موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 وقيمة الحد الأدنى للأجور    جريمة زوجية وجثة حسناء في سهرة حمراء وانتقام للشرف.. أكتوبر على صفيح ساخن    رئيس المستشارية الألمانية: وقف إطلاق النار يجب أن يسبق المحادثات مع روسيا    أسعار سبائك الذهب 2025 بعد الانخفاض.. «سبيكة 10 جرام ب 54.851 جنيه»    خلافات أسرية تؤدي لمصرع طالب بقرص لحفظ الغلال في طهطا بسوهاج    أغنية مش مجرد حب لرامي جمال تقترب من تحقيق مليون مشاهدة (فيديو)    المطورين العقاريين: القطاع العقاري يُمثل من 25 إلى 30% من الناتج القومي    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    النصر يتطلع للعودة إلى الانتصارات بنقاط الأخدود    الدولار ب50.56 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 12-5-2025    النبأ التاريخى.. التفاصيل الكاملة لخبر ترامب الأكثر تأثيرا على الإطلاق    أمن الإسماعيلية: تكثيف الجهود لكشف لغز اختفاء فتاتين    تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض    لبنى عبد العزيز لجمهورها: الحياة جميلة عيش اليوم بيومه وماتفكرش فى بكرة    يارا السكري ترد على شائعة زواجها من أحمد العوضي (فيديو)    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب جنوب غربي الصين    حكم اخراج المال بدلا من شراء الأضاحي.. الإفتاء تجيب    أمريكا تعلق واردات الماشية الحية من المكسيك بسبب الدودة الحلزونية    وفري في الميزانية واصنعيه في البيت، طريقة عمل السينابون    مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025    أصالة تدافع عن بوسي شلبي في أزمتها: "بحبك صديقتي اللي ما في منك وبأخلاقك"    حقيقة وفاة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق    جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف كبيرة فى رفح الفلسطينية جنوبى قطاع غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 12 مايو    بعد ضم 5 نجوم.. 3 صفقات سوبر منتظرة في الأهلي قبل كأس العالم للأندية    ملخص أهداف مباراة الاتحاد والفيحاء في دوري روشن السعودي    حبس وغرامة تصل ل 100 ألف جنيه.. من لهم الحق في الفتوى الشرعية بالقانون الجديد؟    خاص| سلطان الشن يكشف عن موعد طرح أغنية حودة بندق "البعد اذاني"    عمرو سلامة عن مسلسل «برستيج»: «أكتر تجربة حسيت فيها بالتحدي والمتعة»    عمرو سلامة: «اتحبست في دور المثير للجدل ومش فاهم السبب»    تكليف «عمرو مصطفى» للقيام بأعمال رئيس مدينة صان الحجر القبلية بالشرقية    ترامب: سأعلن عن خبر هو الأهم والأكثر تأثيرا على الإطلاق    البترول تعلن شروطها لتعويض متضرري "البنزين المغشوش"    المهندس أحمد عز رئيسا للاتحاد العربى للحديد والصلب    عاجل- قرار ناري من ترامب: تخفيض أسعار الأدوية حتى 80% يبدأ اليوم الإثنين    ندوة "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فتاوى دار الإفتاء المصرية" بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة    محمد شيكا يتصدر.. ترتيب هدافي دوري المحترفين بعد نهاية الجولة ال 35    نجم الزمالك السابق: تعيين الرمادي لا يسئ لمدربي الأبيض    وزيرا خارجية الأردن والإمارات يؤكدان استمرار التشاور والتنسيق إزاء تطورات الأوضاع بالمنطقة    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    أسعار كرتونة البيض اليوم 11 مايو 2025    