بين الكاف والنون تخلق المعجزات. إنها إرادة الله ينفذها جنوده في مصر خير أجناد الأرض. أليس هذا هو التحدي الأعظم؟!! أليس هذا درساً جديداً يضاف للدروس السابقة للعالم بأن الكيان المصري لا يقهر؟؟ أليس هذا إضافة جديدة لقائمة المعجزات المصرية؟ أليس هذا دليلاً بيناً على أن مصر في معية الله إلى يوم الدين؟؟ انطلقت شرارة الاحتفالات بمولد المشروع الجديد الذي يحمل وعوداً بالخير لمصر وللمصريين وتطلعت إلينا أنظار العالم بمزيج بين الانبهار والاحترام من ناحية والقهر والترقب من ناحية أخرى، بات المشروع الجديد محوراً لنقاش جدلي بين مؤيد ومعارض وبعيداً عن التبعات السياسية لهذا المشروع التي يمكن أن تبرر أهميته ومع محاولة عدم التحيز للمشروع الذي يمثل إنجازا هندسياً في عنصر الزمن سنحاول مناقشة بعض النقاط الجدلية لمشروع قناة السويس الجديد. تعد قناة السويس هي الممر الملاحي الأهم للتجارة الدولية بين قارتي آسيا وأوروبا وتسمح القناة بعبور السفن في اتجاهين متوازيين في نفس الوقت، ويتضمن المشروع الجديد مشروعين متكاملين يتعلق المشروع الأول بتوسعة وتعميق وازدواجية المسار في أجزاء من القناة الحالية بما يشمل تعميق المسار في البحيرات المرة بطول 30 كم وتوسعة وتعميق ممر البلاح بطول 7 كم وحفر القناة الجديدة بطول من الكيلو متر 60 إلى الكيلو متر 90 بطول 35 كم. أما المشروع الثاني فهو مشروع تنمية المنطقة بالكامل لتحويل الممر الملاحي لمركز لوجيستي صناعي سياحي عالمي متكامل يعتمد على خدمات النقل البحري من إصلاح سفن وشحن وتفريغ وتموين الوقود وموانئ محورية على مدخلى القناة ومجمعات صناعية جديدة ومشروعات سياحية بما يوفر وفقا للتقديرات الحكومية مليون فرصة عمل. ويهدف المشروع الأول لازدواجية المسار لتلافي المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد على 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام من نحو 18 ساعة إلى أقل من 11 ساعة، وبينما يقلل البعض من أهمية هذا الهدف في ظل تميز طريق قناة السويس على طريق رأس الرجاء الصالح وهو البديل لمرور السفن من آسيا لأوروبا في معيار زمن الرحلة المستغرق حيث توفر نحو 15 يوماً في أفضل الأحوال إلا أن هذا الهدف يزيد من الميزة الاحتكارية لقناة السويس Absolute advantage في كفاءة الأداء للنقل بين آسيا وأوروبا والتي أصبحت بالفعل مهددة بعد الرحلة الفريدة للحاويات التجارية “مونشيفورسك” الروسية إلى الصين والعودة منها عبر طريق بحر الشمال والذي يوفر زمن العبور بين أوروبا والشرق الأقصى بنحو 40% وظهور اهتمام متزايد بهذا الطريق ومحاولة إيجاد حل لمشكلة الحواجز الجليدية وتحسين خدمات الملاحة والمرور به، كما أن له أهمية كبيرة لأمن وسلامة المرور في القناة، فضلاً عن أهميته على المدى المتوسط والطويل في ظل تزايد معدلات حركة التجارة الدولية بين دول جنوب شرق آسيا وأوروبا والتنبؤات العالمية باستمرار النمو لحركة التجارة الدولية بمعدل نحو 8% سنوياً في ظل استقرار أوضاع الاقتصاد العالمي. الهدف الثاني هو تعميق وتوسعة القناة لزيادة القدرة على استيعاب الناقلات العملاقة لاسيما ناقلات البترول والتي لا تتعدى قدرة القناة الحالية استيعاب سوى 63% منها حيث إن ناقلات البترول العملاقة تشمل نوعين أساسيين (VLCC) very Large crude Carrier أو Ultra large crude carrier (UlCC) وبينما لا يستطيع النوع الأخير UlCC المرور بقناة السويس ويكون البديل المتاح هو طريق رأس الرجاء الصالح فإن النوع الأول VLCC إما أن يتجه لطريق رأس الرجاء الصالح أو يتم اتخاذ بعض التدابير الخاصة لتخفيف حمولته التي تحمل تكلفة عالية وتستغرق وقتا أكبر، وهو الهدف شديد الأهمية أولا لأهمية هذا النمط من ناقلات البترول الذي تهدف مصر مضاعفة