أثار انسحاب المكتب الاستشارى الهولندى من المفاوضات الفنية لسد النهضة، العديد من التساؤلات حول جدية المفاوضات حول أزمة السد من الجانب الإثيوبى، خاصة أن انسحاب الهولنديين كان بسبب أن المكتب الفرنسى المستحوذ بالفعل على 70% من الدراسات، لم يترك للمكتب الهولندى حرية العمل بحيادية– على حد قول المكتب الهولندى. من جابنها صرحت وزارة الرى المصرية بأن انسحاب المكتب الهولندى ليس نهائيًا، وأن هناك مفاوضات تجرى الآن بين الدول الثلاث «مصر، السودان، وإثيوبيا» لحل الخلاف الذى أدى بالمكتب الهولندى للانسحاب، وقال الوزير حسام مغاورى، إن المكتب أبدى استعداده للعودة مرة أخرى لاستكمال الدراسات فى ظل وجود المكتب الفرنسى، لكنه اشترط وجود ضمانات وتعديل على بنود الاتفاق بما يضمن له تقديم دراسات محايدة وموضوعية. السيسي قادر على الحل الدكتور سعد الزنط، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، قال إن الرئيس السيسى يتابع ملف سد النهضة بنفسه، ولديه أكثر من سيناريو للتعامل معه، وليس المهم أن ينسحب مكتب أو لا ينسحب، كما أن انسحاب المكتب ليس نهائيًا، ففى مثل هذه الملفات الشائكة، كثيرًا ما تتعثر الأمور، ولكن حكمة التعامل تجعلها تستمر، والرئيس السيسى قادر على حل هذا الملف، وطالب الزنط الإعلام بالابتعاد عن هذا الملف، وأن يتم تناوله بشكل إخبارى عادى، دون التطرق إلى أشياء أخرى، وخسرنا كثيرًا حينما تركنا الملف للإعلام والعوام. ويضيف الزنط أن ملف سد النهضة هو «ملف وجود»، وليس مجرد أمر عادى، فإن كانت هذه هى وجهة نظر الرئيس، فبالتأكيد هناك عدة سيناريوهات للحل، ولن يترك الأمر كى نكون فى يد إثيوبيا، وقد أعلن الرئيس ذلك فى أكثر من مرة بوضوح، وهذه الأمور الشائكة لا يمكن أبدًا إعلان تفاصيل المفاوضات بها، ولكن علينا أن نثق فى قيادتنا السياسة الحالية، لأنها تملك من الحكمة والأدوات الكثير الذى يجعلها قادرة على إنهاء هذه الأزمة بما يضمن عدم المساس بمصالح مصر. الضغط السياسى والاقتصادى ويؤكد الزنط أن السبيل الآن هو الحل الدبلوماسى والسياسى، عن طريق استغلال علاقات مصر بالدول الإفريقية التى عادت لقوتها عقب تولى الرئيس السيسى السلطة فى مصر، فيمكن التوصل لاتفاق عن طرقٍ كثيرة، وإن لم تنجح هذه الحلول فقد نلجأ للضغط السياسى، وهنا يؤكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية على ضرورة إيجاد مصلحة بيننا وبين إثيوبيا، لأن ما يحكم النظام العالمى الآن هو مصالح الدول، فإيجاد مصلحة بين مصر وإثيوبيا سيخلق آفاقًا جديدة لحل الأزمة، فمصر حينما أدرات وجهها للولايات المتحدة ووجدت الأخيرة أن مصالحها فى مصر مهددة، بدأت تعود عن سياساتها معنا. يشير الزنط إلى أن الأزمة ليست فى السد، لأن المياه ستصل مصر بأى حالٍ ولكن الأمر الآن فى الفترة الزمنية التى سيتم ملء السد فيها، وهو الملف الأهم الآن، ثم يأتى بعد ذلك الأكثر أهمية وهو هل سيتم بناء سدود أخرى أم لا، ومن هنا يكون التفاوض، الذى يجب أن يصل بالطرفين لاتفاق يحقق مصالح مصر وإثيوبيا. وحول كيف أن الأزمة فى وقت ملء السد، يقول الزنط سد النهضة ليس سد رى أو زراعة، لكنه لتوليد الكهرباء، وبالتالى الأزمة ستكون فى بعض الوقت فقط، ولن تتأثر مصر بشكل مباشر أو بشكل كبير فى هذا الأمر. ويؤكد ضرورة السير فى الطريق السياسى والقانونى، حيث إن هناك اتفاقيتين فى غاية الأهمية، هما اتفاقية 1929، و1959، وتحاول إثيوبيا التنصل من اتفاقية 1929، بدعوى أنها كانت إبان الاستعمار، وهو أمرٌ غير صحيح، لأن التزام الدول بالاتفاقيات أمرٌ ثابت لا يتغير بمثل هذه الأشياء، كما أن إثيوبيا تحررت من الاستعمار منذ عشرات السنين، فلماذا لم تتقدم للأمم المتحدة بطلبٍ منذ عقود لإلغاء الاتفاقية، وقد أحسن الرئيس السيسى بالاتفاق مع السودان لإحياء اتفاقية 1959، والتى صارت هى إطار أى اتفاق سوف يتم مع إثيوبيا، واتفاقية «عنتيبى» التى أبرمتها إثيوبيا لن تكون إطارًا لأى اتفاق، لأنها فى حالة اللجوء للتحكيم لن يتم الاعتراف بها، ففى اتفاقيات الأنهار طبقًا للمعاهدات الدولية، لا يتم السماح ببناء أى سدود على الأنهار تؤثر على دول المصب، ومصر هى دولة