لم يكن شخصا عاديا أو ملكا متوجا , بل كان أسيرا لقلوب شعبه, أحبوه بل إنهم لقبوه بالملك الحنون و"الأب الرحمة", كانت له أياد بيضاء كثيرة ليس على شعبه فحسب, بل على العديد من شعوب ودول العالم الثالث، فقد ساهم فى إجراء جراحات فصل للتوأم الملتصق لكثير من الأطفال دون أن يشترط جنسياتهم أو دياناتهم , وبذل الكثير والكثير فى سبيل رفعة شأن وطنه, رحل بجسده لكن أعماله لاتزال خالدة تتحدث عنه, ومعها رصيد كبير من الحب له داخل قلوب شعبه, رحم الله الملك عبد الله بن عبد العزيز العاهل السعودى وخادم الحرمين الشريفين السابق رحمة واسعة ... محمد هجرس: لولا حائط الصد السعودى لكان لمصر شأن آخر بعد 30يونيو أكد الصحفى والمحلل السياسى فى الشئون السعودية ومسئول التحرير بجريدة اليوم السعودية محمد هجرس أن الحديث عن المواقف المشرفة لفقيد العروبة والإسلام، الملك عبد الله بن عبد العزيز، طويل ومجهد، ووقفته الشجاعة مع مصر، وإرادة شعبها بعد ثورة 30 يونيو وحدها كفيلة، بإبراز الملامح العروبية للراحل الكبير.. وأضاف هجرس أننا لن ننسى كمصريين، تصديه الصلب للضغوط الدولية فى هذه المرحلة الحرجة التى تكالبت فيها الأمم على مصر، ولن ننسى دعمه الهائل دبلوماسيا وسياسيا ومعنوياً ومادياً، فى مواجهة الضغوط الغربية، وأستطيع أن أقول إنه لولا حائط الصد السعودي، لكان للوضع فى مصر شأن آخر. نجدة الإرادة المصرية كذلك عندما أصدر أوامره بإرسال وزير خارجيته سعود الفيصل إلى باريس، وإقناع القيادة الفرنسية بالتحولات المصرية، كان هذا بمثابة نجدة مبكرة للإرادة المصرية، كما أن تدخله المباشر مع الإدارة الأمريكية، واستخدام النفوذ السعودي، لدى عواصم غربية ساهم كثيراً فى مزيد من التفهم للإرادة الشعبية المصرية بشكل واضح.. كذلك إعلانه المباشر والصريح وقوف بلاده قيادة وشعباً مع مصر، واقتسام اللقمة معها، كانت استمراراً لسلسلة من المواقف السعودية الرائدة مع مصر، منذ أيام الملك المؤسس، الملك عبد العزيز الذى أوصى أبناءه بمصر.. وأردف هجرس قائلا ليس هذا فقط، لكن مواقفه الحكيمة نجحت فى نزع فتيل أزمات عربية كثيرة، منها مبادرة المصالحة بين قطر وبعض دول الخليج، كذا بين قطر ومصر، وتدخله المباشر لإعادة قطر إلى القاطرة الخليجية الملتزمة بالرؤية الموحدة، وهنا نستذكر أيضا مبادرته للسلام والتى عرقلتها إسرائيل بتعنتها وصلفها.. كذا دعمه الواضح للقضية الفلسطينية، وجمع القوى الفلسطينية للتصالح، إضافة إلى المبادرة الخليجية بشأن الوضع باليمن، وغيرها. المواجهة الحازمة للإرهاب وتابع: كما أن الفقيد الكبير، استطاع بكل جدارة، إحداث أكبر تغيير فى المجتمع السعودي، سواء من حيث الانفتاح المنضبط، ورعايته للشرائح الأكثر احتياجاً، عبر رصد الميزانيات القياسية تاريخياً لتحديث البنية التحتية السعودية. أما التغيير الأكبر، كان فى نظرته للمرأة ودعمها، وكان قراره بتعيين قرابة 33 سيدة فى مجلس الشورى، هو الأعمق تأثيراً، بحيث فاق عدد النساء فى المجلس، أى عدد فى أى برلمان عربى آخر، إضافة إلى ما قام به من أضخم حركة ابتعاث علمية فى التاريخ المعاصر، عبر برنامجه الإستراتيجي، الذى أتاح لقرابة 250 ألف سعودى (بعد أن