وصف رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة جراء الحصار والعدوان وتآكل مقومات الحياة وأبسط حقوق الإنسان؛ بأنها "حالة إنسانية غير مسبوقة"، في ما اعتبر النائب جمال الخضري رئيس "اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار"، أنّ الحصار ضرب البنية الاقتصادية "ضربة قاضية" وأثر على مناحي الحياة الصحية والبيئية والإنسانية والاجتماعية والتعليمية. تجدد أزمة الوقود وقد أعادت أزمة الوقود التي بدأت حكومة الاحتلال بتقليصه بشكل كبير جداً في الأيام الأخيرة، إلى درجة شلّت مناحي الحياة المختلفة، إلى الأذهان مأساة حصار قطاع غزة المستمر منذ أكثر سنتين، وبمستويات أكثر حدة منذ ما يزيد عن عشرة أشهر. ويأتي استمرار ذلك في ظل تقصير فلسطيني وعربي ودولي، رسمي وشعبي، عن القيام بواجب التحرك لرفعه، باعتباره يتناقض ومقتضيات الواجب القومي والإسلامي والإنساني، ومع اتفاقية جنيف الرابعة وحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي. وتشير تقارير إحصائية أنه نتيجة لتقليص كميات الوقود الذي عمدت إليه سلطات الاحتلال في الشهور الأخيرة؛ فإنّ أكثر من 85 في المائة من وسائل النقل والمركبات الخاصة والعمومية متوقفة تماماً، والباقي من المتوقع أن يتوقف في يومين علي الأغلب، كما أنّ 60 في المائة من سيارات الإسعاف متوقف بشكل تام، و75 في المائة من معدات البلديات متوقفة تماماً أيضاً. ولا تمثل أزمة الوقود التي تشلّ الحياة في غزة سوى أحد مظاهر الحصار وليس كل الحصار، وقد طفا الحديث عنها على السطح، برأي مراقبين، بالنظر إلى ما ينجم عنها من آثار كارثية، لارتباطها مباشرة بخدمات مهمة كتوفير الطاقة اللازمة للخدمات الصحية والإسعاف وخدمات الصرف الصحي، وغيرها. "لا حياة لمن تنادي!" ولعلّ التطورات الأخيرة المؤثرة على الناحية الإنسانية دفعت رئيس "اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار" في غزة، للتأكيد مجدداً أنّ إنهاء الحصار مهمة فلسطينية عربية ودولية، مشددًا على ضرورة مواجهة الحصار بوحدة فلسطينية، مع تفعيل الدور العربي والإسلامي وتطويره على المستويين الشعبي والرسمي، وكذلك التواصل مع المجتمع الدولي لإرغام الكيان الصهيوني على إنهاء الحصار، الذي يتناقض مع اتفاقية جنيف الرابعة وحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي. وفي الاتجاه نفسه؛ انتقد رئيس المجلس التشريعي بالإنابة الدكتور أحمد البحر، تجاهل العالم العربي لمعاناة أهل غزة، على المستوى الرسمي والبرلماني، وعلى مستوى "بيت العرب" (جامعة الدول العربية) قائلاً "لقد ناشدنا إخوتنا العرب ليرفعوا الحصار وينقذوا مرضانا، لكن لا مجيب للأسف، وقد خاطبنا البرلمانات العربية وطالبناهم بأن يضغطوا على حكوماتهم من أجل تنفيذ قرار وزراء الخارجية العرب، كما كاتبنا الأمين العام لجامعة الدول العربية وتحدثنا إليه مشافهة، ولكن لا حياة لمن تنادي". خلافات الأسرة الواحدة ويرى مراقبون أنّ ما صدر من عتاب أخوي، أو انتقادات من مسؤولين في حركة "حماس" أو شخصيات برلمانية فلسطينية تجاه النظام العربي عموماً وتجاه مصر مؤخراً؛ ناجم عن الحالة المأساوية غير المسبوقة التي وصلت إليها الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وانسداد الأفق السياسي بشأن ملفات كثر الحديث عنها منها فتح المعابر. وقد حاول الكيان الصهيوني وجهات أخرى تضخيم هذه الانتقادات بسبب الضغوط الملازمة للأوضاع على الأرض، وهو ما دفع رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، إلى اعتبار التفاصيل التي "تعترض العلاقة أحياناً (مع مصر)، تشبه الخلاف داخل الأسرة والبيت الواحد، وأنها لا يمكن أن تؤثر على عمق العلاقة ووحدة الهدف والمصير الذي يربط الشعبين الشقيقين"، كما قال. وعبّر هنية عن أمله في أن تستثمر مصر مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية لمضاعفة الجهود بهدف وقف هذا التدهور الإنساني، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار وفتح المعابر، و"الضغط على كافة الجهات التي تحاصر شعبنا من أجل التوقف عن