رغم التكتم الأمريكي الشديد حول الوجود الإسرائيلي بالعراق إلا أن هذا الوجود أصبح مرصودا ومعروفا للجميع، بعد أن تعدت مهام عناصر الدولة العبرية مرحلة الاستخبارات وإنشاء مراكز للموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان، إلى الوجود الفعلي والذي كشفه مقتل الجندي الإسرائيلي عامي حاي بيتون في انفجار لغم ببغداد خلال الأسبوع الماضي، إضافة إلى الكشف عن خريطة جديدة للمحافظين الجدد لضم الكيان الإسرائيلي داخل الجسد العربي. ومن جانبهم أكد العديد من الخبراء أن بعض مراكز "الموساد" تتخفى وراء شركات ومكاتب تجارية قد تعرضت إلى هجمات من أفراد المقاومة في كركوك، كما شاهد المواطنون الأكراد بعض الإسرائيليين في أسواقهم حيث عُرّفوا على أنهم من اليهود الأكراد الذين عادوا إلى مسقط رأسهم؛ مشيرين إلى أن إسرائيل تتحرك بالعراق من خلال الشركات الخاصة أو بالأحرى المرتزقة التي تملك ما بين 120 و140 ألف جندي في العراق ولا يتحدث أحد عن خسائرها. وأشاروا إلى أن التواجد الإسرائيلي لم يعد مقتصراً في المنطقة الكردية العراقية وحسب وإنما شمل بغداد العاصمة وبعض المدن الأخرى، لكن أبعاد مثل هذا التواجد بالمنطقة المذكورة لها انعكاسات إقليمية تهدد أمن ووحدة أكثر من دولة مجاورة للعراق، ويكون هذا التهديد بشقين، الأول التأثيرات السلبية على الوضع الداخلي لتلك الدول إذا ما أعلن الأكراد استقلالية كيانهم، والآخر خارجي متمثل في التواجد الإسرائيلي الذي جاء لأغراض معروفة وخصوصاً في مجالات المراقبة والرصد والتجسس والأعمال التخريبية. تكتم إسرائيلي والمعروف أن إسرائيل تتكتم بصورة مطلقة على كل نشاطاتها الناتجة عن تدخلها في العراق خاصة منذ حرب 1991 التي أسفرت عن نجاح الولاياتالمتحدة في جعل أجزاء من شمال العراق خارج سيطرة الحكومة المركزية وتحت سيطرة عملائها الانفصاليين برئاسة الطلباني والبرزاني، وبالتي أصبحت تلك المنطقة موطئ قدم لكل أجهزة الأمن والمخابرات والجيش الإسرائيلي تعمل أساساً ضد العراق. ومنذ عام 1991 وحتى الغزو الأمريكي في مارس 2003 خاضت الأجهزة العراقية وخاصة القوات الخاصة التابعة لرئاسة الجمهورية أو وحدات المخابرات العسكرية مواجهات عديدة ضد الوحدات الإسرائيلية والبشمركة المأجورة لها، وبعض هذه الأحداث نشرت في الصحف العراقية وبعضها ظل في الملفات السرية العراقية التي نجى بعضها قبل دخول الاحتلال الى عاصمة الرشيد. ضربات إسرائيلية ودخلت إسرائيل الحرب الشاملة بالفعل قبل أسابيع من انطلاقتها الرسمية في مارس/آذار 2003، حيث نُشرت في الصحف الإسرائيلية ابتداء من ديسمبر 2002 أخبار عن قيام وحدات إسرائيلية خاصة بالنزول في غرب العراق، حيث المكان المفترض لإطلاق أي صواريخ "سكود" منه على إسرائيل بهدف دراسة المنطقة جغرافياً وعسكرياً قبل توجيه ضربات إسرائيلية فيها ساعة انطلاق الحرب. في حين ذكر وزير الدفاع الإسرئيلي موفاز في ختام زيارته في ذلك التاريخ للولايات المتحدة إن إسرائيل ستساهم في تخطيط الحملة العسكرية لتدمير قاذفات الصواريخ في غرب العراق، ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر مقرب من موفاز قبل الحرب قوله إن الهجوم على العراق قد يبدأ غضون أسابيع معدودة وهو ما حدث بالفعل، وخلصت اللقاءات إلى اتفاق تعاون مشترك بين الطرفين، الإسرائيلي والأمريكي، بخصوص التخطيط لشن هجوم على أهداف في غرب العراق من طرف إسرائيل دون الإعلان عن ذلك