بأنفاس متسارعة ووجه تكسو ملامحه علامات القلق والخوف، تصعد "سامية" الزوجة الأربعينية درجات السلم الرخامى المفضى لإحدى قاعات محكمة الأسرة بمصر الجديدة، تدور ببصرها فى أرجاء المكان بحثا عن ركن هادىء تغرق فيها بأحزانها وآلامها، وبعد عناء تسقط بجسدها المنهك على أول كرسى معدنى يقابلها، وتسحب الهواء حتى يعلو صدرها، معلنة حالة الإستنفار القصوى بجميع حواسها، فى انتظار المثول أمام القاضى ليلقى على مسامعها حكمه فى دعوى الخلع التى أقامتها ضد زوجها صاحب محل قطع غيارات سيارات، بعد زواج دام لأربع سنوات لعله يريح به قلبها المتعطش للخلاص من القهر والهم ويمحو منه مرارة الإتهام بالخيانة، ويرحمها من تلقى الضربات والركلات والصفعات المتلاحقة على صدغيها بسبب ودون سبب. وبنبرة تلمح فيها الكسرة بدأت الزوجة الأربعينية رواية تفاصيل حكايتها ل"صدى البلد" قائلة: "تزوجته رغم علمى بسابقة زواجه من آخرى، فلم يكن لى خيار آخر، فقد كان عمرى جاوز الثلاثين بسنوات، وكان هو فرصتى الأخيرة لإنجاب الطفل الذى طالما حلمت به، وسبيلى الوحيد لرد اعتبارى أمام من جرحوا أنوثتى، وآكلوا لحمى بألسنتهم ونظراتهم، واعتبرونى وباء يجب الإبتعاد عنه، ولم تمر فترة طويلة حتى تمت مراسم الزفاف، وانتقلت للعيش معه بنفس صاغرة فى شقة بسيطة مؤجرة "ايجار جديد" بحى شعبى فقير، رغم أنه ميسور الحال ويمتلك محل قطع غيار سيارات، لكن ذلك كان من ضمن سلسلة تنازلاتى التى قدمتها على مدار 4 سنوات، وبعد ستة شهور بالتمام والكمال من زواجنا دخل السجن لعدم تسديده متجمد نفقة طليقته وابنها، ووقفت إلى جواره كأى زوجة مخلصة لزوجها، ولم أترك بابا إلا وطرقته لاعيد له حريته. وأضافت أنه أثناء لهثى للبحث عن طريقة انقذه بها من سجنه، أكتشفت أن هذه ليست امرأته الوحيدة كما ادعى ولكنها الرابعة ناهيك عن زيجاته العرفية". تضم الزوجة الأربعينية قبضتها إلى صدرها المثقل بالهموم وتغمض عينيها الممتلئتين بالدموع وهى تقول: "اعترف أن المفاجأة كسرتنى، ولكنى لم اقوى على فعل شيء سوى الصمت وكتمان غضبى بين ضلوعى، فمثلى ليس لها حق الإعتراض، كما أننى خفت أن أحظى بلقب مطلقة، وللأسف دفعت ثمن خوفى هذا غاليا، تبدل حال زوجى بعد خروجه من السجن، أهمل عمله، وبات ينام نهاره ويقضى ليله فى سحب الأنفاس والسكر والقمار، زادت علينا الديون، فاضطررت للبحث عن عمل أسد به جوعنا وديوننا. وأشارت إلى أنها التحقت بالفعل بالعمل فى أحد المصانع، وأصبحت أنا رجل البيت، واكتفى رجلى بالإستيلاء على مالى، وطردنا من البيت بسبب سمعته واستهتاره، ورفقا بحالى منحنى والدى شقة فى منزله، وياليته حفظ معروفه وصان ابنته، بل بات يضربها على اتفه سبب، وأحيانا كان يوجه لها الصفعات واللكمات والركلات وينهال على جسدها بدون سبب بكل بجاحة وفى بيته الذى أواه فيه ، ومع تكرر وقائع الضرب وتعدد الإصابات والتشوهات مابين فتح بالرأس، وجرح غائر فى الجبهة، وكسر فى الضلوع طلبت الطلاق. تنهمر الدموع من عيون الزوجة الأربعينية وهى تقول: "ترك البيت لكنه عاد بعد فترة مبديا ندمه على ما ارتكبه فى حقى من آثام، وبعد تعهداته بحسن معاملتى ومعاشرتى عدت إليه رغم اعتراض أهلى الذين اشترطوا أن أترك منزل والدى اذا رجعت إليه، وانتقلت للعيش معه هذه المرة فى غرفة صغيرة قابعة بمنطقة نائية تشتهر بتجارة المخدرات، أثاثها متهالك، تغمرها مياه الصرف، ذقت فيها المرار والقهر على مدار 28 يوما، وتحولت لشخصية عنيفة، لدرجة اننى أصبحت اضربه كما يضربنى، وفى إحدى المرات كدت أن اقتله بالسكين لولا ستر الله، ففى لحظات عراكنا كانت تنتابنى نوبات هياج ولا اشعر ماذا افعل". تمسح الزوجة البائسة دموعها بأطراف أكمامها وهى تختتم روايتها: "حينها أيقنت أن استمرارى مع هذا الشخص يعنى انتهاء المطاف بى إما فى زنزانة أو غرفة معتمة بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية، أو سانتحر.. وأنا مش عايزة أموت كافرة.. فتركت له البيت خاصة أنه بات يتهمنى بمضاجعة الرجال لأننى امتنعت عن معاشرته تماما بسبب معاملته القاسية التى أسكنت كراهيته فى صدرى، وأقمت قضية طلاق للضرر لكنها رفضت بسبب شهادة الشهود، فلم أجد امامى سبيلا سوى الخلع لانهى به هذا الكابوس سريعا.. وأنا على استعداد أن أدفع حياتى ثمنا للخلاص من ذلك الرجل الذى لايعاشر، وأحمد الله أننى لم ارزق بطفل منه