هذه السياسات التي تضر بأمن واستقرار المنطقة". وبيّن هنية في الوقت ذاته حرص حكومته على إنجاح المساعي والجهود التي تقوم بها مصر، سواء على صعيد فتح المعابر أو وقف العدوان الصهيوني وتوصل الفصائل الفلسطينية إلى توافق حول التهدئة المتبادلة أو استئناف الحوار الفلسطيني الداخلي. التصريحات الأوروبية على المستوى الدولي؛ فإنه رغم التصريحات المتقدمة الصادرة عن البرلمان الأوروبي وبعض الدول ووزراء دول أوروبية، كالنرويج وفرنسا وإيطاليا، ومنظمات أممية، بوجوب رفع الحصار في إطار سياسة العقاب الجماعي للكيان الصهيوني ضد المدنيين الفلسطينيين، وفتح حوار مع حركة "حماس" وإنهاء الانقسام الفلسطيني بدلاً من الانحياز ودعم طرف واحد في إطار حصار الطرف الآخر؛ فإنّ ذلك كله بقي قاصراً على الأقوال دون أي تأثير فعلي على الاحتلال. ويحتاج برأي مراقبين إلى تنشيط التحرك الدبلوماسي الفلسطيني والعربي، لمحاولة إحداث اختراق فعلي بعيداً عن ممارسات الإدارة الأمريكية وما يسمى ب "الرباعية الدولية"، التي فرضت حصاراً على القطاع بعد انتخابات حرة اعترف العالم بنزاهتها، بسبب عدم استجابة "حماس" للإملاءات التي توجب الاعتراف بالكيان الصهيوني، واتفاقات التسوية المنهارة الموقعة معه، ونبذ الحق في مقاومة الاحتلال. أفكار لفك الحصار وبرأي مراقبين؛ فإنّ كسر الحصار سيكون محصلة جهود مشتركة من الجانبين الفلسطيني والعربي على المستويين الرسمي والشعبي، وفق خطوات من أهمها: فتح معبر رفح من قبل الجانب المصري، باعتباره معبراً فلسطينيًا مصرياً صرفاً، وقبول مصر بإدخال الوقود والكهرباء والمواد الغذائية لقطاع غزة والسماح للمرضى والحالات الإنسانية بالعبور. تبني الجامعة العربية حملة كسر الحصار على المستوى العربي والدولي، وتوفير الدعم السياسي والإنساني للشعب الفلسطيني. وقف أي محادثات في مجال التسوية مع الكيان الصهيوني من جانب جناح السلطة الفلسطينية برام الله، وهو ما يبدو أكثر إلحاحاً مادام الحصار مفروضاً على قطاع غزة، ورفض الانصياع لرغبة الإدارة الأمريكية التي تبحث عن إحراز مكسب دعائي قبل رحيلها نهاية العام الجاري بعد أن تلطخت يديها وسمعتها بدماء ضحايا الحروب في العراق وأفغانستان ومحرقة غزة. تنظيم حملات شعبية متواصلة لفك الحصار على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وعلى مستوى العالم، وتصعيد هذه الفعاليات كلما ازدادت حدة الحصار، بحيث تتضمن مظاهرات ومهرجانات، وحملات جمع تبرعات، مع أهمية استثمار الجانب الإنساني وتسليط الضوء عليه إعلامياً، ووضع خطة واضحة المعالم محددة الأهداف لذلك. تنظيم حملات سلمية داخل قطاع غزة، وفي الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، والابتكار في هذا المجال، للفت الانتباه إلى معاناة أهل غزة. ويذكر مراقبون من النجاحات التي تحققت في هذا المجال ما قامت به اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في شهر فبراير (شباط) الماضي، كالسلسلة البشرية التي تشكلت من الأطفال وطلاب المدارس في شهر الماضي بامتداد 40 كيلو متراً من رفح جنوباً إلى معبر بيت حانون شمالاً، لترفع الصوت عالياً بشعارها "اكسروا الحصار"، والتغطيات الإعلامية المهمة التي قامت بها محطات تلفزة عند انقطاع الكهرباء عن قطاع غزة، والتأثيرات السلبية لها لاسيما في المجال الصحي. كما يمتد الأمر إلى نشاط أطر من قبيل "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة"، والتي أطلقت تحركات واسعة على مدى الشهور والأسابيع الماضية. كما يبدو من الخيارات التي ترددت في الآونة الأخيرة؛ فكرة التحركات السلمية لاقتحام الحدود الشمالية لقطاع غزة بحيث تشارك فيها سلسلة بشرية ضخمة من الأطفال والنساء، وتكرار هذه المحاولات مع تسليط الأضواء عليها إعلامياً لفضح واقع الحصار. ويعتقد مراقبون أنّ الجهد الشعبي المتواصل والمنهج، والذي لا يقتصر على الانفعالات الآنية، من شأنه أن يحقق الكثير في مسألة تخفيف الحصار عن غزة، أو رفعه، ويجب أن يسبق ذلك إرادة قوية لمواجهة أية عراقيل تمنع من هذه التحركات، لاسيما من المستويات الرسمية.