تسود حالة من الشك والريبة فى مبادرة ألمانيا الأخيرة بالترحيب باللاجئين السوريين ووقف العمل باتفاقية دبلن فيما يتعلق بإعادة اللاجئين السوريين إلى أولى دول الاتحاد الأوروبى التى دخلوا منها.. واستقبال اللاجئين المتدفقين إليها برا عبر اليونان ومقدونيا وصربيا والنمسا والمجر بالورود. أليست هذه ألمانيا أكثر دول العالم عنصرية؟؟ أليست هذه ألمانيا التى شهدت أراضيها معسكرات التكثيف ومعسكرات الإبادة الجماعية؟ أليست هذه ألمانيا التى سالت على أرض محكمتها “لاندس كريتس” فى دريسدن دماء المصرية المسلمة المحجبة مروة الشربينى؟ أليست هذه ألمانيا التى تشهد حالياً سلسلة تظاهرات عنيفة يشارك فيها آلاف الألمان ضد طالبى اللجوء وضد أسلمة البلاد تنظمها جماعة بيفيدا “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب”؟؟ لماذا تعلن ألمانيا فجأة عن نيتها استقبال 800 ألف لاجئ أو ما يمثل أربعة أضعاف ما استقبلته العام الماضى بتكلفة 10 مليارات يورو دون زيادة فى الضرائب؟ هل حقاً ذلك بدافع التعاطف الإنسانى مع اللاجئين السوريين عقب وقائع الموت المؤلمة كما تدعى ألمانيا أم أن هناك دوافع خبيئة وراء هذه المبادرة؟ إنها المصلحة الاقتصادية أيها السادة، فأقوى اقتصاد عالمى يعانى من حالة شيخوخة وقصور فى الأيدى العاملة. فعلى الرغم من أن ألمانيا تعد أكبر دول الاتحاد الأوروبى سكانا بنحو 82 مليون نسمة إلا أن معدل الخصوبة الكلى لديها من أدنى المعدلات فى العالم حيث يبلغ 1.38 طفل لكل امرأة، ويتوقع المكتب الفيدرالى الألمانى للإحصاء أن ينكمش سكان ألمانيا إلى ما بين 65 مليونا عام 2060 فى حالة استقبالها نحو 100 ألف مهاجر سنويا و70 مليونا فى حالة كان عدد المهاجرين إليها 200 ألف سنويا. إذن زيادة أعداد المهاجرين لألمانيا مطلب أساسى لضمان بقائها. والدافع الآخر وهو اقتصادى أيضا هناك حاجة متزايدة من الأيدى العاملة فى أغلب مدن ألمانيا، فوفقا للتقارير تحتاج ألمانيا لنحو 1.5 مليون من الأيدى العاملة للحفاظ على قوة اقتصادها. ويؤكد هذا الدافع مشروع أريفو برلين لمساعدة اللاجئين للانضمام لسوق العمل بتعليمهم الألمانية والحرف والمهن اللازمة وتوزيعهم على المدن الألمانية التى تعانى قصورا مهنيا. ومع قوة ومهارة السوريين المعروفة فى العديد من المهن والحرف يكون استقطابهم لألمانيا هدفاً لدعم اقتصادها. وقد انتبهت بالفعل العديد من دول أوروبا لهذا الدافع حيث بدأت تدخل فى منافسة الترحيب باللاجئين، كما أعلن مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبى صراحة “إن ما نراه فى الوقت الحالى ما هو إلا أنانية وهو ما ليس متناغما مع الفكر الأوروبى وما ينبغى فعله هو التوزيع العادل للاجئين على دول أوروبا”. وبدأ التصارع على الغنيمة.. إنها الموارد البشرية أيها السادة التى لا تدرك قيمتها العديد من الدول العربية. وإذا كانت ألمانيا تسعى من خلال استقبالها للاجئين للتغلب على أحد التحديات الاقتصادية الهامة التى تواجهها فإن عليها الاستعداد لمواجهة العديد من التحديات الأمنية والاجتماعية حيث يقف المواطنون الألمان يراقبون قرارات حكومتهم بقلق وخوف على النقاء الألمانى والحضارة الألمانية وقيمها المسيحية وتتزايد التحذيرات من تصاعد إرهاب اليمين المتطرف وتزايد أعداد النازيين الجدد فى ألمانيا.