المصب. الصراع على 55 مليار متر مكعب من إجمالي 1000 مليار متر مكعب ويشير رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية إلى أن الأمطار التى تنزل على هضبة الحبشة تصل إلى 960 مليار متر مكعب، والأزمة بين مصر وإثيوبيا الآن على 55 مليار متر مكعب، فلماذا لا نملك أفكارًا خارج الصندوق، فنحن الآن فى أزمة على نسبة 15% فقط من الأمطار التى تنزل على هضبة الحبشة وهى تمثل ما يقرب من 100 مليار متر مكعب، وحصة مصر 55 مليارا، فلماذا لا نفكر فى تطوير منابع النيل، بما يسمح لنا بزيادة كمية المياه القادمة إلينا، وهنا يؤكد أن تطوير منابع النيل يجب أن يكون جزءًا من التفاوض مع إثيوبيا، ويجب علينا أن نملك خيالاً سياسيًا لآفاق الحل. السيسي يملك حكمة السادات وكاريزما عبدالناصر في إفريقيا وحول طريقة تعامل السادات ثم مبارك والآن تعامل الرئيس السيسى، يقول الزنط إن تعامل الزعماء الثلاثة مع ملف إثيوبيا كان مختلفًا ولا يمكن عقد مقارنة بينهم، فالظرف الزمنى مختلف، وكذا البيئة السياسية، فالسادات كان رجلاً مختلفًا والظرف كان شديد الاختلاف، فحينما هدد بضرب إثيوبيا سكت الجميع، فالأوضاع السياسية كانت تسمح له بذلك، فالمصالح الدولية كانت مختلفة، وإفريقيا لم تكن لها الأهمية السياسية والاستراتيجية مثل الآن، فإفريقيا اليوم عليها صراع استراتيجى بين روسيا والصين والولاياتالمتحدة، وكذلك كان تعامل الرئيس عبدالناصر معه حيث شكل الدعم المباشر والمستمر للقارة السمراء، والرئيس السيسى الآن يعى ما فعله الزعيمان جيدًا ويملك من صفات هذا وذاك، ويجيد التعامل فى ظل المتغيرات التى حدثت. ويشير الزنط إلى أن أزمة مياه النيل الحقيقية بدأت منذ عام 1995، بعد تعرض الرئيس الأسبق مبارك لمحاولة اغتيال فى أديس أبابا، بعدها أهملت الحكومة المصرية إثيوبيا بشكل كبير، ولم يهتم أحد بعد الدكتور بطرس غالى بالأمر، وتراخى الحكومات المتعاقبة أدى لما نحن فيه الآن. ويؤكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية أن إثيوبيا هى أهم مكان به مصلحة استراتيجية وتهديد استراتيجى، وإهمالها بعد 1995 كان أكبر الأخطاء، وهو ما يحاول الرئيس السيسى الآن إصلاحه، ونحن الآن نملك رئيسًا يمتلك الصفات التى تمتع بها كلا الزعيمين «السادات» و»عبدالناصر»، وهو يعى جيدًا أهمية الملف الإثيوبى، وسوف يتمكن من حله بشكل صحيح، فهناك أوراق عديدة يمتلكها الرئيس ستمكنه من الضغط على إثيوبيا ودفعها لفعل ما يصب فى مصلحة مصر. حلف الناتو يريد السيطرة على مقدرات مصر وأولها المياه اللواء علاء عزالدين، الرئيس الأسبق لمركز القوات المسلحة للدراسات الاستراتيجية، يرى أنه يجب على مصر أن تضغط كى يكون هناك مكتب استشارى آخر بديل عن المكتب الهولندى، وعدم ترك الأمور فى يد المكتب الفرنسى وحده، خاصة أن أى دولة بحلف الناتو لن تتصرف بشكل يخالف السياسة الأمريكية، والتى تقوم على السيطرة على مقدرات مصر، وأهم هذه المقدرات هى مياه النيل، وذلك بهدف توصيل المياه لإسرائيل بالإجبار. الهدف أن تصل مياه النيل لإسرائيل ويرسم عزالدين السيناريو الأمريكى بأنه يقوم على أن تدفع إثيوبيا لبناء سد النهضة، وقد يعقب ذلك بناء سدود أخرى، وبالتالى تبدأ مصر تتأثر بشكل كبير، وحينما يحتدم الصراع تتدخل الولاياتالمتحدة بوصفها على رأس النظام العالمى، فتقوم بعقد سلسلة من المفاوضات تنتهى بأن إثيوبيا سوف تقوم بحل الأزمة مقابل أن تقوم مصر بتوصيل مياه النيل لإسرائيل، وحال حدوث ذلك لا يمكن اتهام أى رئيس موجود أنه تخاذل، لأن الصراع حينها هو صراع حياة. ويؤكد عزالدين أن انسحاب المكتب الهولندى هو حلقة من حلقات المراوغة الإثيوبية، فالمفاوضات تتعثر كل فترة، ولكن العمل فى بناء السد يسير على قدمٍ وساق، وهو جزء من اللعبة الإثيوبية، وهو أمر يهدد بقاء الدولة المصرية، ولذلك لا ينبغى التعامل مع هذا الملف بالتفاوض الهادئ، وبعد بناء السد سيكون الأمر قد انتهى، ومصر وحدها فى الأمر لأن الموقف السودانى غير واضح. ويستبعد عزالدين الأقاويل بأن بحيرة ناصر سوف تجف، لأن الاحتياطى المائى بها كبير للغاية، ولن يسمح الرئيس السيسى بأى شكلٍ أن نصل لهذا الأمر وهذه النقطة.