الجيش أوقف عددا من الضباط لمجرد أنهم كانوا «مؤمنين» يؤدون الصلاة القيادة العسكرية العليا كانت تخشى من حدوث «فرار جماعى» فى الجيش القمع كان موجها ضد المدنيين وليس الإسلاميين.. والشرطة كانت تتصرف «بلا رحمة» يتناول «حبيب سويدية»، الضابط السابق فى الجيش الجزائرى فى الفصول التالية من كتابه (الحرب القذرة)، الفترة التالية على وقوع الانقلاب العسكرى بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى الجزائر، ويتحدث عن أجواء مرعبة ودامية لما سمى ب«الحرب ضد الإرهاب» فى البلاد إبان تلك الحقبة المأساوية من تسعينيات القرن الماضى. يقول «سويدية»، الذى كان وقتها مقتنعا بما لقنه له رؤساؤه من كبار الضباط، ولم ينكشف له حجم المأساة بعد؛ فى الأسابيع الأولى التى تلت الانقلاب قُتل العديد من الإسلاميين فى «لغواط» و«سطيف»و«باتنة»، بعد مواجهات مع قوات النظام. وفى 22 من يناير، أوقف «عبد القادر حشانى» رئيس المكتب التفيذى المؤقت للجبهة الإسلامية للإنقاذ، بأمر من وزارة الدفاع الوطنى، بتهمة «التحريض على العصيان». كما أوقف مسئولون آخرون، من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وجميع الأئمة المشهورين، بخطبهم الحماسية. هكذا وجد مناضلو الحزب الإسلامى أنفسهم من جديد فى حالة عجز أمام أنفسهم؛ وتعرضوا جميعا إما للسجن، أو التحول إلى العمل السرى، اعتبارا من تلك اللحظة أصبح كل شىء ممكنا، لم يعد هناك محاور يصلح لمخاطبة السلطة، وفى الحقيقة لم يكن الجنرالات مستعدين للحوار؛ لقد أرادوا أن يقمعوا، وحُلّت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أساسا منذ 4 من مارس، ويتابع: «فى فبراير أعلنت حالة الطورئ على كل الأراضى الجزائرية لمدة اثنى عشر شهرا.. انتهى عهد الديمقراطية، لكننى كنت أعتقد أيضا أن هذا سيساعد على عودة النظام. فُتحت معسكرات اعتقال جنوب البلاد، لا سيما فى «رقان» و«وادى الناموس» و«عين أمقل» سيق إليها بالطائرات الحربية أو الشاحنات، آلاف الإسلاميين، أو من افترض بأنهم كذلك، سيتكدسون هناك سنين طويلة. وفى القصبة والأحياء الشعبية بالعاصمة بات الجيش دائم الحضور، قسمت المدينة ووضعت رشاشات أوتوماتيكية على المفارق الاستراتيجية وتلقى الجنود التعليمات حازمةً بإطلاق النار دون تردد عند أول تهديد». «فى أثناء ذلك أُوقف ضباط عديدون بعضهم قريب من الإسلاميين لكن كثيرا منهم لم تكن لهم أية صلة بهم وخطؤه الوحيد كونه «مؤمن» يمارس الشعائر، بل كونه يعترض على الإجراءات الحديثة التى تقوم بها السلطة، هكذا أوقف منذ بداية 1992 ثلاثة من مدرسينا هم النقباء «شوشين، ومحدادى، وعزيزو» من قِبل رجال فى الإدراة المركزية لأمن الجيش وهى إدارة مرتبطة بمديرية الاستخبارات الأمنية، كانوا شديدى التقوى، ولم يخفوا تعاطفهم مع التيار الإسلامى. بعد اعتقالهم أشاعوا أن النقيب «شوشين» كان يدبر هجوما ضد الأكاديمية للاستيلاء عى أسلحة والالتحاق بالمقاتلين. لكننى لم أصدق ذلك؛ فقد امتاز شوشين وأصدقاؤه بسلوك نموذجى، وكانوا يدينون كل أشكال العنف.. صحيح أن النقباء الثلاثة كانوا من أتباع الدولة الإسلامية، لكنهم من دعاة التغيير الهادئ للمجتمع والوصول السلمى إلى السلطة. كان على الجيش فى نظرهم عدم التدخل فى السياسة، لم يخفوا قناعاتهم السياسية ولم يترددوا فى استمالة الضباط الشبان ورأوا أن فى الجزائر