حصتها منه لتعظيم إيراداتها وهو يمثل هدفاً قصير الأجل، فضلا عن الاتجاهات الحديثة في النقل البحري بزيادة الاعتماد على السفن الأكبر ذات الغاطس الأعمق والحمولة الأكبر؛ مما يؤكد أهمية تعميق القناة الجديدة ووفقاً للأرقام المعلنة فإن المشروع الأول يؤدي إلى زيادة عدد السفن التي تمر بالقناة من 49 سفينة يوميا بالوضع الحالي إلى 97 سفينة يوميا سنة 2023 وفقاً لمعدلات نمو التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا أي الضعف تقريباً. وبينما يدفع البعض أن العائد السنوي المتوقع من الزيادة في حجم الناقلات العملاقة في المدى القصير لا يبرر أولوية الاستثمار في المشروع يمكننا القول بأن تحديد أولويات الاستثمار معقود بمعيارين أولهما محدودية الموارد، ثانيهما أهمية المشروع ووجود بدائل أكثر إلحاحا، والواقع أنه باستقراء تطورات حفر وتوسعة القناة عبر الفترات الماضية يتضح أنه كانت هناك ضرورات مستمرة لتوسعة وتعميق القناة، ثم إن قناة السويس كانت ولا تزال هي أحد مصادر الدخل الأساسي لمصر ومصدر الإيراد الأكبر والأكثر استقرارا للعملات الأجنبية ودعم ميزان المدفوعات، ومن المنطلق الاقتصادي هي حاليا المصدر الذي يمثل الميزة الاحتكارية للاقتصاد المصري في المنطقة. إذن تكون محاولة تعظيم العائد منه هي الأولوية العظمى. ثانيا فإنه وفقا لبيانات البنك المركزي الهيكل التمويلي للقناة يتضمن 82% من استثمارات الأفراد المصريين وليس من خلال هيئات ومؤسسات استثمار إذن هو لم ينافس البدائل الاستثمارية الأخرى في موارد محدودة نظراً لعدم وجود قصور في ودائع البنوك كما أنه لم يمثل أي عبء على موازنة الدولة فضلاً عن أنه في حد ذاته يعد مجالاً للاستثمار للمصريين، ثالثاً والأهم لا يمكن إنكار دور القوات المسلحة بما تمثله من كفاءة وفعالية التكلفة بالإضافة إلى قصر الفترة الزمنية للإنشاء وهو أيضا ما يصب في كفاءة وانخفاض تكلفة المشروع. وإضافة لجميع ما سبق لا يمكن إغفال جدوى المشروع المتكامل معه والذي يمثل مدخل دعم الإيرادات المتحققة... إن هذا المشروع وحده يمكن أن يبرر الجدوى الاقتصادية لمشروع قناة السويس الجديد متى تم تخطيط وتوطين وتنفيذ وإدارة مشروعات التنمية وفقاً لأسس علمية سليمة ويفتح مجالاً واسعاً للاستثمار ويتيح فرص عمل كثيرة ومتنوعة، بيد أنه يطرح تساؤلاً وتحديا في الوقت ذاته عن إمكانية توفير هذا الكم من العمالة الفنية المدربة ذات الكفاءة من المصريين في ظل ضعف وقصور وتراجع التعليم الفني في مصر، الأمر الذي كان يتطلب تخطيطا بزيادة أعداد وكفاءة خريجي التعليم الفني لخدمة هذه المشروعات بالتزامن مع تخطيط وتنفيذ المشروع. وفي النهاية فإننا يا سادة أمام إنجاز تاريخي للمصريين يسطر ويدرس في الجامعات العالمية أن مصر أنجزت صرحا هندسيا عملاقا في عام واحد وبتمويل مصري 100%. إنها رسالة تحذيرية حادة لكل من تسول له نفسه أن مصر أنهكتها الأزمات... أيها السادة، تفاخروا فنحن أعظم شعوب العالم متى أردنا.. بالعزيمة والإصرار وبالاتحاد حول أهدافنا سنواجه نحن المصريين العالم لتغيير التاريخ وتغيير خريطة العالم... نحن الأعظم بلا منافس.. نحن شعب المعجزات... نحن شعب الحضارات. احذرونا فإننا إذا خرجنا من سباتنا نلقن من حولنا درساً بأننا أحفاد بناة الأهرامات. ينساب الآن في أذني صوت المبدعة أم كلثوم في كلمات حافظ إبراهيم الرائعة “وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي.. وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي.. أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي.. إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي”. اللهم احفظ مصر كما وعدت.. اللهم احفظ قائدنا الوطني الأصيل الذي لم يقدم وعودا ولكن قدم إنجازاً.