بقدر ما عبرت الثورة عن كل هذه القيم، خلال الثمانية عشر يوما، بقدر ما كشفت عن مدى التخريب الهائل الذى أحدثه نظام الرئيس المخلوع فى العقل والقلب والوجدان المصرى أهم ما تميزت به ثورة ال25 من يناير هو هذا الرصيد الأخلاقى والقيمى والإنسانى الرفيع، الذى لولاه ما قامت الثورة، حيث تحول الشعب المصرى آنذاك إلى سبيكة واحدة، صلبة ومتماسكة، انصهرت فى بوتقتها كل الاختلافات العقائدية والأيديولوجية والسياسية وبرزت مجموعة من القيم الخلاقة والمبدعة كانت تعبر عن أعظم ما فى الشعب المصرى مثل النبل والشهامة والمروءة والرجولة والفروسية والنخوة والبطولة والأخوة والتعاون والتكافل والإيثار ونكران الذات والبذل والعطاء والتضحية والفداء.. فقد وقف القسيس مع الشيخ، والرجل إلى جوار المرأة، والمرأة المحجبة مع غير المحجبة، والغنى إلى جوار الفقير..إلخ. بهذه الصفات الجميلة والنبيلة استطاعت الثورة أن تسقط رأس النظام المستبد والفاسد، وأن تجذب بسلميتها ونقائها وطهارتها أنظار العالم، وتثير إعجاب الزعماء والقادة فى كل أنحاء الدنيا. وبقدر ما عبرت الثورة عن كل هذه القيم، خلال الثمانية عشر يوما، بقدر ما كشفت عن مدى التخريب الهائل الذى أحدثه نظام الرئيس المخلوع فى العقل والقلب والوجدان المصرى، ناهينا عن تغييب الضمائر وإفساد الذمم، وهذا ما نشاهده فى واقع حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى مستوى معظم الوزارات والهيئات والمصالح، فضلا عن مؤسسات المجتمع المدنى ذاتها، الأمر الذى يتطلب جهودا مضنية لإعادة صياغة وتكوين الإنسان المصرى، وهو ما يتعين على الرئيس مرسى والفريق المعاون له والحكومة الجديدة أن تنهض به، مستعينين فى ذلك بعلماء الاجتماع ومؤسسات الثقافة والإعلام والتعليم وأهل الاختصاص من رجال الأزهر والكنيسة، علاوة على الرموز الوطنية والشخصيات العامة المشهود لها بالحيدة والنزاهة واستقامة الأخلاق.. وإذا ما وضعنا فى اعتبارنا أن هذا التخريب هو نتيجة تراكمات طويلة وعبر سياسات ممنهجة، لأدركنا مدى صعوبة مهمة التغيير، غير أن الأمر لا يحتمل تأجيلا..أنا لا أدرى كيف يمكن لرئيس الجمهورية والأجهزة المعاونة له أن يواجه شبكات الفساد المتغلغلة فى معظم، إن لم يكن فى كل، أجهزة الدولة.. لكنى أفهم أن الرئيس سوف يصطدم بهذه الشبكات وسوف يجد منها مقاومة عنيفة، لأنها تدافع عن وجودها وامتيازاتها، وأنه لن يتمكن من مواجهتها دفعة واحدة، وبالتالى من الأفضل أن يتم التعامل معها واحدة تلو الأخرى. أضف إلى ما سبق، ذلك الانقسام والاستقطاب الحاد فى بنية المجتمع، حيث كان الفارق بين الرئيس مرسى والفريق شفيق محدودا للغاية، علاوة على ال 50% ممن لهم حق التصويت الذين لم يدلوا بأصواتهم أصلا لأسباب مختلفة يطول شرحها، أقول كل ذلك سوف يصعّب من مهمة الرئيس، ومن ثم يستلزم الأمر نهجا سياسيا واضحا يجمع الشمل ويوحد الصف، ويعمل على تطبيب الجراح، حتى يشعر الجميع أنهم شركاء فى هذا الوطن.. وأعتقد أن الرئيس مرسى قد أفاض فى ذلك كثيرا، وما عليه إلا أن يبدأ ترجمته فى شكل خطوات عملية وإجرائية ووفق استراتيجية واضحة للجميع حتى يمكن استعادة روح الثقة التى تجلت فى الشعب المصرى يوم ال 25 من يناير. بهذه الروح سوف يستطيع الرئيس تخطى الكثير من العوائق وحل الكثير من المعضلات.. ومن نافلة القول التذكير بأننا لن نعدم وسيلة فى الوصول إلى بعض الشرفاء فى أى مجال وميدان، وهؤلاء يمكن البدء بهم والاعتماد عليهم كنواة صلبة فى التغيير.