لم يكن أشد الناس خبثا وشرا من أزلام النظام البائد ليستطيع مجرد التفكير في أن يشير على الرئيس المخلوع مبارك بأن يتخذ مثل هذه الخطوة الحمقاء التي أقدم عليها الرئيس المخلوع مستقبلا محمد مرسي.ولم يرد على بال أحد من أشرار الصهيونية والقوى الخارجية التي صدعونا بأنها تستهدف مصر وتريد لها الإنقسام والدمار وتدبر لنا المؤامرات 24 ساعة يوميا أن يشير بإصدار مثل هذا الإعلان اللادستوري حتى وإن أرادوا بمصر كل الشر الذي في العالم.لكن فعلها الرئيس محمد بديع ومستشاره المخلص مرسي وطاقم السكرتارية المسمى بمستشاري الرئيس، فعلوها ونجحوا فيما لم ينجح فيه الشيطان نفسه طوال قرون، من زرع الفتنة والفرقة بين أبناء مصر وتقسيمهم الى مؤمنين موافقين وكفار رافضين لهذه القرارات.. وهناك أيضا المنافقين الذين هم عامة الشعب المغلوب على أمره ولا يملك منه شيئا ولا يدري الى أي جانب ينحاز ومن يصدق ومن يكذب، فتجده مترددا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وقد كفر بهم جميعا، وإتخذ إربابا أخرى هي لقمة العيش وقوت اليوم.حقيقة أشعر بالشفقة على هذا الرئيس مرسي المسكين.. فهو لا يدري من يُرضي، هل يحرص على إرضاء رئيسه وأباه الروحي وصاحبا الفضل والمنة عليه بديع وشاطره، ومن يتبعهم من إخوان وسلفيين، أم يجتهد ليُرضي أسياده الجدد في البيت الأبيض وإسرائيل، أم يجاهد ليسترضي حماس وإيران وقطر، أم يتنازل ويتكرم بإرضاء هذا الشعب الذي هو آخر ما يفكر فيه وأقل مِن أن يرضيه..؟!لكن ربما يكون كل ضارة نافعة، وقد تأتي الرحمة في صورة العذاب، ومصائب الحاضر عند مستقبلنا فوائد.. فما يحدث الآن هو درس قاس لهذا الشعب الطيب الذي إنتخب هذه الجماعة ورئيسها وولاهم أمر هذا البلد سواء برلمانيا أم رئاسيا.. متوهما أنهم ناس بتوع ربنا، وقد صدق شعاراتهم وبجل ذقونهم ومعسول كلامهم، وفضل أن يستجير برمضاء مرسي على أن يقع في نار شفيق، وهو كان محقا في مخاوفه ولا لوم عليه، لكن الآن وبعدما رأى وعاين وعانى من سياسات وأفكار وقرارات وشخوصات هذه الجماعة وهذه التيارات، فأؤكد وأجزم أن الشعب قد استوعب الدرس، وحصد الحرث، وعرف حقيقة هؤلاء وقرر من الآن لمن سيعطي صوته بعد شهور أو سنوات إذا من الله عليه بزوال هذه الغُمة وعودة الوحدة الى هذه الأمة.لكن ما يعنينا الآن هو الخروج من هذا المأزق الذي وضعنا فيه وفعله بعض السفهاء منا، فالكل يجمع على وجود الحرب الأهلية على الأبواب، ولا أحد يريد نزول الجيش الى الشوارع مرة أخرى، والشرطة سواء برغبتها أم لقلة حيلتها- لا تستطيع السيطرة على الأمور التي يبدو أنها ستخرج من أيديها، والجميع يحشد الحشد ويعد العدة ويعلن أنه لا تراجع ولا إستسلام ويصر أن يسير في طريقه الى آخر مداه، مهما كانت النهاية ومهما كلفه من دماء، فأصبح الأمر ليس فقط صراع سلطات وقوى وتيارات، لكن مسألة كرامة وكبرياء وإحساس بالمهانة إذا تراجع أو تنازل أو تهاون.. وفي هذا تكمن الشياطين..وحتى لو تراجع الرئيس عن قراره للمرة الألف، فهذه المرة ليست كسواها، وهناك قوى أخرى قضائية وثورية عادت للدخول في الملعب السياسي بقوة، ولن تتنازل بسهولة عن تحقيق مطالبها جميعا، وإثبات قوتها وتأثيرها وإظهار العين الحمراء للآخرين لتحجز لنفسها مقعدا في مصر الجديدة ودستورها الوليد.ومع الإنهيار الإقتصادي وسقوط الكثيرين تحت وطأة الفقر والحاجة، يسهل التنبؤ بخروج الجياع في ظل هذه الفوضى ليأتوا على الأخضر واليابس، وليعيدوا مصر قرونا الى الوراء.. حتى يكون الرئيس وبديعه في غاية السعادة والإنبساط، بينما يبكي الجميع ألما وحسرة وندما... فلكي الله يا مصر.