كان العدد لا يتجاوز 10 آلاف)، أن ينتشروا فى كافة عواصم العالم طلباً لأرفع البرامج العلمية، على حساب الدولة.. واستطاع بشكل جاد إنهاء مظاهر التصنيف والاستعلاء، والتأكيد على المواطنة، وإعلاء أسس الدولة السعودية وفق معايير المساواة والانضباط وسيادة التراب الوطني.. العنصر الأهم، كان مواجهته الحازمة للإرهاب الذى استشرى فى مرحلة حرجة، حيث بدت السعودية وحدها تقود الحرب على الفكر التكفيري، وبدأ أكبر حملة مراجعة تصحيحية للفكر، رافضاً بحزم، التصنيف الفكرى أو العقائدى أو الطائفي، بالتزامن مع حملة سعودية ضخمة لإقناع العالم بالمشاركة، وأنشأ مركز الملك عبد الله الدولى لمكافحة الإرهاب، كما تحمل بشجاعة مسئولية تصحيح صورة الإسلام فى الخارج، وإبراز سماحته، عبر رعايته المباشرة لحوار الأديان والحضارات والثقافات، رافضاً الانغلاق والعزلة واستعداء الآخر، خاصة بعد الموجة العنيفة من الانتقادات التى تعرضت لها بلاده عقب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية. أما عن المواقف الإنسانية للراحل فمتعددة، أهمها مشاركته الواضحة فى كل القضايا الإنسانية الاجتماعية محلياً وخارجياً، ولا ينسى له السعوديون، أنه عندما كان ولياً للعهد قام بزيارة للأحياء الفقيرة فى الرياض، وكانت حدثاً كبيرا هز وجدان المجتمع السعودي، وكانت لقاءاته بالمحتاجين فى منازلهم، دون أية ترتيبات، كشفاً للمستور السعودي، الذى بدا وكأن كثيرين يريدون إخفاءه، ولكنه وضع يده على الجرح الداخلى بصراحة وأنشأ صندوقاً لمواجهة الفقر. لقاءاته مع البسطاء، كان سمة من شخصيته الفريدة، وتبرعاته الكبيرة للمشاريع الإنسانية، باتت دليلاً واضحاً على اقترابه من الهم الشعبي، ليس هذا فقط، لكن تبنيه عمليات مجانية لفصل التوائم من كافة أنحاء العالم، بغض النظر عن جنسياتهم أو دينهم أو لونهم، كشف الجانب الإنسانى لهذا الرمز الكبير. ولا ننسى أيضاً برنامجه لاستضافة آلاف الحجاج من غير القادرين على نفقته الشخصية، وغيرها من المآثر الشخصية التى حفرت حبه وبقاءه فى قلوب الكثيرين حول العالم.. اللواء محمد الغباشى: الملك الراحل حجز لنفسه مكانة خاصة فى قلوب المصريين أكد اللواء محمد الغباشى المحلل الإستراتيجي، أن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان خسارة كبيرة ليس للمملكة العربية السعودية فقط ، وإنما للأمة العربية بأسرها، مؤكدا أن للملك الراحل مكانة خاصة فى قلوب المصريين اكتسبها بمواقفه الشجاعة ومواقف بلاده التاريخية مع مصر. وأشار الغباشى إلى أن مواقف الملك الراحل عبد الله، جاءت امتدادا لموقف الراحل الملك فيصل فى حرب أكتوبر 73 ، عندما اتخذ موقفه التاريخى بوقف إمدادات النفط إلى الدول الأوروبية التى كانت تساند إسرائيل، وأعطى العالم كله مثلا حيا على أن الدول العربية يمكنها صناعة التاريخ، مشيرا إلى دعوة الملك عبد الله للعرب فى أعقاب ثورة 30 يونيو، للوقوف معاً ضد محاولات زعزعة أمن مصر، وضد كل من يحاول هدم دولة لها تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء على حد وصفه فى ذلك الوقت. وقال الغباشى إن العاهل الراحل، أصدر قرارًا تاريخيًا وأعلن جماعة الإخوان جماعة