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    مشاجرة عائلية بسوهاج تسفر عن إصابتين وضبط سلاح أبيض    حريق محدود في مطبخ شقة سكنية بساقلتة دون إصابات    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    عاصفة ترابية مفاجئة تضرب المنيا والمحافظة ترفع حالة الطوارئ لمواجهة الطقس السيئ    بسبب ذهب مسروق.. فك لغز جثة «بحر يوسف»: زميله أنهى حياته ب15 طعنة    مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن    حسام المندوه: لبيب بحاجة للراحة بنصيحة الأطباء.. والضغط النفسي كبير على المجلس    خبر في الجول - جاهزية محمد صبحي لمواجهة بيراميدز    مواعيد عمل البنك الأهلى المصرى اليوم الاثنين 12 مايو 2025    الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي حسين يكتب: ولاية الجاهل بين فقه الإسلام وتجارب الأمم
نشر في الشعب يوم 31 - 10 - 2013

النظم الرشيدة لا تسمح بتولى الجهلاء مواقع الحكم.. وإذا حكم السفهاء فإنها تكون نهاية الأمم
فكرة القفز على السلطة من العسكريين أو غيرهم غير مطروحة فى النظم التى سبقتنا فى الشرق والغرب
الشورى قانون إلهى وتفلح الأمم بقدر ما تأخذ به وإن لم تكن مسلمة
الانتخابات من أهم أدوات الشورى ولا بد من التعامل معها بقدسية.. وإلغاء نتيجة الانتخابات النزيهة جريمة خيانة عظمى
أين اختفى شفيق الذى هددنا بأنه سيحكمنا رغم أنوفنا؟! وماذا كان رأى مبارك فيه؟!
رغم أهمية مواصلة الحديث عن دولة المؤسسات باعتبارها العاصم من كل أشكال الفوضى ونوازع حب السلطان، فإن مواصفات الحاكم وشروطه مهمة جدا كمكون أساسى لفكرة دولة المؤسسات؛ فإدارة دولة المؤسسات تحتاج إلى قيادة حكيمة وعلى قدر رفيع من العلم والثقافة. ولكن قبل الخوض فى ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الحوار حول شخص رئيس الجمهورية قد اعتراه الانحراف منذ ما قبل ثورة 25 يناير؛ فقد تركز الحوار حول البحث عن شخص مثالى ينقذ الأمة مما هى فيه، وأصبحت مواصفات شخص رئيس الجمهورية أهم من أفكاره وبرنامجه، وأهم من تشخيص الأوضاع الحقيقية للبلاد، وأهم من الضوابط الدستورية وطبيعة النظام السياسى.
ولا ننكر أهمية مواصفات الرئيس، ولكنها لا تصلح كى تناقش وحدها، ولا يجوز رهن حل مشكلات البلاد بشخص واحد؛ لأن فى هذا نوعا من التأليه فى غير محله، وهو كلام غير صحيح علميا، وهو كلام غير واقعى؛ فهب أن المنقذ مات بأى سبب من الأسباب، فهل سيضيع البلد؟! هذا كلام فارغ. لكن من المثير للسخرية أكثر أن يكون المنقذ المفترض لأحوال البلاد الذى لا مثيل له، شخصا بمواصفات وكفاءات مبارك على مدار 30 عاما الذى لم يترك فى مصر حجرا سليما. والآن يقولون لنا إن تلميذه السيسى هو منقذ البلاد رغم أن كل منجزاته أنه كان يضمن ولاء الجيش لمبارك كمدير للمخابرات العسكرية، ثم انقلب على الشرعية وألغى الانتخابات والدستور، ثم قتل 6 آلاف مواطن وأصاب واعتقل عشرات الآلاف من الأبرياء؛ عدد لا بأس به منهم من النساء والأطفال. حقا إن من يتحدث عن مثل هذا الشخص كمنقذ لمصر فهو شخص فقد عقله إن كان حسن النية. بل هناك سبب إضافى لا يقل أهمية عن كل ما سبق؛ هو محدودية الكفاءة أو قلة الثقافة. لا بد من إبعاد الجهلاء عن دائرة صنع القرار ككل، لا عن مجرد موقع الرئاسة. وليس المقصود بذلك العسكريين أو أى فئة أخرى، بل على كل من يتصدر العمل العام أن يقدم نفسه وأن تقدمه مؤسسته السياسية، وهذه أهمية الأحزاب السياسية.
