يوم الأحد 9 آذار (مارس) 2008 نشرت الأهرام علي صفحتها الاولي تصريحاً للمشير حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والانتاج الحربي بعد أن نقل تحيات الرئيس الي ضباط الجيش الثالث وبعد ان استعرض التطورات علي الساحة الداخلية يؤكد فيه علي دور القوات المسلحة في حماية الشرعية الدستورية وتحقيق الاستقرار الداخلي. ومضي اكثر من اسبوع دون ان اقع علي تعليق أو تقييم لهذا التصريح الخطر ذلك لأن يقيني أن القائد العام قد خرج علي الدستور خروجاً مبيناً باستدعاء الجيش الي مواجهة المعارضة الشعبية في كفاحها المشروع من أجل التغيير وانحرف عن مهام القوات المسلحة الأساسية في الدفاع عن أرض الوطن وسلامته ضد العدوان وهي المهام التي لم يأت لها ذكر في تصريح المشير القائد العام. وقد أنهي المشير لقاءه بالاشادة بدور القوات المسلحة في التنمية كما فعل الرئيس مبارك حين أنهي زيارته بتفقد مخبوزات الجيش الثالث! أي اعداد معنوي هذا لقواتنا المسلحة والمنطقة من حولنا حبلي بكل الاحتمالات العسكرية العدوانية علينا وعلي شعوب أمتنا العربية في غزوة صليبية تقودها الادارة الأمريكية من المحافظين الانجيليين والصهاينة، تهدد وجودنا أمة وحضارة وتراثاً وديناً في حرب استباقية ليست لها سابقة في التاريخ؟ يستدعي تصريح المشير الي الذاكرة أحداثاً في الستينيات الباكرة من القرن الماضي انتهت بنا الي نكسة 1967 التي ما زالت مطبوعة في وجداناتنا نحن من عاصرها حزناً يفيض بلا توقف وغضباً يتأجج بلا هواده يحملان الينا خشية علي الوطن وعلي الأمن القومي للأمة. فقد كانت أمور القوات المسلحة كما هي الحال اليوم مغلقة علي كل الناس الا الدكتاتور ومن يلوذ بصحبته وحماه من أهل الثقة. ولأننا ما زلنا في ظل حكم دكتاتوري مطلق ولأن اليقين التاريخي يقول بأن السُلطة مفسدة وأن السُلطة المطلقة يكون افسادها مطلقاً. وصاحب السُلطة المطلقة ومن يدور في فلكها من أهل الثقة من المفسدين هم القائمون علي أمور قواتنا المسلحة درع الأمن القومي. فكيف يكون لنا أن نطمئن علي أمن الوطن والأمة وعلي أن رجال قواتنا المسلحة يتبوءون أرفع مكانة مهنية ويمتلكون القدرة علي التعامل المتجدد مع تقنيات الحروب الحديثة. تستدعي الذاكرة صورة الاعلام الرسمي في تلك الأيام من بواكير ستينيات القرن الماضي الذي لم يكن يكف عن وصف الجيش بأكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط ولم يكن أيضاً يكف عن وصف مستشفي طب أسيوط بأكبر مستشفي في الشرق الأوسط، وكان لافتاً للنظر تماثل الجيش والمستشفي الجامعي بأسيوط في اعلام الدولة وحين يتبين عدم وجود المستشفي أصلا مما دعاني الي التحذير من احتمال مصيبة أعظم بأن لا يكون للجيش وجود فاعل مما أغضب مدير جامعة اسيوط ومؤسسها الدكتور سليمان حزين رحمه الله كما أغضب رئيس الوزراء الدكتور عبد العزيز حجازي حين اجتمعنا معه في لقاء اساتذة الطب لبحث مشاكل التعليم الطبي في تلك الايام البعيدة. ونحن لا نخضع لحكم شمولي فحسب ولكننا نخضع لدكتاتور متعاون مع العدو، خارج علي اجماع الامه وآمالها علي وهم أن يجد لدي العدو الامريكي سنداً وحماية لحكمه. مضي علي الحكم الدكتاتوري أكثر من نصف قرن من الزمان واستقر علي حال من الركود السياسي لأكثر من ربع قرن وأصبح الفساد المالي سمته الاقتصادية فقامت الخصخصة والانفتاح الاستهلاكي علي سرقة البنوك المصرية وتهريب أموالها الي الخارج وعلي بيع المصانع الكبري الي حفنة من رجال الأعمال من أصحاب المليارات الذين مارسوا الاحتكار في منتجات استراتيجية مثل الأسمنت والحديد الذي تضاعفت أسعاره مرات حتي تكاد صناعة العمارة أن تتوقف وحتي ارتفعت أسعار المساكن الي أضعاف خيالية خلال عامين أو ثلاثة. وغلاء المعيشة ليست له سابقة وملايين الناس من العمال والموظفين والمثقفين يعانون شظف العيش في مواجهة غلاء يكاد يتزايد يومياً في ضرورات الحياة من غذاء وكساء دون ذكر للمساكن التي اغلقت أسعارها كل أمل في المستقبل لجماهير الشباب رجالا ونساء من خريجي الجامعات والمعاهد العليا، والبطالة والغلاء يدفعان الشباب الي الجريمة والانحراف بكل صوره ويصبح واجباً علي المعارضة أن تدعو المواطنين من كل مؤسسات المجتمع المدني علي اتساع الوطن من النخب السياسية والثقافية والمخضرمين من شيوخ الامة وأعضاء النقابات المهنية والعمالية وجماهير الاحزاب والمعارضة وطلبة الجامعات والمعاهد العليا للعمل علي التوصل الي الحد الادني من الاتفاق الذي يسبق فيه انتماؤهم الوطني والقومي علي كل ما عداه ليعملوا معا كمعارضة متوحدة متكاتفة لتغيير النظام القائم بالطرق المشروعة من التظاهر السلمي للملايين الي العصيان المدني والعمل علي اقامة نظام ديمقراطي تتحدد مواصفاته من الآن ويتحمل مسؤوليته رجال من التكنوقراط لا يشوب أيا منهم شائبة من الانتماء الي النظام الشمولي وتتكون منهم بعد وقوع التغيير وزارة ظل للمعارضة تتحدد مهامها في اعداد الشعب لانتخابات حرة خلال فترة محددة لا تجاوز عاماً واحداً تتاح خلالها الحرية الكاملة والاعلام الحر المفتوح لكل فكر سياسي. وهنا فقط يمكن للمواطن المصري أن يطمئن علي أمن مصر القومي في مواجهة التوحش الغربي الذي تقوده امريكا.