رغم أنه لم يمر سوى أيام قلائل على قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بمنح المستثمرين أراضى بالمجان بمنطقة الصعيد، إلا أن العقبات التى تقف عائقاً أمام دعم الاستثمارات مازالت كثيرة لتصبح بمثابة ألغام وشيكة الانفجار إذا لم يتم حلها خلال الفترة المقبلة. وبات الحديث عن إشكاليات الاستثمار فى مصر هو السائد بين الأوساط الإاقتصادية، خاصة أن الاستثمارات الاجنبية والعربية تمثل أهم الروافد لتدفقات النقد الاجنبى فى ظل تفاقم أزمة نقص الدولار وارتفاع قيمته بالسوق السوداء ليتخطى حاجز 11.45 جنيه. لهذا استطلعت "النهار" آراء عدد من الخبراء للتعرف على أبرز الإشكاليات والعقبات التى تحول دون نمو الاستثمارات بمصر لتتحول من دولة طاردة للاستثمارات لتكون إحدى أهم الدول الجاذبة للاستثمارات. فى البداية أكد مدحت نافع، الخبير الاقتصادى، أن أبرز العقبات تتمثل فى استمرار حالة الانفلات الامنى، والبيروقراطية والتشريعات المتضاربة وإجراءات التحكيم فضلاً عن العقبات التى يتعرّض لها المستثمر المقيم والمتمثلة فى النقل والمواصلات والمرور والمضايقات التى يتعرّض لها الأجانب سواء كانوا سائحين أو مستثمرين. وأضاف "نافع" أن الحديث خلال الفترة الماضية عن منظومة الشباك الواحد كان كلاماً فى الهواء، خاصة أن الشباك الواحد كان موجوداً دائماً فى قانون 8 قبل تعديله وإن كان بمسمى مختلف، مشيراً إلى أنه فى كل الحالات لم يتم تفعيله والسبب فى ذلك الأيدى المرتعشة وعدم الجدية فى الإصلاح، لافتاً إلى أن قانون الاستثمار يجب أن يتضمن ضمانات للموظف العام تمنحه مزيداً من اللامركزية وحصانة من السجن إذا أخطأ بغير قصد جنائى. وتابع، فى تصريحات خاصة ل" النهار" أن أبرز الحلول لدعم مناخ الاستثمار فى مصر تبدأ من الاعتراف بتلك العقبات وتتضمن مزيدا من الاعتماد على المناطق الاقتصادية الجديدة بعيداً عن غابة التشريعات التقليدية والروتين المنهك لحين خلق ما يشبه الاقتصاد الموازى- بالمعنى الإيجابى للكلمة- وكذلك التعامل مع كل عقبة من تلك المذكورة آنفاً بشىء من الجدية والحسم. فى حين، أكدت الدكتورة عالية المهدى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن التحديات والعقبات أمام نمو الاستثمارات فى مصر كثيرة، وهذا ما أدى لتراجع حجم الاستثمارات وبالأخص الأجنبية بصورة كبيرة منذ ثورة يناير 2011، ولعل أبرز هذه التحديات استمرار البيروقراطية داخل مؤسسات الدولة، والروتين الحكومى وإشكاليات منح التراخيص لتنفيذ المشروعات والتى تستمر أعواما وليست أشهرا، الأمر الذى يحبط المستثمر ويجعله يبحث عن دول أخرى للاستثمار بها. وأضافت المهدى، خلال تصريحاتها ل" النهار"، أن إقدام الدولة على إقرار تشريعات تحفيزية للمستثمرين سيجعلهم يعيدون استثماراتهم من جديد للسوق المصرية، إذ إن مصر تعانى من غياب التشريعات الداعمة لمناخ الاستثمار والدليل على ذلك عدم تفعيل منظومة الشباك الواحد وبحث عيوب قانون الاستثمار، لافتة إلى أن زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر للداخل من شأنها أن تساهم فى حل الكثير من الأزمات الاقتصادية التى تمر بها مصر وعلى رأسها حل مشكلات العملة الخضراء التى اجتاحت البلاد مؤخراً. وطالبت "المهدى" حكومة المهندس شريف إسماعيل، وبالأخص وزيرة الاستثمار داليا خورشيد، بسرعة البحث عن أسباب تراجع حجم الاستثمارات من السوق المصرية وتقديم تسهيلات للمستثمرين لتكون بمثابة حافز لهم لعودة ضخ استثماراتهم من جديد للسوق المصرية بجانب ضرورة حل النزاعات بينهم وبين الدولة والتى تدفع بعضهم للجوء للتحكيم الدولى. فى حين أكد هانى توفيق، الخبير الاقتصادى، رئيس الجمعية العامة للاستثمار المباشر، أن بيئة الاستثمار فى مصر تعانى من إشكاليات وعقبات كثيرة تجعلها تصنف ضمن البلدان الطاردة للاستثمارات وليست الجاذبة لها، إذ إن أبرز هذه الإشكاليات البنية التشريعية لقوانين الاستثمار، بجانب أزمة التراخيص والأراضى والضرائب وإشكاليات العقود المبرمة مع الدولة بجانب افتقار العمالة المصرية وعدم تأهيلها للعمل. وأضاف توفيق فى تصريحاته ل"النهار" أن من أهم العقبات أيضاً التى تعيق الاستثمار المباشر بيروقراطية الجهاز الإدارى، الأمر الذى دفع الحكومة لتذليل تلك الإشكالية عن طريق منظومة الشباك الواحد، إلا أن هذه المنظومة لم تفلح فى ظل غياب التخطيط وآليات التنفيذ، لافتاً إلى أن هذه العقبات والإشكاليات هى السبب وراء عدم تنفيذ الاتفاقيات والعقود التى تم إبرامها خلال مؤتمرى شرم الشيخ الاقتصادى ومرسى مطروح لتصبح مجرد حزمة من الورق لا قيمة لها. وطالب توفيق حكومة المهندس شريف إسماعيل بضرورة وضع خطة إصلاح واضحة لمنظومة الاستثمار، خاصة أن تعامل الحكومات السابقة مع هذا الملف انتهى بالفشل لا سيما أنه لم يتم التعامل مع المعوقات بشكل جيد، الأمر الذى جعل مناخ الاستثمار فى مصر" تعيس" ويبعث برسالة إحباط للمستثمرين ويدفعهم للهروب منه والبحث عن دول أخرى لضخ استثماراتهم بها.