وبموافقة ضمنية من سلطات عمَّان. حجم وطبيعة المساهمة الإسرائيلية في حرب العراق التي انطلقت بالغارات الجوية الأميركية الكثيفة الخميس 19 مارس 2003 محاط بسرية مطلقة حتى الآن، ولكن مصادر إعلامية عديدة تحدثت في تلك الفترة عن سماع او مشاهدة حركة طيران غير عادية في سماء الأردن ذهاباً وإياباً حتى خلال ساعات النهار. ترحيل المصابين وفي وقت لاحق ذكر بدو من القبائل التي تسكن المثلث الصحراوي الذي يشمل غرب العراق وشرق الأردن وسوريا عن تحطم طائرات عمودية عسكرية ومقتل الكثير من الجنود الذين لم تعلن عنهم واشنطن شيئاً وأنه في كل مرة كانت تسقط فيها طائرة تأتي أخرى لإجلاء الجثث وقد توجه غالبها غرباً نحو الأردن او فلسطينالمحتلة. وبعد الاحتلال وتنصيب بريمر حاكماً أمريكياً للعراق دخلت إسرائيل في جهاز التحكم في العراق عبر ما سمي بالمستشارين، وأغلبهم من اليهود، فوزارة الشباب والرياضة حكمها لفترة دون إيبرلي وهو رجل دين مسيحي أصولي وأمريكي طبعاً، وفي وزارة التعليم والبحث العلمي برز دور اليهودي دور أيردمان المتخصص في مكافحة الإرهاب، وكان مستشار وزارة المالية اليهودي ديفيد نومي وفي وزارة الزراعة نصب عدد من المستشارين أبرزهم اليهوديان هولي شاتز ودون أمستونز. استفادة حقيقية وفي الثلث الأول من شهر نوفمبر 2006 كشف الكاتب الأميركي ستيفن سينجوسكي في وثيقة تحليلية استند فيها إلى مواقف وأفكار ديبلوماسيين ومحللين سياسيين أميركيين وإسرائيليين أن "أحد الأهداف الرئيسية للحرب الأميركية على العراق هو حماية إسرائيل". وتحدث سنيجوسكي عن الدوافع التي تجعل دولة عظمى تخوض حرباً من أجل حماية "دولة" لا يكاد يكون لها وزن على الخارطة، وتحدث أيضاً عن المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية وكيف انشقوا عن الديمقراطيين في ستينات وسبعينات القرن الماضي وجعلوا من الدفاع عن "إسرائيل" مبدأً أساسياً وهدفاً محورياً في سياستهم, وتحدث الكاتب الأميركي في هذه الوثيقة عن أهم ما جاء فيها على حلقات عن علاقة أحداث 11 سبتمبر 2001 بغزو العراق. وينقل الخبير الامريكي عن المؤرخ والديبلوماسي الأمريكي بول شرودر, قوله:" إن الدافع الخفي للسياسة الأمريكية التي قادت إلى غزو العراق هو أمن إسرائيل..إذا كان أمن إسرائيل هو الهدف الحقيقي لهذه الحرب فإن ذلك يمثل أمراً فريداً بالتاريخ؛ فالمعروف أن القوى الكبرى تعمل على تحريض القوى الصغرى وإثارة الخلافات بينها حتى تتأجج نار الحرب بشكل يحقق المصالح العليا لتلك القوى، ولكن يبدو أن هذا هو المثال الأول في التاريخ حيث تخوض قوة عظمى حرباً بالوكالة عن دولة صغيرة". وحدات مقاتلة وفي نهاية مايو 2006 كشفت صحيفة "النيويوركر" الأمريكية عن وجود 3000 عميل وجندي من القوات الخاصة الإسرائيلية في أرض الرافدين، وأضافت ان هناك مخططاً إسرائيلياً لتفتيت العراق. وإقامة دولة كردية في الشمال، وذكرت الصحيفة أن الخطة "ب" التي اعتمدتها المخابرات الإسرائيلية للتعاون مع الأكراد في إقامة دولتهم تقوم على تدريب وحدات من الكوماندوز الكردي للقيام بعمليات خاصة داخل الأراضي السورية والإيرانية والتركية لصالح إسرائيل تشمل التجسس والتخريب وغيرها. وقالت مصادر إسرائيلية لصحف "معاريف" و"هآرتس" في نهاية سنة 2003 وبداية 2004 تحدثت عن دور رجال الموساد في تصفية عشرات العلماء والضباط والطيارين العراقيين وأعضاء حزب البعث بالتعاون مع الوحدات الخاصة للجيش