تنبأ له سيد قطب بلعب دور مهم في حركة التحرير الوطني والحركة الاسلامية
في عام 1924 كانت القاهرة تمور بالأحداث الجسام كبقية العالم الاسلامي، وتتهيأ لاستقبال تغييرات هائلة في الحكم والادارة بعد انهيار دولة الخلافة، وتمزق الامة وتفرقها، وضياع المظلة التي كانت تظلل الأمة وان كانت قديمة أو ضعيفة. كانت التوجهات الوطنية ضد الاحتلال في صراع مع أصحاب التغريب وأساليب التغريب في معظم العالم العربي، كما كانت الجزائر في قمة صراعها مع المحتلين الفرنسيين في 8 تموز (يوليو) من ذلك العام. ولد سالم عزام في أسرة مصرية راقية متحضرة ذات أصول عربية سكنت مصر منذ القرن الثالث عشر قادمة من الاردن الجزيرة العربية آنذاك، وكان لها باع كبير في العلم والقضاء وممارسة السياسة الوطنية النظيفة، كان والده عضوا في البرلمان المصري وفي حزب الوفد، أشهر الأحزاب آنذاك، وسالم عزام هو حفيد الشيخ خلف السعودي من ناحية الأم، وهي أسرة من أثرياء مصر وكبار الملاك فيها.
نشأ سالم عزام في (حلوان) التي كان أثرياء مصر والوجهاء يعيشون فيها حيث البيوت الواسعة والقصور الكبيرة والأراضي الشاسعة. كانت القاهرة محضنا للعلم والحرية والفكر ومقاومة المستعمرين، وكان الأزهر منارة عظيمة بعلمائه واتساع المشيخة وهيئة كبار العلماء التي تشمل العلماء الأفاضل من شتي أنحاء العالم العربي والاسلامي. كان ذلك قبل أن تهبط قيمة الانسان المصري والعربي. حدث هذا الهبوط بفضل السحر الأمريكي والصهيوني والتخاذل المصري العربي وقابلية الرؤساء للاستعمار علي عكس ادارة الشعوب. كان الشهيد سيد قطب قريبا من آل عزام، وكانت العلاقة وطيدة بين هذه الاسر الكبيرة مع تباين توجهاتها السياسية أو التنظيمية، كانت علاقة مودة وأخوة بين الجميع، تجمعهم الروح الوطنية العالية. وليست كل الأسر الثرية أو ذات الوضع الاجتماعي المتميز أو من أصحاب الطبقة العالية هي أسر نموذجية يحتذي بها في كل شيء، ولكن لأن هذه الأسر التي أشرت اليها هي أسر متميزة تخلت عن الطبقية وتحلت بالروح الوطنية النظيفة بل انها كانت ضد الطبقية والاستعلاء. انغمس سالم عزام منذ أن كان طالبا بالمدرسة الثانوية في العمل السياسي من خلال النشاط الطلابي في مدرسة حلوان الثانوية، اذ قام بتنظيم مظاهرات ضد الاحتلال البريطاني والدعوة الي الاستقلال. كانت الشعارات في المدارس آنذاك الاستقلال التام أو الموت الزؤام . وكان هذا النشاط السياسي في المدارس خطرا علي الشباب ويمثل تهديدا لدراستهم، اذ كانت المدارس تغلق أبوابها لفترات طويلة، وكانت الشرطة وقيادتها بريطانية تعامل المتظاهرين معاملة فظة وقاسية، ورغم كل ذلك انضم سالم عزام في تلك الفترة الي حزب مصر الفتاة، أمل الشباب في التحرير والعدالة الاجتماعية. ومما يدل علي شخصيته المتميزة في تلك الفترة وفروسيته، والتزامه الخلقي الاسلامي أنه استطاع خلال احدي المظاهرات أن يقفز علي ظهر جواد ويدفع الشرطي الفارس علي الأرض، ولكن في الوقت نفسه حال دون الطلبة المتظاهرين أن يضربوا الفارس لأنه أصبح أعزل. قد تكون هذه الحادثة بسيطة ولكن أول الغيث قطرة ثم ينهمر وكذا تكوين الأفراد في شبابهم والالتزام بالقيم. كانت تدور بينه وبين الشهيد سيد قطب سجالات وحوارات وتنبأ له سيد قطب بأن يلعب دورا مهما في حركة التحرير والحركة الاسلامية بمعناها الواسع متحررا من المتطلبات التنظيمية لأي فصيل منها. التحق سالم عزام بكلية الحقوق (جامعة فؤاد الأول القاهرة حاليا) بعد أن أكمل تعليمه الثانوي ، كما واصل دوره الريادي في الحركة الطلابية في الجامعة مما تسبب في حرمانه من أداء الامتحانات النهائية لسنتين متتاليتين. كانت ادارة الجامعة في الغالب تابعة للاحتلال البريطاني وادارة الاحتلال. وقد حدث أن اقتحم الطلبة