لأن كل ما يلمع في وطننا العربي ، ليس ذهباً ، خاصة ما جري خلال العام 2011 من ثورات ، بعضها حقيقي ، وأصيل ، والبعض الآخر ليس سوي مؤامرة ؛ لذلك ، كان من الطبيعي أن تنزعج ، وتقلق الأقليات ، من رياح هذا الربيع العربي ، والتي ثبت أنها رياح محمولة علي أجنحة حلف الناتو ، والمخابرات الأمريكية ، وربما باستثناء (ثورة مصر) التي يتم الآن سرقتها عبر المال الخليجي والمعونات والحرب الدبلوماسية الأمريكية ، فإن باقي الثورات في المنطقة ليست سوي صفيح تم طلاؤه بماء الذهب ؛ الذي هو هنا (الثورة) .إن ما جري من خلط للأوراق في المنطقة بين (الثورات الحقيقية) و(الثورات المزيفة) يحتاج إلي مبحث مستقل ، لكنه بالنسبة لموضوعنا هذا ، والمتعلق بمخاوف الأقليات (الإثنية والدينية تحديداً) وثيق الصلة ، حيث نعتقد جازمين أن للأقليات كامل الحق في التخوف مما يجري في المنطقة ، خاصة ما يجري في الثورات الزائفة ، حيث المؤامرة فيها واضحة ، والتي تستهدف تفجير المجتمعات المنسجمة طائفياً وسياسياً ، وصرف أنظارها عن العدو الحقيقي (الذي هو هنا تاريخياً الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين) إلي أعداء مخترعين (أو افتراضيين) من الأقليات أو الأغلبية الحاكمة ، وتستهدف أي هذه المؤامرة ضرب مفهوم المواطنة في قلبه .* بيد أن المثير للانتباه ، والقلق ، هو أن تمتد مخاوف (الأقليات) إلي بلاد الثورات الحقيقية (مثل مصر) وخاصة مع صعود التيار الإسلامي بأجنحته المختلفة (الإخوانية السلفية) ونحسب أن مسيحيي مصر باعتبارهم الأقلية الأكبر في الوطن العربي (حوالي 5 ملايين مصري وفقاً للإحصائيات الرسمية و10 ملايين وفقاً لإحصائيات الكنيسة المصرية) والذين كانوا شركاء أصلاء في صناعة الثورة المصرية (ثورة يناير 2011) ؛ وقدموا تضحيات مقدرة طيلة الثلاثين عاماً من حكم حسني مبارك ، علي الصعيد السياسية والاقتصادية مثلهم مثل باقي أبناء الشعب المصري ؛ حيث ثالوث (الاستبداد والفساد والتبعية) لم يستثنِ مصرياً واحداً ، سواء كان مسلماً أو مسيحياً ، ومن هنا تأتي علامات الاستغراب والدهشة حين تطل مخاوف للأقباط المسيحيين ، من سقوط مفهوم المواطنة ، ومن احتمالات تعرضهم للاضطهاد السياسي والديني ، بعد الصعود المفاجيء للإسلاميين خاصة التيار السلفي الوهابي ، وبالأخص بعد رحيل البابا شنودة الثالث يوم (17/3/2012) بعد 40 عاماً من رئاسته للكنيسة المصرية ، وهو ممن اشتهروا بالحكمة والمرونة السياسية التي كانت سنداً قوياً للمسيحيين في عبور العديد من الأزمات السياسية ومن المؤامرات التي تستهدف علاقاتهم بالمسلمين المصريين .* إن المخاوف بالفعل عديدة ، وبدأت تتزايد ، بعد رحيل البابا شنودة ، وصعود السلفيين ، ويمكننا أن نرجعها إلي عدة أسباب ، هي محاور هذا البحث والتي نوجزها في الآتي :أولاً : غياب القيادة و البرنامج للثورة ، كمصدر أول لخوف المسيحيينثانياً : صعود الإسلام السياسي كمصدر ثان لتزايد مخاوف المسيحيين .ثالثاً : نماذج من فتاوي السلفيين المصريين ضد المسيحيين والتي لم يتم مراجعتها كمصدر ثالث لخوف مسيحيي مصر .رابعاً : ما العمل ؟! .وفي الحلقات القادمة نفصل هذه المحاور :