الأمريكي، وفيما بعد مع شركات المرتزقة وفي مقدمتها شركة "بلاك ووترز". وذكرت صحيفة معارف في ديسمبر الأول 2003 أن "الموساد" زوَّد فيلق بدر الذي دخل الى العراق مع القوات الغازية بقوائم تضمنت تفاصيل عن مئات الشخصيات العراقية المستهدفة وأن هذه المعلومات نقلت الى الحرس الثوري الإيراني الذي شارك منذ البداية في عمليات التصفيات الدموية في العراق، والواضح ان إسرائيل التقت في مخطط إفراغ العراق من كفاءاته وشخصياته وعلمائه مع العديد من الدول التي تريد ان يبقى العراق ضعيفاً وممزقاً. أسلحة متقدمة وفي 4 ديسمبر 2006 ذكر مصدر عسكري اسرائيلي رفيع ان نظاماً مصنوعاً في اسرائيل مصمم لحماية الدبابات ووسائل نقل القوات من القذائف الصاروخية ستجرِّبه وزارة الدفاع الاميركية تمهيداً لاستخدامه من جانب القوات الاميركية في العراق والتي سقط معظم قتلاها حسب الروايات الرسمية بسبب القنابل المزروعة على جانب الطريق. وقد وصفت مؤسسة رافائيل التي صنعت النظام ويطلق عليه اسم "تروفي" هذا السلاح بأنه فريد لانه يستخدم مجساً يرصد الصاروخ القادم ويطلق قذيفة تدمر رأسه الحربية وهو في الهواء، وحينها ذكرت "رافائيل" ان نسبة دقة النظام تصل الى 95%, وقال المصدر الدفاعي الاسرائيلي أن البنتاجون طلب الحصول على احد الانظمة لاجراء اختبارات في الولاياتالمتحدة. وأضاف المصدر بعدما طلب من رويترز عدم الافصاح عن اسمه "تعتزم وزارة الدفاع اختبار 'تروفي' وربما يكون على المدرعة الاميركية 'سترايكر' أو غيرها من المركبات اعتباراً من ابريل 2007 وفيما بعد سيجري استخدامه ميدانياً في العراق، وتكهَّن مصدر دفاعي اسرائيلي مطَّلع على الخطط الخاصة برافائيل ان يصل سعر وحدة النظام الواحدة بما بين 250 ألفاً و350 ألف دولار وأن يصل وزن وحدة من النظام الى نحو 700 كيلوغراماً, وذكر المصدر أن الكلفة العالية للنظام يمكن تقليلها من خلال جعل المركبات تسير في مجموعات قريبة بحيث يمكن أن يوفر نظام مثبَّت على واحدة من المركبات الحماية لبقيتها. وفي 24 ابريل 2007 ذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي ان شركة اسلحة اسرائيلية ستزود وحدات مشاة البحرية الاميركية "المارينز" المنتشرة في العراق بحوالي ستين آلية مصفحة من نوع "جولان"، ضمن عقد أول بقيمة 37 مليون دولار. واضافت الاذاعة ان تسليم الآليات الى وحدات "المارينز" سيحصل في الاشهر الثلاثة التالية, موضحةًَ أن "جولان" آلية جديدة زنتها 15 طناً عرضت في سبتمبر 2006 وتسمح بنقل عشرة جنود وعتادهم. وفي يناير 2007 اختيرت هذه الآلية التي تسير على اربع عجلات من قبل الجيش الاميركي في اطار استدراج عروض، وهذا العقد هو الاول لشراء آلية "جولان" التي لم يستخدمها الجيش الاسرائيلي بعد، وتقول الشركة المصنعة ان هذه الآلية "مصممة خصوصاً لتتكيف مع العمليات في المدن" وأوضح لوفا دروريس مدير قسم التسويق في شركة "رافايل" العامة التي فازت بالعقد "خبراؤنا في مجال الحماية طوروا "جولان" لمقاومة قذائف مضادة للدروع من نوع "ار بي جي" خصوصاً او الغام. وذكرت الإذاعة أن شركات الاسلحة الاسرائيلية تزود وحدات الجيش الاميركي المنتشرة في العراق بطائرات استطلاع من دون طيار وصواريخ وأنظمة حماية للدبابات والاليات المصفحة فضلاً عن انظمة تسيير متطورة، وفي مارس 2005 فازت شركة "بالسن ساسا" الإسرائيلية بعقد قيمته 200 مليون دولار لتصفيح آليات عسكرية اميركية مستخدمة في العراق.