المتظاهرون مكتب العميد الذي كان يدعم الاحتلال ويعادي الحركة الطلابية. قام الطلبة بالامساك بالعميد وهددوه بالقائه من شرفة مكتبه بالكلية ولكن تدخل سالم عزام أنقذ العميد من الهلاك. كان الطلبة يحترمونه ويستمعون اليه ويقدرون رأيه عندما بين لهم أن قتل العميد بالقائه من الشرفة ليس هو الطريق المثالي للتحرير وهذا مما يدل علي سمات أساسية كثيرة في شخصيته منها الفهم والصبر والتخطيط مع الشجاعة والقوة والريادة والاحترام المتبادل، ورغم أن سالم عزام أنقد العميد من الموت الا ان الجامعة قدمته للمحاكمة بتهمة الاضراب والتظاهر واستخدام العنف ضد ادارة الكلية، ورفض العميد أن يشهد بالدور الانقاذي الذي قام به سالم عزام. كان هذا السلوك الوطني التظاهر يعتبر جريمة تقود الي السجن والتعذيب الشديد. أنهي سالم عزام دراسته في مصر وانتقل سنة 1949 الي فرنسا حيث واصل دراسته في مجال العلوم السياسية والاعلام في جامعتي ستراسبورغ والسوربون. فيما واصل نشاطه السياسي وتعرف علي كثير من الطلبة العرب الذين أصبح لهم شأن بارز في بلدانهم بعد اكمال دراستهم. ومن فرنسا اهتم بقضايا اسلامية وعربية أخري أكبر من قضية الاحتلال البريطاني لمصر اذ انفتح أمامه الطريق الي العروبة وقضاياها والي الاسلام والأمة الاسلامية بكافة أطيافها وكياناتها وقضاياها من العرب والعجم. أعجب سالم عزام بالأستاذ حسن البنا ومنهجه في التغيير وازداد قربا وعلاقة مع الاستاذ سيد قطب بعد انضمام سيد قطب الي قافلة الاخوان المسلمين، مما أدي الي زيادة اهتمامه بقضايا المسلمين الفكرية والاجتماعية واستخدام علاقاته الاجتماعية وعلاقات الأسرة وموقعها ورجالها في خدمة هذه القضايا. بعد دراسة العلوم السياسية والاعلام في فرنسا والعودة الي مصر سنة 1952 وهي سنة قيام الثورة، التحق سالم عزام بالعمل في السلك الديبلوماسي السعودي، وكانت أولي الوظائف التي تولاها مع عمه الجليل عبد الرحمن باشا عزام أول رئيس للجامعة العربية حيث اكتسب سالم مزيدا من الخبرات السياسية والصلات الاجتماعية والروابط الأخوية. ظل يعمل في السلك الديبلوماسي بشرف واباء وأدي رسالته باقتدار واحترام، وظل يخدم الأهداف العظيمة دون أن ينثني أمام الاغراءات وهي كثيرة في هذا الميدان حتي استقال من العمل سفيرا، وكان رحمه الله من أشجع السفراء وأكرمهم. تفرغ للعمل الاسلامي من المنطلق الواسع وهو خدمة القضايا الاسلامية الكبيرة وفي مقدمتها قضية القضايا فلسطين وكشمير وأفغانستان وغيرها. أنشأ سالم عزام مع مجموعة من كبار الشخصيات الاسلامية المجلس الاسلامي الأوروبي في بريطانيا، وأقام من خلال هذا المجلس مجموعة من النشاطات والبرامج منها ما لم يحدث مثله حتي اليوم في أوروبا والغرب عموما، ونذكر من هذه الأنشطة: المؤتمر الاسلامي الدولي. المؤتمر العالمي لدعم الجهاد الأفغاني. مؤتمر وحدة الأمة الإسلامية. أما مشاركته الفاعلة في كثير من القضايا فكانت تعكس قناعته وفهمه الاسلامي الوسطي الصافي ومن ذلك مساعدته الكبيرة للمسلمين في نيجيريا وبلغاريا والبوسنة والسودان. وكان يبدأ خطبه الاسلامية القوية بوضوح شديد حتي في مؤتمرات نجم الدين أربكان في تركيا العلمانية وذلك في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. كان موقفه مشهودا ضد اتفاقيات كامب ديفيد المهينة وهي أولي درجات الاستسلام العملي والتفريط في الحق الفلسطيني العربي الاسلامي وانفراط العقد العربي تجاه هذه القضية. تسبب ذلك في منع سالم عزام من الدخول الي مصر سنوات عديدة الي أن اقعده المرض فاطمأن النظام. عاش سالم عزام في لندن معينا لكل ذي حاجة ساعيا الي خدمة القضايا المهمة كلها قبل أن يعود الي القاهرة ليرحل عن الدنيا في العاشر من كانون الثاني (يناير) الماضي.