في الوقت الذي كان يستوجب فيه إعادة انتخابات مجلس الشوري مرة أخري ليس فقط بسبب العوار القانوني والدستوري الذي تم انتخابه علي أساسه، كما حدث مع مجلس الشعب، ولكن بسبب الصلاحيات الواسعة التي أعطاها الدستور الجديد له، خاصة وأن الناخب المصري، الذي لم يذهب إلي صناديق الاقتراع من الأصل في انتخاباته، يعتقد بأن هذا المجلس لا فائدة منه وأن هناك ضرورة ملحة لإلغائه لأنه يكبد الموازنة العامة الدولة أموالا طائلة بدون فائدة تشريعية حقيقية له. وإذا أعطت الجمعية التأسيسة الكثير من الصلاحيات له فإنه يجب إعادة انتخابه مرة أخري، وبدلاً من ذلك حصنه الدستور الجديد لمدة عام كامل، في مشهد يذكرنا باللافتة التي توضع علي المناطق العسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير . وفي الواقع الفعلي، كشفت التعيينات الجديدة في مجلس الشوري عن انسداد الأفق السياسي لدي جماعة الإخوان المسلمين. فقد جاءت علي عكس تماما، مما تم إعلانه من قبل، بأن قوائم المعينين لا تنتمي في أغلبها إلي تيار الإخوان المسلمين وحلفائهم، فإن الجماعة والأحزاب السلفية وحزب الوسط شكلت الغالبية العظمي من هذه القوائم، بالإضافة إلي أنصارهم ومن ساندهم خلال الفترة الماضية من أعضاء الجمعية التأسيسية وأساتذة القانون والكتاب والصحفيين. وبغض النظر عن الأسماء الجديدة التي انضمت للمجلس، إلا أن بها مخالفات دستورية ، خاصة وأنها تضم بعض المنتمين للحزب الوطني المنحل والحكومة ومساعدي ومستشاري الرئيس، في الوقت الذي حظر فيه دستورهم علي تولي أعضاء الحكومة المناصب التشريعية أو بسبب مادة العزل السياسي. واللافت أن المجلس قبل إجرإ هذه التعيينات كانت تسيطر عليه الأغلبية الإسلامية، إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير، حيث يمثل فيه حزب الحرية والعدالة علي 105 مقاعد وحزب النور 45 مقعدا والوفد 14، وأحزاب الكتلة المصرية 8 مقاعد، وحزب الحرية والسلام الديمقراطي والمستقلون علي 3 و 1 و 4 مقاعد علي التوالي. وإذا ما أضيفت التعيينات الجديدة فإن حزبي الحرية والعدالة والنور يستحوذيان علي حوالي 80% من المجلس. ومن الأهمية هنا تفسير لماذا جاءت التعيينات علي عكس ما هو متوقع. وفي الواقع هناك العديد من الأسباب التي جعلت الجماعة تصر علي السيطرة عليه، منها أسباب عملية وأسباب قانونية ودستورية. أولا نصت المادة 243 علي أن يتولي مجلس الشوري القائم بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتي انعقاد مجلس النواب الجديد. كما سيستمر المجلس بتشكيله الحالي إلي مدة عام من تاريخ انعقاد مجلس النواب. ثانيا، عند حل مجلس النواب، ينفرد مجلس الشوري باختصاصاتهما التشريعية المشتركة؛ وتعرض القوانين التي يقرها مجلس الشوري خلال مدة الحل علي مجلس النواب، فور انعقاده، لتقرير ما يراه بشأنها. واللافت هنا أنه عند غياب المجلسين، إذا طرأ ما يستوجب الإسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يجوز لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات لها قوة القانون، تعرض علي مجلس النواب ومجلس الشوري، بحسب الأحوال، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقادهما. فإذا لم تعرض، أو عرضت ولم تقر، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأي المجلس اعتماد نفاذها عن الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار بوجه آخر. ثالثًا، وطبقًا لنص المادة 232 يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشوري، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. رابعًا، جاء تشكيل المجلس ليؤكد سيناريو التمكين التي عملت عليه الجماعة منذ تولي الدكتور مرسي سدة الحكم في مصر. كما أن هذا المجلس سيكون منوط به إصدار ثلة من القوانين التي سترسخ هذا السيناريو، خاصة القوانين المتعلقة بالأجهزة الرقابية والمستقلة والقوانين الناظمة إلي الانتخابات التشريعية المقبلة، وبذلك تضمن الجماعة تمرير أي قانون جديد. ومجمل القول، إن المجلس المطعون في شرعيته ليس فقط الدستورية ولكن أيضا السياسية هو الذي سيقوم بسن ثلة من القوانين التي تعبر عن طموح الثورة مثل تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والتأمين الصحي والسلطة القضائية في مفارقة عجيبة من مفارقات جماعة الإخوان المسلمين.