إرهابية ووضعها على قائمة الإرهاب، وقامت المملكة أيضًا بتجريم شعار "رابعة"، مشيرا إلى أن الملك عبد الله كان أول المهنئين للشعب المصرى وللرئيس عبد الفتاح السيسى، عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية. وأضاف: كما أرسل ولى العهد السعودى الأمير سلمان بن عبد العزيز فى حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى، واعتبر يوم انتخاب السيسى يومًا تاريخيًا ومرحلة جديدة من مسيرة مصر الإسلام والعروبة، بل وسارع إلى الدعوة لعقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها فى تجاوز أزمتها الاقتصادية. وعن مواقفه العربية قال الغباشي، أعلن الملك الراحل فى نوفمبر 2014 اتفاق الرياض التكميلى، الذى يهدف إلى وضع إطار لوحدة الصف والتوافق بين الأشقاء العرب، لمواجهة التحديات التى تهدد الأمة العربية والإسلامية، مشيرا إلى تأكيد العاهل الراحل وقتها أن قادة السعودية والإماراتوقطر والبحرين والكويت يقفون إلى جانب مصر، ويتطلعون إلى بدء مرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء. وأضاف: وكان للمملكة بقيادة العاهل الراحل فى لبنان دور تاريخي، بعد أن استمرت الحرب فيها لسنوات طويلة، فقد دعت الأطراف المتنازعة وممثل جامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمى وتوصلوا لاتفاق الطائف، الذى يعتبر سببا رئيسيا لوقف القتال فى ذلك الوقت والهدوء الذى استمر لسنوات طويلة. الشيخ إسلام النواوى : خدمة الحرمين الشريفين اختيار ربانى قال الشيخ إسلام النواوى - إمام وخطيب بالادارة العامة لشئون الدعوة بوزارة الأوقاف- إن المملكة العربية السعودية بها أشرف وأطهر بيوت الله وأن الله هو الذى ينتقى من يخدم هذا البيت الشريف, لذلك كان الملك عبد الله اختيارا ربانيا لهذا الإنسان ليكسبه مكانة خدمة بيت الله الأشرف, فحينما تعرضت الكعبة للهجوم من أبرهة الأشرم, كان جد النبي يدرك فى ذلك الوقت أن للكعبة رب يحميها, واختيار الله لمن يخدم الكعبة امتدادا لحمايته لبيته الطاهر الشريف. فخدمة الحرم ليست جديدة ولكنها قديمة قدم الأزل, ومن يتم اختياره لخدمة بيته- حتى ولو علق بقلبه شيئا يتم تطهيره مما علق به ليكون جديرا بمكانة خدمة البيت. وأضاف النواوى أن الملك عبد الله من الأشخاص الذين يتميزون بطيبة القلب, لذلك أطلق عليه شعبه الملك الأب الحنون أو الملك الرحمة, ومن أهم أقواله: "الملك لله, يكفى أننى خادم للحرمين". وأكد النواوى أن الملك عبد الله كان يتصرف كأنه مسئول عن الأمة الإسلامية وليس السعودية فقط, كما ساهم الملك عبد الله فى الانتقال بالمجتمع السعودى من حياة البداوة السعودية لينفتح على العالم, مستشهدا بنعى الأمين العام للأمم المتحدة للملك عبد الله الذي قال: "لم ننس إسهامات الملك فى مناقشات حوار الأديان". وأشار إلى أن الله تعالى اختص رئيسا وملكا بحماية الدين فالسعودية لأن بها قبلة الرب ومصر لأنها فيها قبلة العلم"الأزهر" ومن هنا صار على ملك السعودية ورئيس مصر فى أى وقت مسئولية نشر الدين وحمايته. وأضاف أن الله قذف محبة الملك عبدالله فى قلوب شعبه, فشهدنا جميعا استقرار الأوضاع فى المملكة العربية السعودية حيث لم تحدث