أيا كانت مبررارات المؤيدين للانقلاب ومواقفهم فلا يجب أن تفت فى عضد مناهضى الانقلاب،أوتوهن عزائمهم فى نضالهم السلمى لمقاومة الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة قد يتفهم المرء أن يضيق صدر مناهضى الانقلاب وهم يرون فريقا من الشعب المصرى يمد إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء من القول والفعل،وهم الذين يبذلون من دمائهم وأموالهم وحرياتهم من أجل حرية وكرامة أبناء الوطن جميعا بمؤيديه ومعارضيه على السواء ويحضرنى فى هذا الصدد مقولة "ياشعبنا متى تصحو؟كلما ارتفعنا بك شبرا سقطت بنا زراعا" وهى للثائر والأديب اليمنى أحمد الحورش وهو أحد أحرار اليمن الذين شاركوا فى ثورة 1948 ضد حكم الإمام يحيى الذى اتسم بالتخلف والجهل الشديدين،وبا لرغم من نجاح الثورة فى قتل يحيى وتولى زمام الأمور فى اليمن إلا أن الثورة أخفقت واستطاع أحمد بن الإمام يحيى استعادة السيطرة على الموقف فى أقل من شهر،وقد لعب عدم الوعى لدى الشعب اليمنى نتيجة التخلف والجهل دورا كبيرا فى فشل الثورة وبالنسبة لمصر لا أعتقد أن عدم الوعى والجهل هو الدافع الرئيسى أو العامل الأول لموقف من يؤيدون الانقلاب مع اختلاف وتباين دوافعهم فمنهم من يحملون أعلى الشهادات ومنهم من احتكروا لأنفسهم لقب المثقفين ،ويقدمون على أنهم نخبة المجتمع،والذى كشف الانقلاب وتأييدهم له عن زيف دعواهم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومايسمى بمدنية الدولة إن العامل الرئيسى فى اعتقادى لموقف الأغلبية الساحقة من مؤيدى الانقلاب هو الاستبداد الذى عانى منه الشعب المصرى معظم فترات تاريخه،وليس كما نتبسط ونقول خلال الثلاثين سنه من حكم مبارك أو منذ 1952 ..هذا الاستبداد الذى خلق تشوهات كثيرة فى شخصية كثير من المصريين فالاستبداد يؤدى الى شيوع الخوف والجبن والنفاق والمداهنة والتزلل والتزلف والسلبية،وهو مانراه جليا فى حياتنا وفى الأمثال والحكم المتداولة فيما بيننا، والتى تعبر عن الخبرة التاريخية للشعوب ،والتى بدأت تعود مرة أخرى الى مسامعنا بعد أن كانت توارت الى الظل عقب ثورة يناير مثل "الحيطان لها ودان" وهى فى حد ذاتها دلالة على حقيقة ماحدث فى30 يونيو
إن فترة العامين ونصف التى أعقبت ثورة يناير بكل ماشهدته من حريات شهدت أحيانا الكثير من التجاوز الذى ربما يكون له مايبرره فى الفترات التى تعقب الثورات لم تكن كافية بالتأكيد لترسيخ قيم الديمقراطية والحرية فى النفوس ولهذا سرعان ماطفت على السطح أمراض وأعراض الاستبداد مع العصا الغليظة للعسكر إن إحدى المشكلات التى نعانيها هى المبالغة والافراط الشديد فى المدح والذم ففى أعقاب ثورة يناير استخدمنا جميع أفعال التفضيل وأسبغنا على أنفسنا كل صفات العظمة والفخر وتناسينا كل ماسالت به أنهار الصحف خاصة فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك - الذى ثار فيها التساؤل حول مستقبل مصر بعده - فى الحديث عن السلبية التى تتسم بها الشخصية المصرية ومبررات هذه السلبية،والإحتفاء بنظرية جمال حمدان فى تفسير دوافع هذه السلبية ومع الانقسام وحالة الاستقطاب التى سادت بعد الثورة رأينا حالة من جلد الذات،وإبراز أسوأ ما فى الشخصية المصرية وأنه لا يستحق الحرية،وأننا شعب "فرعونى" يحتاج لمن يحكمه بالعنف والقوة.. ونرى الآن عملية ممنهجة ومنظمة لصناعة فرعون جديد وسط ترحيب