زراعة برسيم بدلا من النباتات الطبية. هكذا كان حال أول مركز قومى للنباتات الطبية الذى تكلف إنشاؤه 20 مليون جنيه بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية بغرض توفير المواد الخام اللازمة لصناعة الدواء من النباتات الطبية بعد إجراء التجارب العلمية عليه؛ لتوفير دواء آمن بسعر مناسب، إلى جانب دراسة وتطوير الدراسات والأبحاث العلمية. وقد شملت أهداف المشروع إجراء وتجميع الأبحاث العلمية التطبيقية التى تجرى على النباتات الطبية ومستخلصاتها بغرض تطويرها للاستغلال الاقتصادى ودخولها فى صناعة المستحضرات الدوائية والعشبية بالتنسيق مع الجهات البحثية مثل الجامعات ومراكز البحوث والشركات المحلية والهيئات الدولية؛ عبر الوحدة النصف إنتاجية الموجودة بالمركز نفسه المخصص لزراعة النباتات الطبية. هذه الوحدة النصف إنتاجية «مكونة» من آلات زراعية وأدوات تجفيف وكل مستلزمات الإنتاج الخاصة بالأعشاب الطبية ومعامل مزودة بالأجهزة الحديثة مع توفير مواد كيماوية غالية الثمن تستخدم فى حفظ الأعشاب والنباتات الطبية مخصص لزراعتها قرابة 15 فدان مساحة المزرعة الملحقة بها صوب زراعية. الأهم تم تمويل المشروع من خلال منحة مقدمة من وزارة التعاون الدولى عبر الحساب الخاص لمركز التعاون الأمريكى وما يقدم من منح وتبرعات من الجهات المحلية أو الدولية أو الجهة التابع لها وهى هيئة الرقابة والبحوث. وكان قد صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بإنشاء أول مركز للقومى لزراعة النباتات الطبية وتم على إثره انتزاع قطعة أرض تقارب مساحتها 24 فدانا بمبلغ 22 مليون جنيه بمنطقة كفر الجبل بالهرم بمحافظة الجيزة، وبعد تخصيص الأرض تم منحها للهيئة بالأمر المباشر باعتبارها ضمن أعمال المنفعة العامة. تهديدات بسحب الأرض ومن المفارقات الغريبة، حاليا، صدور تهديدات بسحب الأرض خاصة فى كونها لم تستغل ضمن المنفعة العامة بعد زراعة برسيم بدلا من النباتات الطبية، علاوة على تثمين قيمة الأرض المنزوعة من ملاكها بأسلوب الأمر المباشر وقيمتها 22 مليون جنيه فى حين لم يتم سداد سوى مليون و900 ألف جنيه فقط كتعويضات لنزع الملكية لإقامة المشروع. قال الخبير القانونى عصام الإسلامبولى إن كفة أصحاب الأرض الأصليين ترجح لسببين، أولهما عدم سداد الهيئة ثمن المشروع بالكامل للملاك الأصليين ما يعطيهم حق استرداد الثمن مضافا إليه الأرباح، والتالى عدم عمل المشروع الأساسى المنتزع الأرض من أجله، خاصة أنه لم يتم استغلال الارض التى تنتزع من الأهالى بغرض المنفعة العامة ولم تسدد الأقساط للماك الأساسى او عدم التزام المركز بأهدافه المقام من أجلها فيحق للمالك استرداد الأرض. وحدة نصف إنتاجية لا تعمل ومن الغريب وجود وحدة نصف إنتاجية بالمشروع بداية من الآلات الزراعية وغلايات خاصة بالنباتات وآلات التجفيف والمواد والمحاليل الكيماوية والتى تهدف لاستخلاص المواد الفعالة من الزيوت الثابتة أو الطيارة والتى يتم زراعتها داخل المزرعة الخاصة بالهيئة البالغ مساحتها 15 فدانا، ولم تعمل منذ وقت تنفيذها والمفاجأة يتم زراعة برسيم بدلا من النباتات الطبية. وبالبحث والتحرى اكتشفنا أن المشروع لم يتضمنه الهيكل التنظيمى للهيئة لأن قرار الإنشاء كان طبقا لقرار رئيس الجمهورية، ومن المفروض أن يتم إخطار رئاسة الجمهورية بأية تعديلات تجرى فى المشروع، الأمر الذى تم تجاهله من رئيس الهيئة، ولم يبلغ وزير الصحة أيضا بأية تغييرات ليتحول المشروع إلى سبوبة فى الخفاء إلى أن لاحقه الفشل، وكان آخر حساب للوحدة النصف الإنتاجية التى لا تعمل الآن، قبل ضم أرصدتها ومبالغها والوحدة