في زمن الطرب الجميل كان هناك ما يسمى بالدويتو بين المطربين والملحنين علي سبيل المثال، أم كلثوم والقصبجي ثم رياض السنباطي ثم بليغ حمدي ووردة وبليغ حمدي وفايزة أحمد ومحمد سلطان وعبد الحليم حافظ مع بليغ حمدي، والموجي، وكمال الطويل، ونجاة مع محمد عبد الوهاب وغيره، استمرت تلك الظاهرة ربما حتى اوائل الثمانينيات وبعدها ذهبت بلا عودة حتى الآن.وأجرينا هذا التحقيق لاختفاء هذه الظاهرة مع اثنين من كبار الملحنين محمد سلطان وحلمي بكر وهما من المعاصرين للزمن الجميل في الغناء والتلحين.سلطان: كل شىء تغير إلى الأسوأ.. والمواهب شبه معدومةيقول الموسيقار محمد سلطان: قبل أن نتحدث عن اختفاء تلك الظاهرة أقول بكل الصدق: إن الأجيال الجديدة من الملحنين والمطربين وحتى المؤلفين دون المستوى ولا يتمتعون بالموهبة التي كان عليها السابقون، بصراحة كل من هب ودب بيغني ويلحن، والألحان أصبحت في هذا العصر على مقام واحد، الأصوات مكررة والجميع يلهث وراء المادة، اختفت ظاهرة الدويتو، لأن جميع المطربين والملحنين تقريباً همهم الأكبر جمع المال وليس الفن الجيد، في زمن الدويتو كان هناك حالة تركيز وحب شديد للفن من هنا كتب الخلود لأغنيات فايزة أحمد ووردة، وكوكب الشرق.كانت هناك حالة من التفاعل الروحي والفني بين المطربين والملحنين عكس الوضع الحالي تماما، الآن كله بيلحن لكله الخصوصية اختفت، شعار العاملين في حفل الغناء في الزمن الماضي الفن الجيد قبل أي شىء، والشعار حالياً المادة قبل أي شىء، وعلى الجميع أن يعلم أن المادة تقتل الفن، وهناك حقيقة للأسف معظم الملحنين لا يقدرون بعض المواهب، ممكن أن تبدأ الموهبة في الظهور والتألق وتصطدم بملحن لا يقدر موهبتها لتصبح الموهبة خلال سنوات قليلة لا وجود لها، حدث ذلك كثيراً في السنوات الماضية، أذكر قبل ثلاثين عاماً قبل أن أتعامل مع المطربة نادية مصطفى جلست معها عاماً كاملاً بحثاً عن مواطن الجمال في صوتها، وبعد ذلك كانت أغنية مسافات ونجحت نجاحاً رهيباً طبعاً لا يحدث ذلك حالياً من هنا اختفت ظاهرة الدويتو، ولا أظن أنها ستعود قريباً، للأسف كل شىء في حياتنا تغير للأسوأ.هل يوجد حالياً ملحن يبحث عن مواطن الجمال في صوت المطرب أو المطربة؟ طبعاً لا يحدث والنتيجة ما نسمعه الآن من رث الغناء.حلمي بكر: نحن في عصر الديلفيري ومقام واحد للأغنياتيقول الموسيقار الكبير حلمي بكر: ليس هناك حالياً مايسمى بالدويتو ولكن قل شللية، زمان كنا نقول مين مع مين من المطربين والملحنين، والآن نقول مين ضد مين، الآن لا يوجد تلحين مثل الماضي، ظهور الموزع أخفى ضلع الملحن واللحن أصبح غير مكتمل النمو.في زمن الكمبيوتر ضاعت ملامح الملحن، هل يعقل في هذا العصر أن يكون هناك دويتو، الألحان حالياً سابقة التجهيز ديلفيري، الدويتو في الزمن الجميل كان يجعل المطرب أو المطربة في قمة التألق، ورأينا ماذا فعل السنباطي لأم كلثوم، وماذا فعل بليغ لوردة، وماذا فعل سلطان لفايزة، وماذا فعل بليغ والطويل والموجي للعندليب عبد الحليم حافظ؟ وإذا تأملنا تاريخ أم كلثوم نقول: أنها انقطعت عن السنباطي لفترة بحثاً عن التنوع والتطوير مع محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ثم عادت إليه بقصيدة الأطلال، أم كلثوم وحليم كانا يبحثان عن سلة من الفواكه مليئة بعمالقة التلحين، لكنهما أبداً لم يعتمدا على ملحن واحد حتى ولو كان عظيماً، التطوير كان مطلوباً.ولابد أن يعلم الجميع أن هناك اثنين من الملحنين حملا عصا الجرأة والتطور وهما محمد القصبجي ومحمد فوزي يأتي بعدهما محمد الموجي وكمال الطويل، وبليغ حمدي وحالياً الوضع مؤسف ممكن تسمع عشر أغنيات لمطرب واحد كلهم على مقام واحد، مجرد أغنيات للاستهلاك المحلي تيك أواي.زمان عندما تسمع لحناً تشعر أنك أمام بناء درامي، كان الملحن يبدع بحق دون حاجة لكمبيوتر أو توزيع أو وضع موسيقى سابقة التجهيز.الدويتو بين الملحن والمطرب أو المطربة كان عبارة عن تفاعل روحي يسفر عن أروع الأغنيات لا مجال في هذا العصر لهذا النوع المنقرض في عصر المادة، والمواهب الناقصة وعدم وجود تركيز لخلق حالة من الابداع، استمع مثلاً لرائعة شادية غاب القمر يا ابن عمي من ألحان محمد الموجي، تشعر بحالة من التفاعل التام بين شادية والموجي لعمل أغنية تعيش أبد الدهر، من الصعب بل من المستحيل أن يحدث هذا في عصرنا الحالي في الموسيقى والغناء وأشياء أخرى.