ليس بوسع أحدنا التهرب من حقائق الجغرافيا والتاريخ فالجغرافيا تبسط سطوتها على القوم أوالأقوام الساكنة فوقها وفيها ومن يتمرد على هذا الحقيقة البينة سوف يقابل بالفشل وربما الضياع , إن للجغرافيا شروطا تفرضها على ساكنيها, أولا ان يتعاملوا بالحد الأدنى من الإنسجام والتفاهم والإحترام المتبادل بين الأقوام المختلفة وثانيا أن يتعاونوا على صيانة إقليمهم الجغرافي وذلك بتبنيهم لنظام أمني مشترك كي يتصدوا مجتمعين للمعتدين أو الطامعين بخيرات الإقليم . إن لم تأخذ دول وشعوب الإقليم الواحد ما ذكرناه بعين الإعتبار فقد تستعر الحروب البينية بينهم ولن ينتج عنها غير الخسران والتشرذم وفقدان ناصية التقدم أي الحكم على الشعوب بالتخلف ولنا في الحروب التي استعرت في القرن الماضي فيما بيننا خير مثال على ما نقول ومنها الحرب العراقية الايرانية التي امتدت لثمانية سنوات فأكلت الأخضر واليابس في كلا البلدين الجارين وكذلك حرب إحتلال الكويت من قبل العراق وغني عن القول انها كانت حروب إقليمية ادى نشوبها لقدوم الأغراب لمنطقتنا وفرض ارادتهم علينا الأمر الذي ما زلنا نعاني من تداعياته حتى يومنا هذا.
لا شك أن الجغرافيا والتاريخ توأمان وقد يكونا سياميان, إن للتاريخ أحكامه أيضا فمن رحم الماضي يخرج مولودان هما الحاضر والمستقبل ولنا أن نعد المتنكر لتاريخه وتاريخ بلده والمصصم على عدم استلهام الدروس والعضات منه ونبشره بالتيه والتخبط وبقاء دولته وشعبه في ذيل قائمة الأمم وبناء على هذا التقييم والتحليل علينا أن ننظر الى دولنا وشعوبنا العربية كي نفهم سر تخلفها وتخبطها وفقدانها لناصية العلوم وبعدها عن العصرنة وتحكم ملوكها ورؤسائها برقاب المواطنين وإستئثارهم بجميع مقاليد الأمور وإلتهاء الشعوب بالسعي وراء لقمة العيش ورغم مصاعب هذا العيش تنفق ما فاض من أوقاتها على توافه الأمور كمسابقات أفضل مطرب وأفضل راقصة وأجمل إمرأة واللوم كل اللوم في هذا يقع على الشعوب قبل الحكام لأن الشعوب تفتح أعينها كي تركز إهتمامها على ما ذكرناه من الأمور التافهة وتغمضها كي لا تنظر نحو التقدم والعصرنة ونحو العدو الصهيوني المحتل لترابها ومقدساتها والعدو الأميركي المحتل للعراق ولأفغانستان الذي بنى قواعدا له في معظم بلاد العرب وهيمن بأساطيله على بحارهم وخلجانهم ,فمتى سوف تجعل الجماهير همها الأول هو التصدي لهذان العدوان المحتلان للبلاد والساعيان للإبقاء على تخلف العباد .
وعودة لعنوان هذا المقال "تركيا وايران عمق العرب الطبيعي" . نقول إن تركيا وايران شريكان كبيران في الجغرافيا والتاريخ العربيين الإسلاميين انهما بالتالي شريكان لنا في الحاضر والمستقبل, أمنهما من أمننا, لقد مدت ايران يدها لنا بعد إنتصار الثورة وليس من حسن اللياقة أن لا نلتقط يدها الممدودة كي نبادلها السلام بالسلام والمحبة بالمحبة وليس من حسن التدبير أن لا ننسق معها إدارة شؤون منطقتنا فنحن والايرانيون ابناء لإقليم واحد مستقبلنا مشترك ونواجه عدوا واحدا.
أما الشريك الكبير الآخر وأعني تركيا فلا يخفى على أي منا عظم الدور الذي لعبه التاريخ فيما بيننا والذي كانت الجغرافيا المسبب الأول له ولولا تآمر الغرب الباغي على تركيا والعرب في الحرب العالمية الاولى ولولا سير بعض القادة العرب خلف وعود الغرب القائمة على التضليل والخداع لولاهذا الانقياد العربي خلف الغرب الذي لم يكن خاليا من الطمع في الإستئثار بمقاليد الحكم في اقطارعربية نتجت عن اتفافية سايكس- بيكو المشؤومة, نعم لولا كل هذا لما تكسرت وحدتنا مع الشريك الكبير تركيا. والآن علينا أن نلتقط الإشارات المتكررة التي تردنا من تركيا المعاصرة التي تعبر فيها عن جنوحها من جديد نحو الإسلام ونحو الشرق , تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي تبعث بإشارات تظهر من خلالها الرغبة في العودة الى حضن الشرق العربي المسلم لأنها في النهاية تدرك أنه عمقها وامتدادها الطبيعي ولا تعريف لتركيا سوى أنها الإبن الكبير للشرق المجاور للغرب فهي تنتمي لأحضان الشرق وتحسن الجوار مع الغرب , فهذا هو قدر تركيا العظيمة أن تكون البوابة التي يطل منها الشرق المسلم على الغرب الأوروبي .
سوف لا تغفر لنا الأجيال العربية الحالية أو أجيال المستقبل إذا أهملنا الأيادي الممدودة لنا من الجارة الكبيرة ايران او أهملنا الإشارات المرسلة الينا من الجارة الكبيرة الأخرى تركيا . نريد ان نحتكم لتاريخنا ولجغرافيتنا فنتصالح مع محيطنا المسلم ونتحد معه , إنني أوجه هذا النداء للجماهيرالعربية والمسلمة صاحبة المصلحة الحقيقية في وحدة المصير وليس لحكامها أصحاب المصالح البعيدة عن أحلام الجماهير وأقول لابناء جلدتي كفانا إدارة ظهورنا للجغرافيا وللتاريخ فإن للأخير لعنة لا بد من أن نخشى من ملاحقتها لنا وقبل فوات الأوان.