كتبت كثيرا من الانتقادات على النظام الديمقراطى الغربى، ولكن دعوت إلى الاستفادة من إيجابياته وآلياته الجيدة. ومنها مثلا أن الأحزاب هى مختبرات لإعداد القادة. وحتى العسكريون ورجال المخابرات يدخلون بعد تقاعدهم فى هذا السلك السياسى، وترشحهم الأحزاب لا وزارة الدفاع ولا أجهزة الأمن. وقد رأينا عبر عقود من الزمن أن معظم رؤساء الولايات المتحدة لا بد أن يكونوا خريجين من أرفع الجامعات، خاصة هارفارد وييل. إذا كان تولى مهنة معينة يحتاج إلى دراسة فى كلية معينة، فإن السياسة ليست مهنة «الصيع» أو من لا مهنة له، بل لقد سميتها: «مهنة المهن»؛ ولذلك فهى تحتاج لإعداد خاص. وفى النظم الملكية الرشيدة يُعَد ولى العهد الأصلى وولى العهد الاحتياطى بما يضمن لهما الثقافة السياسية الرفيعة وتعلم اللغات ولا مانع فوق ذلك من التدريب العسكرى. والنظم الملكية الفاسدة هى التى تترك ولى العهد يلعب الميسر و«يجذب» البنات ويرتكب الفضائح. وفى الملكيات التابعة فى الخليج يرسل الأمراء أولادهم للتعلم فى أمريكا، ويُعَدون لإدارة البلاد على نفس أسس التبعية. المهم أن فكرة الإعداد للحكم فكرة متفق عليها فى النظم الملكية والديمقراطية والجمهورية، وأن تولى المناصب السياسية ليس على سبيل الخطف أو الخواطر أو القوة. وبقدر ما يبتعد النظام السياسى عن هذه القاعدة، يفسد ويفقد رشده.
دور الأحزاب السياسية
بالنسبة إلى الوضع الأمثل، فإن الأحزاب السياسية هى البوتقة والمدرسة التى تخرّج القادة السياسيين. والمقصود بطبيعة الحال الأحزاب الحقيقية لا تلك الأحزاب الكرتونية التى تملأ بلادنا وهى من تصنيع الأجهزة الأمنية؛ فالثقافة السياسية تختلف عن الثقافة الأكاديمية؛ فحتى اللجوء إلى أساتذة الجامعات من الذين لا يمارسون السياسة لا يفى بالغرض، وليست هذه هى الثقافة المطلوبة لتولى المناصب السياسية؛ فالسياسة هى نقطة التوسط بين العلم والواقع.. بين النظرية والتطبيق. السياسة هى الرؤية الشاملة التى ترى المجتمع بصورة مركبة، ولا تغرق فى جانب وتنسى الجوانب الأخرى. السياسة هى علم الربط بين الاقتصاد والسياسة، بين الأخلاق والسياسة (على خلاف نظرية مكيافيللى) بين المبادئ العامة ومشكلات الناس، والتوازن بين المصالح المتعارضة للفئات المختلفة، طبعا أعنى هنا السياسة العادلة. لولا دى سيلفا رئيس البرازيل السابق -أعود كثيرا إليه لأنه نموذج مُوحٍ- وصل إلى رابعة ابتدائى فحسب، لكنه أكثر ثقافة من كثير من العسكريين وأساتذة الجامعات فيما يتعلق بمهمة الحكم، وهو خريج مدرسة الحزب المناضل والنقابة والسجن. وفى كل البلاد التى نهضت ستجد أن حاكم البلاد كان شخصا لافتا للانتباه فى ثقافته. نهرو رئيس الهند كانت له كتابات رفيعة المستوى، وكان أول زعيم لنهضة الهند من موقع الحكم. مهاتير فى ماليزيا... إلخ، ولكن أيضا ستلاحظ فى البلاد الناهضة وجود طبقة سياسية مثقفة: اليابان - إيرانسنغافورة، ومعظم بلاد النمور الآسيوية وأمريكا اللاتينية. وهنا نجد الترابط بين أهمية وجود الحاكم المدرب والمعد وبين حكم المؤسسات؛ فالمؤسسات لا تسمح لأى «سنكوح» أو عابر سبيل أن يطمع فى السلطة ويقفز عليها. هذا غير مسموح به فى المجتمعات المحترمة، وحتى بين القبائل والعشائر فى أوضاعها الطبيعية. إن مصر ليست «نهيبة» لأى شخص تافه (رويبضة حسب تعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم). تصوروا كم شغلنا ما يسمى «أحمد شفيق»، ومن هو أحمد شفيق؟ هو مجرد لص. ولا يستطيع أن يقول كلاما محترما أو مفيدا. دعونى أَرْوِ لكم قصة موثوقا بصحتها رواها لى من كان حاضرا ومشاركا فيها: فى لقاء ضيق مع مبارك قال له بعض أعوانه، إن ريحة شفيق قد فاحت فى وزارة الطيران، وكفاية عليه كده.. لقد سرق كثيرا. فرد مبارك بما معناه: اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش. طبعا هذه لغة العصابات، ولكن ما يعنينا هنا: من هو أحمد شفيق الذى شغل مصر أكثر من عامين باعتباره منقذا لمصر من مخاطر الإخوان؟! لمجرد أنه عسكرى سابق. أين أحمد شفيق الآن؟! لقد أصبح أثرا بعد عين لمجرد أن المؤسسة العسكرية أصبحت فى يد السيسى وأصبح هو الطامع فى السلطة، وغدا سيعود السيسى إلى مصير شفيق، وربما يلحق به فى دبى. إن مصر -بل أى دولة فى العالم- أكبر من أن تكون عرضة لهذا التهريج. ولن نترك مصر عرضة للاختطاف من جديد.
من يحكم على ثقافة الحاكم وصلاحيته؟
سيقول أحد: ومن الذى يحكم على ثقافة الحاكم وصلاحيته؟! فى أحد البرامج التلفزيونية اقترحت أن يتعرض المرشح لرئاسة الجمهورية لاختبار ذكاء واختبار معلومات!. طبعا قلت ذلك على سبيل المزاح بهدف لفت الانتباه إلى سخافة ما يحدث فى سوق الترشيحات. ومن المفترض أن الأحزاب تقوم بالمرحلة الأولى من التمحيص والفرز بعد الإعداد، لكن الحكم الحقيقى على ثقافة وصلاحية الحاكم وممثلى الشعب هو الشعب نفسه. رؤيتنا فى حزب العمل -وهى رؤية الإسلام من وجهة نظرنا- أن الشورى ملزمة بعد انقطاع الوحى، وأن أكبر ضمانة لتقليل الأخطاء هى الشورى، أى الانتخاب فى هذه الحالة. وغالبا ما يكون رأى الأغلبية صحيحا أو على الأقل تكون مسئولة عن قرارها. ولا شك أن انتخاب مرسى دون شفيق هو قرار رشيد وصائب. إن احترام الشعب وقراره هو الحل، وهو الوحيد القادر على تغيير قراره فى أى انتخابات مقبلة. الشعب هو صاحب البلد، والسياسة صُنعت لترتيب أحواله، والبلد ليس ملك طائفة من السياسيين وعلية القوم كى يقتتلوا فيما بينهم ويوزع الطرف الفائز الغنائم. السياسيون -خاصة مَن فى الحكم- هم مجرد وكلاء عن الأصيل وهو الشعب. وبدون إضفاء قداسة على الانتخابات لا تتحقق هذه المعادلة. وهذا سبب جوهرى لموقفنا من الانقلاب العسكرى.