الحسابية الخاصة بها إلى الهيئة: تم صرف 2 مليون و275 ألف جنيه فى مشروع لا يعمل وتم تخصيص 300 ألف جنيه ضمن الأبحاث والدراسات العلمية الوهمية التى لم تقدم أى جديد وكانت آخر خطوة للسيطرة على المشروع هى إلغاء الوحدة الحسابية الخاصة به. تجولنا بالهيئة لنفاجأ بإلغاء بواقى المواد الكيماوية والدوائية ومواد قابلة للاشتعال وأخرى بيولوجية سامة على الأرصفة الخارجية بالهيئة ما ينذر باشتعال الحريق داخل الهيئة فى أى وقت، فضلا عن تغير مسار المشروع أساسا لزراعة البرسيم على عشرات الأفدنة بدلا من النباتات الطبية. ومن المفارقات الغريبة أن اللجان التى يشكلها رئيس الهيئة للبيئة والصحة والسلامة تتكلف 28 الف جنيه شهريا رغم وجود الآلات الزراعية المهملة وصوب بور مهدرة لم تزرع بها أية أنواع من النباتات الطبية أو العطرية وسيارات مهملة وأجهزة حاسب ملقاة على الأرض ومعامل متردية، ومن الطريف أنه تم إرسال شكوى للرقابة الإدارية حول الفساد والإهمال داخل أروقة الهيئة فكان الرد «لا تعليق». كما كشف تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات عن حجم المخالفات الموجودة بالمشروع متمثلة فى وجود العديد من الأجهزة العلمية والحاسبات الآلية والموازين الخاصة بالمعامل وماكينة خاصة بالغربلة للزراعيين وكميات كبيرة من الكيمياويات الصالحة للاستخدام ملقاة على الأرض، علاوة على أدوية مطلوب إعدامها داخل المركز، أما المخالفات المالية بالتقرير فتمثلت فى صرف مبلغ 2 مليون و7000 ألف جنيه تم دفعها من صندوق تحسين الخدمة بالهيئة فى أعمال تطوير بالمركز، ولم تجر أى تسويات بالمبلغ المذكور، كما تم صرف 4 ملايين و387 ألف جنيه من إجمالى تعاقدات قاربت ال10 ملايين جنيه ضمن أعمال تطوير استمرت ل6 سنوات فى تلك الأعمال التى لم تجر، خاصة شبكة صرف صحى وبنشات تم توريدها للهيئة غير مطابقة للمواصفات لعدم مقاومتها للأحماض والقلويات ومشكلة فى الرقم السرى فى جهاز الانذار، فضلا عن عدم وجود دفاتر صادر أو وارد لتسجيل دخول أو خروج الأجهزة داخل المركز، ما يجعل المخازن «سداح مداح» لا يتم تسجيل دخول أو خروج أية معدات. والمفاجأة ما جاء فى اللجنة المشكلة لحصر كهن بالمركز نفسه من قبل الهيئة نفسها حيث أقرت بما جاء بالجهاز المركزى للمحاسبات من مخالفات ووجود خارج مخزن الكيمياويات أصناف من النوع الغالى جدا المنتهية الصلاحية والمتراكمة لسنوات طويلة بجانب كميات كبيرة جدا من السيارات، واكتفت اللجنة بعمل توصيات بإقامة سلك شائك أو سور لحماية المعدات من السرقة، واعترفت بإهدار المال العام عن طريق تكليف الهيئة بأموال طائلة تؤخذ لشراء مواد كيماوية غالية الثمن دون أى استفادة تعود على المركز. والطريف تحول اهتمام الهيئة من البحوث العلمية إلى تخصيص جزء من أراضى الهيئة لعمل ملعب كرة قدم خماسى لإقامة الدورات الرمضانية للعاملين بالهيئة، ما قوبل بالرفض وكان السبب الرئيسى وراء اعتذار رئيس المركز السابق بكفر الجبل بالهرم الدكتورة ناهد حسين. وذكر مصدر، من داخل مركز النباتات الطبية، رفض ذكر اسمه «كان من المفترض أن يكون أول مشروع قومى لزراعة كل النباتات الطبية الهامة مثل (الزعتر وحشيشية الليمون وباقى الأنواع التى تصل أصنافها إلى أكثر من 60 صنفا، ثم يتولى استخلاص المادة الخام فى صورة نصف إنتاجية وتحضير المادة الخام للشركات بدلا من استيراد المادة الخام من الصين والهند». وأرجع «إسماعيل» تردى حالة مصر فى هذا المجال لغياب معامل تستطيع استخلاص المادة الخام أو الزيوت العطرية، ونكتفى فقط بدور المصدر لدول الاتحاد الأوربى وأمريكا ونستورد المادة الفعالة.