زاد الاهتمام مؤخرا بمحنة ملايين العراقيين بعد صدور تقرير عن منظمة العفو الدولية، ومقرها الرئيسي لندن، يتهم العالم بتجاهل محنة أكثر من اربعة ملايين لاجئ عراقي تاركا سوريا والاردن تتحملان اغلب اعباء المشكلة. واستند التقرير، الذي صدر في سبتمبر الماضي بعنوان "ملايين الفارين: ازمة اللاجئين العراقيين"، الى ارقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة. وحسب تقديرات منظمات مختلفة فإن هناك 2ر4 مليون نازح عراقي، من بينهم 2ر2 مليون فرد اضطروا للنزوح من مساكنهم الى اماكن اخرى داخل العراق، اما الباقون فقد غادروا العراق الى سوريا والاردن في الاغلب، ودول اخرى. ومع تكرار الدعوات من المنظمات الدولية للاهتمام باللاجئين العراقيين، قرر عدد من محطات التلفزيون العربية (13 محطة) القيام بحملة لدعم ومساندة اللاجئين العراقيين تحت رعاية جامعة الدول العربية. واثارت تلك الدعوة للحملة، التي لم تتم بعد، جدلا واسعا خاصة بين العراقيين وشجونا كثيرا لكن الاخطر انه القى الضوء بكثافة على ابشع النتائج الكارثية لغزو واحتلال العراق. وأود هنا الاشارة إلى انني عندما قدمت الى بريطانيا في مطلع التسعينيات اكتشفت ان كثيرا من الاساتذة الكبار في الاقسام العلمية عالية التخصص في الجامعات البريطانية عراقيون. وكان ذلك مؤشرا واضحا على استثمار العراق في ابنائه، فهؤلاء جاءوا الى بريطانيا في منح علمية للدراسات العليا تنفق عليها الدولة واثروا البقاء عن العودة لينفعوا بلادهم واهلهم وايا كانت المبررات التي يمكن ان تسمعها بوعي رجعي، فإن احدا لا يستطيع ان ينكر ان القدر الاكبر من اموال النفط العراقي في ذلك الوقت كانت تستثمر في العراق والعراقيين. وكان العراق في ذلك الوقت (السبعينيات والثمانينيات وحتى الحصار الدولي والعربي) قبلة للعمالة من الدول المصدرة لها مثل مصر ودول جواره، حيث كان مئات الالاف يجدون الفرصة لتحسين اوضاعهم المعيشية بالعمل في العراق. نذكر بذلك لان ردود افعال العراقيين العاديين على الاهتمام العربي المتأخر بمحنة لاجئيهم عبر تلك الحملة المزمعة كشفت عن مرارة غير عادية تجاه العرب، ربما تكون اخطر ما ادى اليه الاحتلال الاميركي/البريطاني للعراق. فالأغلبية ممن شاركوا في حوار على موقع هيئة الاذاعة البريطانية الالكتروني باللغة العربية حول الحملة كتبوا منددين بجامعة الدول العربية وبالعرب الذين لم يفعلوا شيئا للعراقيين، بل ان البعض عاير العرب بما فعله العراق لهم والحقيقة ان هناك عربا، خاصة مصريين، شاركوا العراقيين المرارة والاعتراف بالجميل واستهجان ان يكون العراقي لاجئا في اي بلد عربي. اما العراقيون انفسهم، وان كان بعضهم لام حكامه الجدد الذين يبذرون اموال النفط على غير احتياجات ملايين العراقيين العاديين، فقد انقسموا بشأن الدعم العربي وجدواه في وقت لا يحتاجون فيه اكثر من الامن والقدرة على العيش في بلادهم بسلام. اما اللاجئون منهم في سوريا او الاردن او غيرها فإنهم لم يحملوا الدول التي تستضيفهم اي لوم، لكنهم اشتكوا من الإهمال العام. ومقارنة مع من لم يستطع الخروج من العراق، واصبح لاجئا في وطنه، يجد اللاجئون في الخارج فرصة ولو على الاقل بالبعد عن نيران الموت وان كان اللاجئون في الدول العربية ينظرون بحسد لمن لجأوا الى دول عربية كالسويد او بريطانيا فإن العراقيين في تلك الدول ينصحونهم بأن يقنعوا بالوجود في العالم العربي وتفادي ما لا يعرفون من مصاعب اللجوء للغرب. المفارقة المثيرة في كل ذلك الجدل كان الاجماع على حالة العراقي الان عندما يتمكن من الفرار من العراق ويحاول دخول اي دولة فيصد ويعامل وكأنه "به جرب او مرض معد" على حد تعبير احدهم. فالعراق الذي كان حتى ما قبل الغزو والاحتلال لا يحتاج دخوله الى تأشيرة لأي عربي اصبح اهله لا يستطيعون الحصول على تأشيرة الدخول اي بلد عربي. ولا يمكن هنا لوم الناس العادية على مشاعرهم عندما يعاملون هكذا على المطارات والحدود، وقد كانوا بالأمس من اغنياء العرب مالا وعلما وحضارة. ويصعب ان تجادل عراقيا عاديا بأن الغزو والاحتلال ونهب ثروات بلاده من قبل المتناحرين سياسيا وامنيا هو السبب الذي جعل الكل يخاف من منحه تأشيرة فيتهم بعدها بإيواء بعثيين او تسهيل تحرك مقاومين. فالمواطن العادي، وان اقر بان بلاده نهبت وتنهب وتدمر الا انه لا يرى غير صد الاخوة والاشقاء له بعدما كان سخيا تجاههم في وقت عزه. وفي رأيي ان ذلك هو ما يحتاج الى اكثر من حملة، بل الى جهد مكثف ومتصل، ويفضل ان يكون على صعيد شعبي وجماهيري بعيدا عن الحكومات والسياسة. والهدف هو محاولة الحد من ذلك التأثير الكارثي للوضع العراقي على نظرة مواطنيه للعرب.