تجربة الصين الفريدة
ونحن لا نخرج عن هذه الاستقامة فى الموقف حين ترانا مقدرين أيضا تجربة الصين، رغم غياب التعددية الحزبية. وأنا شخصيا أروج لفكرة أرى كثيرين لا ينتبهون لها؛ هى: أن السنن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى القرآن الكريم تعمل فى المجتمعات التى تطبق الشريعة الإسلامية أو التى لا تطبقها.. تعمل فى مجتمعات المسلمين وغير المسلمين، كما هو الحال مع القوانين الطبيعية (الجاذبية - المد والجزر... إلخ)، مع الفارق فى أن المجتمع الإيمانى يكون أرقى عندما يلتزم بهذه السنن الاجتماعية. وكل ما أتحدث به فى هذا المقال ليس بعيدا عن فقه الإسلام؛ فالفقهاء انشغلوا فى البداية بضرورة أن يكون الحاكم مجتهدا، فلما تكالب أهل السياسة على الحكم، انخفض هذا الشرط وأصبح الحديث يدور حول الكفاءة، ولكن لم يقل أحد بولاية الجاهل أو محدود الثقافة. لقد كان هناك حكام يقرضون الشعر، ويتحاورون مع العلماء. ولكن اشتراطات الفقه لا تتسع لأشخاص مثل مبارك والسيسى حتى مع استبعاد العمالة. وقد وصفت مبارك عدة مرات وهو فى صولجان الحكم، بأنه غبى، وتصور البعض أننى أسب أو أقذف، فيما كنت أتحدث عن عدم امتلاكه الحد الأدنى من المواصفات العقلية للحاكم.
فى مثال الصين نرى أنها تلتزم بجوهر فكرة الشورى دون شكل التعددية الغربية، ومن خلال الحزب الحاكم الكبير والنظام الحاكم الأكبر، تُجدد القيادة بصورة مذهلة من حيث بساطتها وهدوئها وسلميتها وسلاستها كل فترة (من 10 إلى 20 سنة) وحدث هذا عدة مرات بعد رحيل القائد التاريخى ماوتسى تونج. وغيرت الصين مساراتها الفكرية والعملية والتنموية والاستراتيجية بحكمة لا تتحقق إلا بالعمل الجماعى والشورى التى ترفض فكرة الرئيس الملهم منقذ البلاد. وهذا ما سماه المفكر المصرى الراحل أنور عبد الملك: «الحكمة الصينية». وقد كان متيما بتجربة الصين. وقد دارت بيننا حوارات بهذا الشأن، بالإضافة إلى متابعتى لكتاباته. الصين بهذا المنهج تندفع كالصاروخ لتحتل المركز الأول من العالم خلال سنوات قليلة قادمة، تقريبا 2020.
والتجربة الإيرانية جديرة بالدراسة فى مجال الجمع بين الحاكم الأعلى (المرشد) والحاكم التنفيذى، والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطتين التشريعية والقضائية، وبين القيادة الأيديولوجية الدستورية وباقى سلطات المجتمع، من زاوية تحقيق توازن السلطات، والحد من احتمالات الاستبداد، وتوزيع مراكز استقرار القرار بشكل منظم. الشىء الذى قد لا يعرفه كثيرون أن كل المناصب والمواقع فى الدستور الإيرانى بالانتخاب، حتى المرشد؛ فهو منتخب من هيئة كبار الخبراء، وهيئة كبار الخبراء ينتخبها الشعب كل 7 سنوات.
