عانت الحركة الإسلامية خلال العقود الفائتة معاناة شديدة وقاسية علي يد الأنظمة المستبدة والقمعية..وقد تبدي ذلك في عدد من الأمور يأتي علي رأسها الشهداء الذين فاضت أرواحهم علي أعواد المشانق أو أثناء التعذيب الوحشي داخل السجون والمعتقلات ومقار مباحث أمن الدولة، فضلا عن الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية أو أمن الدولة العليا طواريء، والحبس الاحتياطي والاعتقال لسنوات طويلة..ناهينا عن الحرب علي الأرزاق، وإثارة الغبار حول الدعوة والدعاة والتضييق عليهم ومصادرة حقهم في مباشرة حياتهم بشكل طبيعي وعادي، إضافة إلي منعهم من التواصل مع الجماهير ودعوتهم إلي فكرتهم أو حتي إبداء رأيهم في مختلف القضايا الوطنية.لاشك أن الشعب المصري يحتفظ في وعيه وذاكرته الجمعية بكل أصناف وأشكال القمع والبطش والتنكيل التي حدثت للحركة الإسلامية، وهو ما تجلي دوما في الانتخابات النيابية، إذ كان انحيازه واضحا لها علي اعتبار أنها قدمت تضحيات غالية في سبيل العقيدة التي يؤمن بها الشعب والتي تشكل وجدانه وقلبه وعقله، بل ووجوده، علاوة علي أن الحركة الإسلامية كانت موصولة بالمشكلات اليومية للناس، خاصة الفقراء والمطحونين منهم، وذلك بخلاف الأحزاب التي كانت ولا زالت تعيش في أبراج عاجية، غير منشغلة بآلام الناس ومعاناتهم.في الانتخابات النيابية الأخيرة حققت الحركة الإسلامية فوزا ساحقا مما جعلها تشكل أغلبية كاسحة في مجلسي الشعب والشوري، وبات واضحا أنها سوف تتحكم في إصدار التشريعات والقوانين في المرحلة القادمة، الأمر الذي سوف ينعكس بطبيعة الحال علي صورة وشكل وجوهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر.سوف تكون هناك تحديات كبيرة، داخليا وخارجيا، تواجه مصر، لكني أعتقد أن الحركة الإسلامية بوسعها أن تمثل قاطرة جيدة لمواجهة هذه التحديات شريطة أن تشارك معها كل التيارات الأخري؛ الليبرالية والقومية واليسارية..هناك بالقطع مشكلة يجب ألا نغفلها وهي سقف التطلعات والطموحات العالي الذي يحمله الشعب المصري، خاصة بعد تلك الثورة الباهرة التي أذهلت العالم..فالشعب المصري عاني ولا يزال من مشكلات وأزمات طاحنة في كل المجالات والميادين، في التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات..ناهيك عن البطالة وتدني الأجور والارتفاع الجنوني في الأسعار..هناك أيضا الأمية العادية والأمية الثقافية، وهذه الأخيرة تصل إلي 60% ..هناك كذلك التخريب الحادث في العقل المصري، علاوة علي الفساد الضارب بجذوره في أعماق التربة المصرية، فضلا عن البيروقراطية القاتلة..وإن نسينا فلا نستطيع أن ننسي مشكلة التناقص اليومي في الاحتياطي النقدي، ونقص السيولة، والسياحة المضروبة، والاستثمارات الهاربة..هذه المشكلات قصمت ظهر الشعب وأفقدته قدرته علي الابتكار والخلق والإبداع، ومن ثم يحتاج الأمر إلي رافعة ضخمة وقوية تعيد إليه ثقته بنفسه وبقدرته علي تجاوز العقبات، بل وصنع المستحيل.التحديات الخارجية لا تقل شراسة وضراوة، خاصة المشروع الأمريكي/ الصهيوني في المنطقة تجاه مصر نفسها، أو تجاه إيران أو سوريا أو لبنان أو ليبيا أو اليمن أو السودان..إلخ..فليس بخاف علينا استهداف هذا المشروع لمزيد من تفتيت المنطقة وتركيع الأمة وسلب خيراتها ونهب ثرواتها والقضاء علي خصوصيتها الثقافية.أعتقد أن الحركة الإسلامية لن تستطيع بمفردها، وبمنأي عن الجماعة الوطنية، مواجهة التحديات الداخلية والخارجية..والمسألة تقتضي بالفعل تكاتف كل الجهود وتضافر كل القوي..لكن للأسف، نحن أمام حركة إسلامية حريصة علي أن تحتكر لنفسها جميع السلطات؛ من مجلس شعب وشوري، ولجنة صياغة الدستور، والمنافسة علي مقعد الرئاسة، فضلا عن الحكومة القادمة..أظن وبعض الظن ليس إثما أن الحركة الإسلامية بهذا التصور تدخل نفقا ربما لا تستطيع الخروج منه، ما لم تستدرك أو تتراجع عنه..ساعتها لن تكون الخسارة للحركة الإسلامية نفسها، لكنها سوف تكون للوطن كله، ونسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.