مظالم كثيرة ولم يكونوا مخطئين، لكن هذا الخيار السياسى كلفهم مستقبلهم المهنى، إلا أنهم كانوا محظوظين قياسا إلى غيرهم، أظن أنهم نجوا بحياتهم فيما تمت ببساطة تصفية ضباط كثيرين اعتبروا معارضين». ويضيف «سويدية»: خشيت القيادة العسكرية العليا من حدوث فرار جماعى فى الجيش، لا سيما مع التغيب الذى راح يسجل من وقت لآخر، أهم قضية علمت بها آنذاك حدثت فى أواخر 1991 حين فر ثمانية عشر طالبا من ضباط المظلات التابعين للقوات الخاصة، لم يفروا لأسباب سياسية بل لأنهم لم يقبضوا رواتبهم منذ عدة شهور، بينهم «عبد الرازق كساح، ومولاى على، ومحمد لونى»، الأسماء الثلاثة أتذكرها والتى سيقوم أصحابها بعدة هجمات ويتخصصون بالكمائن والهجوم بالقنابل وسيجعلون من القوات الخاصة هدفهم الأساسى. سيحلون بين صفوف مقاتلى زبربر قرب الأخضرية لشن حرب على زملائهم السابقين وستحتاج السيطرة على المجموعة كلها إلى سنين. إذا عاشت الجزائر عام1991 سنة انفجارية على نحو خاص فإن السنة التالية ستغرق البلاد ببساطة فى الدماء. ورأى قسم مقاتلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أنه يجب الفوز بالسلطة بوساطة السلاح، سمعنا دون تفاصيل بعدة جماعات إسلامية مسلحة مثل «الحركة الإسلامية المسلحة، وحركة الدولة الإسلامية» التى أنشئت فى الأسابيع التى تلت وقف العملية الانتخابية، وتحدثت شائعات أخرى عن جماعات أكثر راديكالية كانت موجودة منذ عدة سنين وانتقلت الآن إلى الكفاح المسلح. «بدأت الهجمات فى أحياء العاصمة الشعبية وفى بعض المدن مثل البليدة والشليف وتيازت ضد رجال شرطة بشكل خاص، كانت الصحف تتكلم قليلا عن ذلك إلى أن وقع أول عمل مسلح ليلة 9 إلى 10 فبراير 1992 بعد بضع ساعات من سريان مفعول حالة الطوارئ، سقط عديد من رجال الشرطة فى كمين حى بوزرينة قرب القصبة بالجزائر العاصمة وذبحوا. بعد بضعة أيام أعلن التلفزيون القبض على المجرمين وقال إنهم من المتعاطفين مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وسيحاكمون فى محكمة عسكرية ويحكم عليهم بالإعدام». «وفى ليلة 12 و13 فبراير هاجمت جماعة أخرى مقر قيادة القوات البحرية فى العاصمة فى مكان يدعى «الأميرالاية» قتل 4 عسكريين -واحد فقط حسب الرواية الرسمية- و3 من المهاجمين، أقدمت الجماعة الإرهابية على هذا الفعل -حسب أقوال الصحافة- بفضل تواطؤ ثلاثة عسكريين موالين للإسلاميين قرروا الانضمام إلى الجماعات المسلحة. كان يقود الجماعة إسلامى خطير يدعى «موح ليفى» انتقل من اللصوصية إلى الإرهاب، حين علمت بهذا الهجوم أدهشتنى جرأة الإسلاميين؛فقد ضربت هذه العملية مركزا أساسيا للعمليات فى الجيش الجزائرى يقوده «غضبان شعبان» الصديق الحميم للجنرال زروال». ويتابع «سويدية»: «علمت بعد عدة سنين أن هذه المسألة كانت فى الواقع استفزازا مجنونا على نحو خاص لقوات الأمن عام 1991، شك الأمن العسكرى بتعاطف طلاب ضباط وضباط من المدرسة البحرية الحربية ومقرها الجزائر العاصمة مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بل بكونهم أعضاء نشيطين فى الشبكات الإسلامية، فى نهاية العام قُبض على أربعة طلاب وضابطين فى عملية واحدة وأرسلوا إلى ابن عكنون، وتم استجوابهم من قبل رجال العقيد «طرطاق» وبعد استجواب عنيف لمدة 15 يوما أُطلق سراح المشتبه بهم وأعيد إدراجهم فى سجلات المدرسة، لكن المشتبه