون صراحة: ان الحكم للقويّ وليس لاية احكام دولية، والولايات المتحدة هي الاقوي! بكلمات اخري، انه مشروع قانون الغاب والغرب المتوحّش الذي يتلخّص دوره في شق الطريق امام مصالح آلة الامبريالية المتوحّشة وسحق كافة المعيقات التي قد تقف في وجهها.
تلخيصا: في كتابه الذي يشكل لائحة اتهام لتلك السياسات، بعنوان كيف اصبحنا مكروهين الي هذا الحد ، يقول المؤلف الامريكي غور فيدال مخاطبا بوش: حان الوقت للتخلي عن دورنا الذي يذمه الجميع كشرطي علي العالم (...) فبرغم اننا نصِم بانتظام مجتمعات اخري بكونها دولا مارقة، فقد اصبحنا نحن ذاتنا اكبر الدول مروقا في العالم. نحن ننتهك المعاهدات، ونرفس المحاكم الدولية باقدامنا. نهجم من جانب واحد حيث نريد، ونصدر الاوامر للامم المتحدة ولا ندفع مستحقاتها علينا. نشكو من الارهاب، في حين ان امبراطوريتنا هي اكثر الجميع ارهابا . ربما لا توجد كلمات ادقّ من هذه لنزع اللثام عن هذا النظام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.