ممن يطلقون على أنفسهم النخبة والمثقفين الحقيقة أنه لايمكن انكار أن هناك حالة من السلبية اتسمت بها الشخصية المصرية نتيجة عوامل متعددة، ولكن من الظلم تصوير الشعب المصرى على أنه كان مستكينا وسلبيا طوال تاريخه فهذا الشعب هو الذى انجز خمس ثورات خلال مئتى عام ابتداء من ثورة 1805 مرورا بالثورة العرابية وثورة 1919 وثورة 1952 انتهاء بثورة 25 يناير بمعدل ثورة كل أربعين عاما، ولم يخل التاريخ المصرى طوال تاريخه من الثورات الشعبية التى لم تحظ بالاهتمام والدراسة نتيجه اهتمام الباحثين بتاريخ الملوك والسلاطين وإهمال تاريخ الشعوب لقد اتسمت الشخصية المصرية بالصبر والتحمل الشديد لدرجة توحى للمتابع أن هذا الشعب أبعد مايكون عن الثورة وأنه يتسم بالاستكانة الى أن يأتى الانفجار غير المتوقع والذى يكون مفاجأة للجميع وهو ماحدث فى ثورة 1919 وثورة 25 يناير ونحن الآن نعيش ثورة ضد الانقلاب على ثورة يناير.. ثورة ضد عودة النظام السابق ،وعودة الاستبداد، والحكم العسكرى وقد مر الآن مائة يوم ومازالت فعاليات الثورة تتزايد يوما بعد يوم ومازالت تكسب أنصارا جدد كل يوم وفى القلب منها الشباب الذين هم وقود هذه الثورة ومبعث الأمل لا يجب التوقف كثيرا عند مديرة المدرسة التى تستدعى الشرطة لتلميذ فى المرحلة الإعدادية، ولا أن يشغلنا المدرسين الذين يطاردون التلاميذ الذين يرفعون شعار رابعة ويعلنون رفض الانقلاب، ولكن الذى يجب التوقف عنده هذا التلميذ الذى يرفع شعار رابعة وهو داخل سيارة الشرطة فى إصرار وتحد، وهذه التلميذة التى ترفع شعار رابعة فى وجه الوزير، وأخرى ترفع الشعار فى وجه المحافظ ومدير الأمن، وهؤلاء الطلبة الذين ينزلون المسيرات ويتلقون الرصاص بصدورهم العارية ولاتصدهم المذابح ولا القمع عن مواصلة النضال السلمى، وهذه الأسر التى تتلقى نبأ استشهاد أبنائها بثبات واحتساب وتدفع بالشهيد تلو الشهيد،وهذا الدور الذى تقوم به نساء مصر وهن يتقدمن الصفوف فى ملحمة بطولية سيخلدها التاريخ مظاهر كثيرة تقود جميعا الى أننا أمام جيل جديد لن يقبل مهما طال أمد الانقلاب بالاستكانة والسلبية والكمون حتى يستيقظ أبنائنا وأحفادنا بعد أربعين عاما على ثورة جديدة .. لقد استطاع هذا الشباب أن ينجز ثورة 25 يناير،وأن يغير فى بنية ومقومات الشخصية المصرية وإذا كان الانقلاب العسكرى يتعامل بمنطق ماقبل يناير متصورا أنه بالبطش والعنف سوف يكسر إرادة المعارضين للانقلاب ،وأن ماحدث فى فترة تاريخية سابقة يمكن أن يستنسخه من جديد فهو واهم فزمن "صفارة تجمعهم وعصايا تفرقهم" لامكان له مع هذا الجيل الذى استنشق عبير الحرية ولن يقبل بما خضع له الجيل الذى عاش جل حياته تحت حكم مبارك والذى كانت النصيحة الخالدة له من جانب الأهل البعد عن السياسية فضلا عن الاستماع الى منظومة طويلة من الأمثال والحكم على شاكلة "إن جالك الطوفان حط ابنك تحت رجليك، والباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح، والعين ماتعلاش على الحاجب، ولو كان لك عند... قله ياسيد، وإن دخلت بلد تعبد العجل حش واديله ،وامشى جنب الحيط....." إننا نعيش الآن صفحة من صفحات مسيرة الديمقراطية.. إن مقاومة الاستبداد والنضال من أجل الحرية والديمقراطية هى صورة من أرقى صور الديمقراطية وسوف يسجل التاريخ لهذا الجيل كفاحه وجهاده وتضحياته من أجل الحرية والعزة والكرامة [email protected]