بهم السابقين دخلوا الأميرالاية بعد بضعة أيام بمساعدة جماعة إسلامية محبطين الخطة الدفاعية لهذا المكان الاستراتيجى.. الشخص الذى فتح لى عينى هو رفيق زنزانة عرفته فى سجن البليدة فى أكتوبر 1995، كان «جنوحات» أحد طلاب الضباط الذين أوقفوا ثم أخلى سبيلهم قبل الهجوم، أدرك بعد حين -سيحكم عليه بالسجن عشر سنين بتهمة الانتماء إلى جماعة إسلامية مسلحة- أنه ورفاقه تم التلاعب بهم، أطلق الأمن العسكرى سراحهم وهو يعلم جيدا أنهم مقاتلون إسلاميون حقيقيون وسيقومون بهذا العمل. قال لى «جنوحات» وضباط آخرون عرفتهم فى السجن إن هذه العملية خطّط لها الجنرال «محمد العمارى» بشكل كامل، وأنه أسماها «عملية البطيخ» إشارة إلى الألوان حتما أخضر الإسلام ظاهريا وأحمر الجيش فى الحقيقة.. لكننى كنت آنذاك بعيدا عن الشك بأن ما حدث هو عملية فاسد ة على هذا النحو». «ما أعرفه أن العملية قادتها جماعة يرأسها موح ليفى هو نفسه تابع لشخص يدعى منصورى مليانى بقى موح ليفى شهورا طويلة يهاجم قوات الأمن ولاسيما الشرطة وكان وجماعته يقتلون منهم اثنين إلى ثلاثة فى اليوم فى العاصمة ومحيطها، سيقتل هو مع رجاله آخر الأمر فى نهاية عام 1992فى «تمسغيدة» قرب المدينة، بعد موح ليفى يفرز من العدم اسم إرهابى آخر «عبد الحق العيادة» الملقب ب«أبو غدلان» خرج من حى شعبى فى براقى من ضواحى الجزائر العاصمة، شكل هذا الشخص الذى عمل فى مهنة ميكانيكى جماعة إرهابية من بعض الجانحين تخصص فى مهنة اغتيال رجال الشرطة والدرك وكان اسمه مرادفا للرعب». «طوال عام 1992 استخدمت وحدات الجيش المحترفة لضمان استتباب النظام خارج مدينة الجزائر، أى قمع التمرد الإسلامى والقيام بمهام الشرطة، ورغم ضخامة القوات المستخدمة بدت هذه الطريقة بلا فعالية؛ إذ لم تُجد كثرة حواجز الطرق والدوريات على المحاور الكبرى فى ملاحقة أولى الجماعات المسلحة، ولم يكن لدى الجنود والضباط الشبان أية خبرة فى مكافحة الإرهاب التى لم يجر إعدادهم لها، لكن هذا ينطبق أيضا على الضباط الكبار الذين راحوا يطلقون بصورة فجائية عمليات عديمة الجدوى، وتلقيت عدة مرات أمرا بالتوجه مع فريقى إلى هذا المكان أو ذاك للتصدى لجماعات مسلحة، وعندما نبلغ المكان لا نجد أحدا. يجب القول بأن وظيفة الاستخبار لم تكن تؤدى بشكل جيد طوال تلك الفترة؛ فلم تكن وحدات العمل تتلقى أية معلومة من مركز قيادة المنطقة العسكرية الأولى الذى يقوده الجنرال «شاعين العمارى»، ولا من قيادة الدرك، وبالتالى لم يكن بمقدورهم التصرف بشكل فعال، والمدنيون المعادون فى غالبيتهم لانتشار قوات الأمن لم يكن لهم أية ثقة بالجيش ويرفضون إعطاء أدنى معلومة». «سيؤدى ذلك على أرض الواقع إلى وضع غير قابل للتفسير؛ إرهابيون يمرون قرب الثكنات العسكرية ولا أحد يفعل شيئا، وكان يجب انتظار الأوامر التى لا تصل إلا فى اليوم التالى! لقد أدى تساهل كبار الضباط إلى وضع الجيش فى الحالة الدفاعية منذ بداية أعمال العنف، فلم يكن يرد إلا عندما تهاجم ثكناته أو البنية التحتية، حتى قوات الدرك الوطنى التى كان يقودها آنذاك الجنرال «بن عباس غريل» تجاوزتها الأوضاع». ويستكمل الضابط السابق: «فى أثناء الأشهر الأولى من عام 1992 وُجّه معظم القمع ضد المدنيين وليس ضد الجماعات المسلحة؛ فقد تصرف رجال الشرطة بلا رحمة فى كل مناطق الجزائر العاصمة، إذ تقع الكثير من