إلغاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد ومواد «الوقف».. والتقليل من صلاحيات «المركزى للمحاسبات» «الخمسين» أقرت باختيار «الرئيس» ل«رؤساء الأجهزة الرقابية».. لمصحلة من؟! حذف المادة 200 التى تنص على الاستقلال الفنى والمالى والإدارى ل«المحاسبات» عمد دستورالانقلاب- الذى طبخته ما تسمى لجنة الخمسين داخل غرفها المغلقة- إلى فتح الباب على مصراعيه للفاسدين يمرحون كيفما يشاءون، فما بين إلغاء المفوضية لمكافحة الفساد التى نص عليها دستور 2012 وإلغاء مادتى الوقف، وتقليل صلاحيات الجهاز المركزى للمحاسبات، نجد أنفسنا أمام دولة لا يحكمها ضابط أو رابط. ففيما يتعلق بمواد الوقف أكدت حركة «اقتصاديون ضد الانقلاب» أن مادتى الوقف تعدان بمثابة استعادة للكنوز الحضارية للدولة الإسلامية، وذلك بإحياء وتطوير هذا الموروث الحضارى العظيم لنهضة الأمة والذى من بينه «الوقف». وقالت الحركة إن دستور 2012 «الشرعى» احتوى على المادتين رقم (25، 212) 2012، حيث تنص المادة 25 على «تلتزم الدولة بإحياء نظام الوقف الخيرى وتشجيعه، وينظم القانون الوقف، ويحدد طريقة إنشائه وإدارة أمواله واستثمارها، وتوزيع عوائده على مستحقيها، وفقا لشروط الواقف»، هذا إلى جانب المادة 212 والتى تنص على «تقوم الهيئة العليا لشئون الوقف على تنظيم مؤسساته العامة والخاصة، وتشرف عليها وتراقبها، وتضمن التزامها بأنماط أداء إدارية واقتصادية رشيدة، وتنشر ثقافة الوقف فى المجتمع». وأضافت الحركة «رغم أن الأوقاف حاليا وضعها مزر وفيها فساد للركب، قام الانقلابيون بحذف هاتين المادتين ضمن مواد أخرى، موضحا أن دور الهيئة العليا للوقف كان يتلخص فى إعادة التنظيم وإعادة الثقة، والمساهمة فى مشروعات وقفية فى مجالات الصحة والتعليم وخلافه، والتى تعانى نقصا حادا». وتساءلت الحركة عن تفسير تعمد الانقلابيين حذف المادتين سوى أنهم لا يريدون منا أن نتذكر أى شىء من الحضارة الإسلامية، أو نستفيد من العوائد المجزية جدا من الوقف. من ضمن الكوارث التى أطل بها دستور الخمسين، إلغاء المادة 204 فى دستور 2012، المتعلقة بإنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، حيث حذر المركز العربى للنزاهة والشفافية من خطورة هذا الأمر، معتبرا أن هذا الإلغاء يمثل ردة للخلف وتكريسا لاستمرار انتشار الفساد، ومثيرا للكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب التى تصيب البعض بالتخوف من وجود هذه الهيئة. وأكد المركز أن وجود هذه الهيئة يمثل استحقاقا دوليا على مصر، نتيجة توقيعها على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، كما أن إنشاء الهيئة سيكون له تأثير إيجابى على الاقتصاد المصرى لأنه سيحسن من موقع مصر على مؤشر مدركات الفساد العالمي، مما سيؤدى بدوره إلى بث الثقة والطمأنينة لدى المستثمرين، ويعطيهم الانطباع بأن الحكومة عازمة على محاربة الفساد الإدارى، وهو الأمر الذى سيجعلهم يضخون المزيد من الاستثمارات فى مصر. كما أن وجود الهيئات الرقابية الحالية لم يمنع من تفشى الفساد، بل إن الفساد تنامى فى كنف الهيئات الرقابية الموجودة حاليا ومنذ ثلاثين عاما، وأن دور الهيئة المنشودة وقائى وليس رقابيا، مشيرا إلى أن الشعب المصرى قام بثوراته بسبب تفشى الفساد لا بسبب الرغبة فى إعادة توزيع السلطات. لم يكتف الانقلابيون بها، لكن تعمدوا تقييد صلاحيات الجهاز المركزى للمحاسبات من صلاحياته فى