احتفلت الطرق الصوفية بقدوم شهر رمضان على طريقتها الخاصة، حيث شارك عشرات الآلاف من أتباع الطرق الصوفية فى موكب ليلة الرؤية، الذى انطلق من مقر الطريقة الجعفرية فى الدراسة عصر اليوم، الخميس، وصولاً للمشهد الحسينى، حيث كان فى انتظاره شيخ مشايخ الطرق الصوفية وعدد من مشايخ الطرق الصوفية، حيث يعد ذلك هو أول موكب للطرق الصوفية فى عهد الرئيس محمد مرسى.وبدأ المشهد باصطفاف المارة جانبى طريق الموكب الذين حرصوا على تحية الموكب بالتصفيق وإطلاق الزغاريد، وشهد الموكب رفع شعارات سياسية لأول مرة فى مواكب الصوفية من جانب حزب النصر الصوفى تطالب باحترام أحكام القضاء، وشهد الموكب حالة من الحزن على وفاة شيخ الطريقة الجعفرية الشيخ عبد الغنى صالح الجعفرى، الذى توفى فى مثل اليوم.يذكر أن موكب ليلة الرؤية بدأ منذ العصر الفاطمى بمصر والذى كان يُعهد فيه للقضاة بالطواف بالمساجد فى القاهرة وباقى الأقاليم لتفقُّد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل، حتى إن الرحالة ناصر خسرو، الذى زار مصر فى القرن الخامس الهجرى وصف الثريا التى أهداها الخليفة الحاكم بأمر الله إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط بأنها كانت تزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة، وكان يوقد به فى ليالى المواسم والأعياد أكثر من 700 قنديل، وكان يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض، وما إن ينتهى شهر رمضان حتى، تُعاد تلك الثريا والقناديل والمشكاوات إلى مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد، كما أن الدولة فى ذلك الوقت كانت تخصص مبلغًا من المال لشراء البخور الهندى والكافور والمسك الذى يصرف لتلك المساجد فى شهر الصوم.والخليفة يخرج فى مهرجان إعلان حلول شهر رمضان من باب الذهب أحد أبواب القصر الفاطمى، متحليًا بملابسه الفخمة وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم بسروجها المذهبة، وفى أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة، وأمامهم الجند تتقدمهم الموسيقى، ويسير فى هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة، وغيرهم الذين كانوا يتبارون فى إقامة مختلف أنواع الزينة على حوانيتهم فتبدو الشوارع والطرقات فى أبهى زينة .وكان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين شارع المعز بالصاغة الآن، ويسير فى منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح أحد أبواب سور القاهرة الشمالية، ثم يدخل من باب النصر عائدًا إلى باب الذهب بالقصر، وفى أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء والمساكين، وحينما يعود الخليفة إلى القصر يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن الكريم فى مدخل القصر ودهاليزه، حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة، فيغيِّر ملابسه ويرسل إلى كل أمير فى دولته بطبق من الفضة مملوء بالحلوى، تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عاداته، فإذا ما انتهى من ذلك أمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.وكان الخليفة الفاطمى يصلى أيام الجمعة الثلاث: الثانية والثالثة والرابعة على الترتيب التالى الجمعة الثانية فى جامع الحاكم والثالثة فى الجامع الأزهر، أما الرابعة التى تعرف بالجمعة اليتيمة فكان يؤديها فى جامع عمرو بالفسطاط، وكان يصرف من خزانة التوابل ماء الورد والعود برسم بخور الموكب والمسجد، وعقب صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان يُذاع بلاغ رسمى عرف بسجل البشارة، وآخر ليلة من الشهر الكريم كان القراء والمنشدون يحيونها بالقصر الشرقى الكبير والخليفة يستمع من خلف ستار، وفى نهاية السهرة كان الخليفة ينثر على الحاضرين دنانير الذهب .ومع بداية القرن العشرين فى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى انتقل إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق، حيث كانت مواكب الرؤية تخرج إلى المحكمة الشرعية: موكب لأرباب الحرف على عربات مزدانة بالزهور والأوراق الملونة، وموكب الطرق الصوفية بالشارات والرايات والبيارق، وفرق رمزية من الجيش والشرطة بموسيقاها المميزة.وكانت هذه المواكب تمر بقصر البكرى بالخرنفش (اسم مكان)، حيث نقيب السادة الإشراف وأمراء الدولة والأعيان يستقبلون وفود المهنئين وتُوزع المرطبات ويتبادل الجميع التهانى، بينما مدافع القلعة والعباسية تدوى وتطلق الألعاب النارية وتضاء الأسواق والشوارع وجميع القباب والمآذن، يوم كانت المآذن تعلو البيوت.وأما يوم الرؤية، فكان الموكب من القلعة يضم المحتسب وشيوخ التجار وأرباب الحرف من الطحانين والخبازين والزياتين والجزارين والفكهانية وصانعى الفوانيس وحاملى الشموع، تحيط بهم فرق الإنشاد الدينى ودراويش الصوفية، وتتقدم المواكب فرقة من الجنود.