الأحياء الشعبية تحت سيطرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأوقف آلاف الشباب من المنخرطين فى جبهة الإنقاذ أو المتعاطفين معهم وعذبوا وأرسلوا إلى معسكرات اعتقال فى الجنوب.. سأفهم لاحقا أن آلة صنع الإرهابيين بدأت تعمل. فى ذلك الحين لم يكن لدى الناجحين من غارات الاعتقالات من خيار سوى الانضمام إلى المقاتلين، بعد سنتين أو ثلاث حين الإفراج عن الموقوفين.. كانوا غاضبين مما تعرضوا له إلى درجة أن كثيرين منهم حملوا السلاح». «وفى مارس 1992 الساعة 17 أعلن بيان رسمى وفاة «محمد بوضياف» مقتولا بيد ملازم من مجموعة التدخل الخاصة يدعى «لمبارك بومعرافى»، هذا الرجل -حسب التلفزيون الجزائرى- إسلامى، تصرف بوحى من نفسه. وفى شرشال، حيث كنا نكمل تأهيلنا، تلقينا النبأ كأنه طعنة خنجر ولم نستطع تصديقه؛ عسكرى يغتال الرئيس! كله تلوث بالنسبة إلينا. كان الملازم بومعرافى الملقب ب«عبد الحق»، رجلا منغلقا متكتما حسب جميع زملائه قبل نيله تأهيلا عسكريا جعله عنصرا نخبويا بمدرسة أشبال لثورة قوليعية، انضم إلى مجموعة التدخل الخاصة عام 1989 واعتبره رؤساؤه شديد الكفاءة (شارك فى بداية 1992 فى عملية هامة فى حى تيلملى بمدينة الجزائر تحصنت فيه جماعة إرهابية) لذا يصعب جدا التصديق بأنه إسلامى حقا، ولو صح الأمر لما خفى عن رؤسائه، لا سيما أن مطاردة العسكريين القرويين من الإسلاميين كانت قد بدأت، وكثيرون منا فكروا بأن بوضياف اغتيل بأمر من جنرالات معينين». «كانت حماية الرئيس المباشرة تضمنها بالطبع إدارة أمن الرئاسة وحماية الرئيس، وهى دائرة تابعة أيضا لمديرية الاستخبارات الأمنية، ويضمن عناصر الأمن الرئاسى أيضا حماية رئيس الحكومة وبعض الوزراء المهمين، أما الوزراء الآخرون فتؤمّن حمايتهم مديرية أمنية أخرى هى المديرية العامة للأمن الوطنى. فى البداية لم يكن يفترض أن يشكل بومعرافى جزءا من الموكب الرئاسى عند انتقال رئيس الدولة إلى شرق البلاد، وقد أضيف اسمه إلى المهمة فى آخر لحظة -حسب ما علمت لاحقا- بأمر من الجنرال شماعينالعمارى (الرجل الثانى فى مديرية الاستخبارات الأمنية). فى عنابة، وبينما راح محمد بوضياف يلقى خطابه أمام شبان المدينة ووجهائها المجتمعين فى دار الثقافة، وقف بومعرافى خلف الستارة على بعد خطوات من الرئيس. وبعد ثلاثة أرباع الساعة، نحو الساعة 11:30 دقيقة، وفيما كان الرئيس يتكلم عن فضائل الإسلام، فجّر الملازم قنبلة وأطلق عدة عيارات على محمد بوضياف. قضى هذا الأخير نحبه بعد الظهر مصابا بعشر رصاصات.. جرى بومعرافى مغادرا القاعة، ولجأ إلى شقة قريبة من دار الثقافة وبعد قليل من الوقت سلم نفسه». «من حيث المبدأ لم يكن لعنصر من مجموعة التدخل السريع فى مديرية الاستخبارات الأمنية ما يفعله فى ذلك المكان؛ فى جميع الأحوال يجب حماية ظهر الرئيس من قبل عنصر من أمن الرئاسة. وقد اشترك رجال من مجموعة التدخل السريع فى هذه الرحلة لدعم المكلفين بالحماية القريبة، وكان يفترض بطبيعة الحال أن يتمركزوا خارج القاعة فى دائرة الحماية الثانية، وقد روى لنا بأن فوضى شاملة ميزت على نحو مثير للاستغراب خروج الموقف الرئاسى فى ذلك اليوم، لم يجد رؤساء بومعرافى مآخذا على الملازم الذى قرر -حسب بعض زملائه القدامى- ألا يتصرف إلا من رأسه». «كان من المفترض أن يتوجه بوضياف إلى أكاديمية شرشال فى يوليو كى يرأس حفل