دستور الانقلاب، حيث أعلن المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز، تحفظه على مواد الجهاز، وقال جنينة، فى مذكرة رسمية قدمها للجنة دستور الانقلاب، إن تلك المواد تضر باستقلال الجهاز، لافتا إلى أن هناك أربعة تحفظات أساسية على المود المتعلقة بالجهاز، أولها حذف المادة 200 من دستور 2012، والتى كانت تنص على الاستقلال الفنى والمالى والإدارى للجهاز. وجاء فى المذكرة اعتراض الجهاز على إسناد اتخاذ القرارات التأديبية المخولة لجهة الإدارة للنيابة الإدارية وحصر الطعن عليها أمام مجلس الدولة، بما يعنى سلب اختصاص الجهاز بالرقابة القانونية على القرارات الصادرة فى شأن المخالفات المالية، وهو أحد ثلاثة أنواع من الرقابة التى يمارسها الجهاز. وكانت من أهم النقاط التى جاءت بالتقرير مطالبة الجهاز بالنص على تقديم تقارير الأجهزة الرقابية إلى رئيس مجلس الوزراء، بالإضافة لرئيس الجمهورية ومجلس النواب، كما طالب الجهاز بإلزام جهات التحقيق باتخاذ اللازم تجاه تقارير الأجهزة الرقابية خلال مدة محددة، وإخطارهم بذلك. وذكر أحد أعضاء الوفد الذى قدم المذكرة، أن الجزئية الأخيرة المتعلقة بإلزام جهات التحقيق باتخاذ اللازم تجاه تقارير الأجهزة الرقابية خلال مدة محددة وإخطارهم بذلك، تقضى على تسييس التعامل مع ملفات الفساد التى يرسلها الجهاز إلى النائب العام، وتحريك قضايا معينة وعدم تحريك الأخرى وفقا للأهواء الشخصية. فى دستور الانقلاب لم يسمع صوت لمن كانوا ينادون بمسألة الهوية الاقتصادية مثلما حدث فى دستور 2012، فالجميع اكتفى فقط بالحديث عن إسقاط نسبة ال50% لتمثيل العمال والفلاحين فى البرلمان، والآن يرى بعض الخبراء أن إلغاء هذه النسبة لا يمثل خللا فى الهوية الاقتصادية للدستور، بل يرون أن النص على تحديد نسبة لا تقل عن حد معين من الإنفاق العام على التعليم والصحة والبحث العملى من أبرز ملامح تحقيق العدالة الاجتماعية فى دستور لجنة الخمسين. كما فشلت محاولات وزير القوى العاملة فى حكومة الانقلاب «كمال أبو عيطة» فى إقناع لجنة الخمسين بالإبقاء على نسبة العمال والفلاحين، ولو من خلال مادة انتقالية. يقول الخبير الاقتصادى محمود عبد الله إن الهوية التى يعكسها دستور لجنة الخمسين هى اقتصاديات السوق، فلم يتم التحدث عن تبنى الدولة لممارسة أنشطة مماثلة لوضع القطاع العام الذى تبنته الدولة فى الستينيات. وأوضح أن نص مواد الدستور الخاصة بالجوانب الاقتصادية بعبارات «وعلى الدولة، أو تلتزم الدولة، أو وتقوم الدولة» لا يعنى عودة الاشتراكية، أو التوسع فى دور الدولة، ولكن يعنى أن الدولة عليها القيام بهذه الأدوار، ولكن بآليات غير محددة أو ملزمة. فقد يقوم بهذه الأدوار القطاع الخاص أو العام، فالمطلوب أن ترعى الدولة هذه الواجبات، أما من يقوم بها فهذا شأن آخر. واستغرب «عبد الله» وصف دستور لجنة الخمسين بالرأسمالية الاجتماعية، فى الوقت الذى ينص فيه على أن موازنة القضاء مستقلة، وفى سطر واحد، مما يعنى غياب الشفافية، وعدم خضوع إحدى مؤسسات الدولة للرقابة المباشرة. وفى السياق ذاته ، أقرت لجنة الخمسين اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الأجهزة الرقابية بموافقة أغلبية مجلس النواب «البرلمان». وقال عمرو الشوبكى، مقرر لجنة نظام الحكم، إنه «تم التوافق على اختيار رؤساء تلك الأجهزة بقرار من رئيس الجمهورية، وبموافقة أغلبية الأعضاء بمجلس النواب» (50 % + 1).