طريقتنا فى اختيار الحكام
إذا نجح الانقلاب فى الاستقرار -وهذا ما لا نتوقعه- ولكن إذا حدث ذلك فستذهب مصر إلى غيابات الجب لسنوات، وهذا آخر ما يتمناه وطنى لبلاده، فسنعود إلى اختيار الحاكم عن طريق المؤسسة العسكرية، وستقع مصر فى قبضة عصابة من أتباع مبارك، وسنصبح عرضة باستمرار لرئيس الصدفة، أو الرئيس الذى تختاره لنا أجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية، ويبدو أنه بالصدفة. وهو لا بد أن يكون تافها؛ لأن العملاء عادة ليس لهم طاقة على قراءة الكتب. ولا أدرى كيف طلب وزير الدفاع الأمريكى من السيسى قراءة كتاب عن جورج واشنطن؟، وهل هذا شخص يقرأ أى نوع من الكتب الجادة؟! ألم تستمعوا إليه فى فيديو مسرب بغرض تلميعه فإذا به يتحدث طويلا عن كيفية توزيع السيارات على رجال القوات المسلحة، ويتحدث عن «ماركات» السيارات وكأنه صاحب توكيل؟! والتسريب يعطى فكرة عن تفاهة الموضوعات التى يبحثها وزير الدفاع فى اجتماع كبير. إنه يعد الجميع بالسيارات ولكن بالمعقول؛ فأى قطاع فى مصر يناقش ذلك؟! وهل هذه هى اهتمامات الجيش: توزيع الغنائم، والشعب لا يجد قوت يومه؟! وهل هذا أفضل فيديو عندكم لتلميع السيسى؟! هذا معناه أن الحالة «نيلة» جدا!!
العودة للمؤسسات
إذن الحرص على مصلحة البلاد يعنى العودة بلا قيد ولا شرط إلى خطوط 29 يونيو، والاستعداد للانتخابات البرلمانية، وأن يتم تشكيل مجلس قيادة ثورة من رموز الحراك الحالى ضد الانقلاب الذى يشمل كل الأطياف، وأن يكون لهذا المجلس إلزام أدبى على الرئيس مرسى، وأن يتشاوروا مع الرئيس فور عودته على الأمور التى تحتاج لتعديل فورى فى المجالين السياسى والاقتصادى، وعلى رأسها العلاقات مع أمريكا وإسرائيل وفلول النظام البائد فى مختلف القطاعات. ويجب أن يعلم الثوار أن عدم إعلان هذه الوثيقة (وثيقة تصحيح مسار الثورة أو وثيقة الاستقلال) حتى الآن من قبل الإخوان المسلمين هو الذى يؤخر إسقاط الانقلاب. نريد أن نحشد طاقة الأمة من أجل التحرير الشامل من الهيمنة الصهيوأمريكية ومن مؤسسة الفساد الداخلى بجناحيها العسكرى والمدنى.
وسنظل دائما مع عودة الرئيس؛ لأن المبادئ لا تتجزأ (سيادة الشعب والاستقلال) وإن ظل على سياساته السابقة، ولكننا سنتعهد بمحاربته سلميا وعبر الانتخابات أساسا، بدءا من الانتخابات البرلمانية، إذا لم يوافقنا على أولوية الاستقلال والعدالة والعزل الفورى لفلول النظام البائد. سيكون من العبث أن نعود إلى الموقف الذى سبق الانقلاب من حيث توليفة تركيب النظام؛ فهذا سيكون مضيعة للوقت فى أحسن الأحوال.
نحن نقيم الحجة ونشهد الله على أننا نرفض القول بأنه «لا قِبَل لنا اليوم بأمريكا وإسرائيل.. لما نخلص من السيسى الأول»، ألم تعرفوا بعد أن السيسى هو ممثل أمريكا وإسرائيل فى مصر؟! ونحن لا نبحث إعلان الحرب عليهما، ولكن نطالب بالجهاد السلمى من أجل تحرير مصر؛ فإذا حاربونا من أجل ذلك فعلينا أن ندافع عن استقلالنا وحريتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.