تخريج الدفعة الثالثة والعشرين، دفعتنا. وشاء القدر أن يقوم عناصر من هذه الدفعة بحمل النعش فى أثناء جنازة الرئيس الوطنية. سخرية أخرى: أطلق على دفعتنا اسم (محمد بوضياف). فى 2يوليو 1992، عُيّن «على كافى» فى رئاسة الدولة خلفا للرئيس المقتول، فى 5 يوليو، رفع كل من (محمد العمارى، وطيب دراجى، وخلفية رحيم، والعربى بلخير، وعبد الحميد جوادى)، إلى رتبة لواء. وأطلقت الصحافة الغربية على هؤلاء الجنود (الذين يجب إضافة خالد نزار إليهم)، اسم «الجانفييريون- الكانونيون»، إشارة إلى انقلاب جانفييه، يناير 1992». «وبموت بوضياف، زالت من جديد أوهام من عاودهم الإيمان؛ لقد تجرأ الرئيس وهاجم محرمات المافيا (السياسية - العسكرية)، ثمة ملفات كانت بحوزة الرئيس. وراح الشعب، منذ سنوات، يطالب ببعض الرءوس، وكان بوضياف سيقدمها إليه. ومثل كثير من الجزائريين، أنا مقتنع بأن هذا هو سبب موته». كان محمد بوضياف على اتصال مستمر بقائدى مرباح الذى أنشأ الحركة الجزائرية من أجل العدالة والديمقراطية، بعد أن ترك الأعمال. وكان يعرف أن هذا الأخير هو أكثر الجزائريين معرفة بالجزائر، وقد قتل الرجلان بفارق أربعة عشر شهرا». «كان بوضياف على أية حال، بين المطرقة والسندان؛ فهو يزعج الإسلاميين، برفضه الكلى للتسوية، كما يزعج (أصحاب القرار) بحديثه عن الفساد وتهريب أموال الدولة من قبل فئة تمتلك الامتيازات. ولا ننسى مواقفه حول المسألة الشائكة، مسألة العلاقات (الجزائرية - المغربية)، وحول قضية الصحراء الغربية. اختفى بوضياف فجأة مثلما جاء، بعد أن رأس الدولة ستة أشهر. لم يزعزع اغتيال بوضياف تركيبة لم يكن قط جزءا منها. من المفيد على أية حال التذكير بأن مجموعة التدخل الخاصة التى ينتمى إليها الملازم بومعرافى، هى وحدة خاصة فى مديرية الاستخبارات أنشئت عام 1987 إثر قضية بويعلى.. أنشأ مصطفى بويعلى فى بداية الثمانينيات جماعة إسلامية مسلحة، وصُرع عام 1987 على يد رجال الدرك الوطنى. أرادت دوائر الأمن آنذاك أن تكون لها نخبة متخصصة بالتدخل السريع، فأرسل ضباطا للتدرب فى فرنسا لدى مجموعة التدخل الجندرمة الوطنية الشهيرة. فى البداية، اتخذت المجموعة المكونة من أفضل عناصر الأمن العسكرى مركزا لها فى بوزريعة بثكنة بوزيد، قبل نقلها عام 1988 إلى مفتاح، بضاحية مدينة الجزائر الكبرى، لتعود بعدها، عام 1991 إلى بنى مسوس. منذ بداية مكافحة الإرهاب، تمركزت كتائب تدخل فى المجموعة قرب بعض النقاط الحساسة فى البلاد، مثل بوفاريك قرب القاعدة الجوية، والجزائر العاصمة، والبليدة.. فى عام 1989 تمتحديث المجموعة على يد الجنرال محمد بتشين الذى كان آنذاك رئيسا للأمن العسكرى. استبدل هذا الأخير، عام 1990 بالجنرال محمد الأمين مدين الملقب ب«توفيق» الذى سيحتاج إلى استخدام المجموعة فى إطار مكافحة الإرهاب. بعد اغتيال محمد بوضياف، حُلت مجموعة التدخل السريع رسميا، ووضع معظم العناصر الذين رافقوا الرئيس موضع مساءلة؛ سجن بعضهم (وأطلق سراحهم بعد بضعة أشهر) ونقل عديد منهم عام 1992 بإعادة تشكيل مجموعة التدخل السريع. لجأ هذه المرة إلى القوات البرية الخاصة، فشكلت شعبة تضم اثنين وثلاثين رجلا من كل من ثلاثة فيالق من مظليى الصاعقة: الفوج الثانى عشر والثامن عشر والرابع. عززت مجموعة التدخل السريع لاحقا مع تطور مكافحة الإرهاب وسأجد مناسبة للعودة إلى الموضوع».