السماد والبذور هما رحلة عذاب الفلاح المصرى بين السوق السوداء والجمعيات الزراعية؛ ففى الوقت الذى ترتفع فيه معدلات البطالة فى مصر ولا يجد الشباب مجالا للعمل احتضنهم الآباء، خاصة فى الريف، واعتمدوا عليهم فى رعاية أراضيهم، إلا أن الحكومة يبدو أنها أرادت أن تقطع عليهم كل طرق العمل فلم تكتف بارتفاع أسعار المحاصيل فى ظل الارتفاع الجنونى للأسمدة، فلم يجد الفلاح المسكين أى مجال للحصول على دخل ثابت. كما أن الحكومة، أظهرت وجهها الحقيقى عندما قامت برفع سعر الأسمدة وتركت الفلاح فريسة لجشع تجار السوق السوداء، الذين تحكموا فى الأسعار دون رقابة وكأنها لا تنشغل بما يلقاه الفلاح من معاناة. كاميرا «الشعب» رصدت معاناة وآلام الفلاحين فى محافظة الشرقية، فكان حديثهم واحدا وآلامهم واحدة، حيث يقول إبراهيم عبد العاطى، مزارع من قرية عليوة التابعة لمركز الحسينية؛ إن ما يحدث يعد امتهانا لكرامة الفلاح الذى لا يجد مأوى سوى أرضه الزراعية التى يعمل فيها ليلا ونهارا، حتى يستطيع العيش فى ظل الارتفاع الجنونى للأسعار، إلا أن المسئولين مصممون على قتل الفلاح، وإذلاله حيث بدأ هذا الإذلال من الجمعيات التعاونية، وبنوك التنمية الزراعية، والسوق السوداء، ونحن فى أشد الاحتياج إلى الأسمدة الزراعية والبذور، ووجدنا أسعارها، وصلت إلى ذروتها فى السوق السوداء، فلجأنا إلى الجمعية الزراعية المستجدة بالقرية المجاورة لنا (أبو السيد) إلا أننا وجدنا مكتوبا على بابها، (فوت علينا بكرة يا سيد)، وكأن ثورة لم تقم، لطرد الفاسدين الذين ازدادوا فسادا. ويعلق محمد نبيه، فلاح من أبو كبير، قائلا: إن الأسمدة الموجودة بالجمعية الزراعية، تخرج للأقارب والمحاسيب، وإذا أراد أن يعطيك فلا يعطيك حصتك كاملة، دون رقابة من أحد مسئولى التعاون الزراعى أو الزراعة، والرد الوحيد عندهم، (حصتنا صغيرة وده اللى الحكومة بتبعته)، لافتا إلى أنهم يقومون بشراء باقى الكمية التى تحتاجها الأرض من السوق السوداء، والتى يصل سعر شيكارة اليوريا فيها إلى أكثر من 150 جنيها. ويوضح أشرف عطية، فلاح من مركز بلبيس، أنهم يذهبون إلى الجمعيات التعاونية حيث يفاجئون بالمسئول يقول: (معندناش روحوا البنك)، نذهب إلى البنك يقولون: (إحنا معندناش نجيب كيماوى).. ونلف (كعب داير) على المسئولين، وفى نهاية المطاف نعود إلى بيوتنا نجر أذيال الخيبة لعدم حصولنا على شيكارة سماد، متسائلا: أين دور الحكومة التى قالت نحن مع الفلاح وسوف نساعده؟.. كلها وعود وهمية. وأكد أنهم قاموا بعمل وقفة احتجاجية، أمام الجمعية الزراعية، قبل ذلك ولكن لم يحصلوا على شيكارة واحدة، والرد واحد: الحصة غير كافية وفوتوا علينا بعد يومين، ثم يتحججون بالحصر الذى يقوم مهندس المنطقة بعمله، قائلا: (يا سلام لو انت صاحب المهندس يبقى يا بختك؛ يعملك أرضك كلها درة. ويفجر السيد محمود، فلاح من كفر صقر، مفاجأة من العيار الثقيل، قائلا: إن المهندس المسئول عن صرف الأسمدة يقوم ببيعها لتجار السوق السوداء، مشيرا إلى أنه يتم الاتفاق بينه وبين مهندس المنطقة لعمل كشوف يتم الصرف بها للمزارعين وكشوف أخرى يتم (تظبيطها) وإعطائها للمسئولين. ويؤكد محمد نصر، مزارع من الإبراهيمية، أن الفلاح لم يجد له حظا مع المسئولين حتى فى بنك التنمية يعاملونهم معاملة، سيئة، رغم أن البنك قائم على قروضهم التى يأخذونها فى غالب الأوقات إجباريا متسائلا: متى سيأخذ الفلاح حقه من الدولة؟ أما شوقى عبد الرحمن، فلاح من منيا القمح، فيقول إن الأزمة ستتفاقم خلال الأيام المقبلة ولا ندرى كيف سنواجهها فى ظل غياب تام من الرقابة والمسئولين عن الجمعيات الزراعية وكذلك السوق السوداء.