ثورة أو قلاقل أو فتن فى الأراضى السعودية على مدار سنوات حكمه, وأكبر دليل أن الملك عبد الله كان يسير فى اتجاه صحيح أنه توفى ليلة جمعة وهذه إشارة لحسن الخاتمة كما أنه توفى فى الثلث الأخير من الليل وهذا الوقت لا ترد فيه الدعوات فكل من رفعت يده للسماء فى ذلك الوقت بالتحديد لا ترد دعوته. وتابع أن الملك عبد الله كان دائما يسعى إلى أن تكون الدولة منافسة على جميع الأصعدة ورغم أنه أولى اهتماما بالإسلام إلا أنه علم جيدا أن العلم هو العمود الآخر من التنافس على جميع المستويات وعلى جميع الأصعدة. كما أن توليه العهد وتسليم الحكم بهذا الهدوء لهو من الأمور الجيدة وتأمين للشعب حتى لا تحدث فتن أو منازعات فى البلاد فالتسليم الآمن للسلطة من الأمور الجيدة التى تحسب له ولجميع أمراء السعودية. وعن العلاقات المصرية السعودية قال إنها دائما وأبدا فى أوج قمتها حتى عندما قبل الرئيس السيسى رأس الملك عبد الله، لم يكن للأمر مردودا سياسيا لكن مردودها إنسانى أخوى أكثر منه سياسي. ونهاية يحسب للملك عبد الله أنه استطاع أن يجمع أكثر من طائفة دينية مختلفة فى بلد واحد وإن دل على شىء هذا إنما يدل على سماحة الإسلام وثقافة الحوار التى تعتبر جزءا هاما وضروريا من سماحة الإسلام . اللواء فؤاد عرفة: مواقف الملك عبد الله أكدت أن معدنه لا يقدر بثمن أكد اللواء فؤاد عرفة المتحدث الرسمي باسم حزب حماة الوطن، إن وفاة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، تمثل خسارة كبيرة للأمتين العربية والإسلامية علي حد سواء، لمواقفه التاريخية الواضحة، في العديد من القضايا المصيرية للأمتين. وأشار عرفة إلي أن الملك الراحل كان يحظي بمكانة خاصة لدي كل مصري، وتحديدا بعد بيانه الشهير في يوم الجمعة 16 أغسطس 2013، الذي فاجأ فيه العالم برسالة بثها التليفزيون السعودى، حملت أقوى رسالة تأييد من جانبه لمصر بعد ثورة 30 يونيو، كما كانت تهديدا لكل من يقف ضد إرادة الشعب المصرى الذى ثار ضد الإرهاب، وأكد الراحل، وقوف بلاده حكومة وشعبا مع مصر ضد الإرهاب وأن كل من يتدخل فى شئون مصر الداخلية يوقد نار الفتنة. وأضاف اللواء عرفة: المواقف هي التي تكشف معادن الرجال، ومواقف الملك الراحل أكدت أن معدنه كان لا يقدر بثمن، فقد وافق عقب ثورة 30 يونيو، وبعد أقل من شهر من عزل "مرسي" على تقديم حزمة مساعدات لمصر بخمسة مليارات دولار، تشمل مليارين على شكل وديعة نقدية بالبنك المركزى المصرى، ومليارين آخرين على شكل منتجات نفطية وغاز، ومليارًا خامسًا يقدم نقدًا بأمر ملكى منه، لمساندة مصر في تجاوز محنتها . وأشار المتحدث الرسمي ل"حماة الوطن"، إلي أن المواقف البطولية للعاهل السعودى الراحل فى الوقوف إلى جانب مصر لا تنتهي، وسيظل المصريون يتذكرونه كرجل عظيم، متسائلا: كيف سينسي المصريون، وقوف العاهل الراحل بقوة ضد قطر وموقفها الداعم لجماعة الإخوان، وإعلامها الذى كان يبث الفتن والأكاذيب ضد مصر، وفى خطوة لم تحدث من قبل أعلنت السعودية ومعها الإمارات والبحرين فى بداية العام الماضي، وقبل انتخابات الرئاسة المصرية بشهور، سحب سفرائها من الدوحة بعد تدخلها فى الشأن المصري، ووصفها لثورة يونيو بالانقلاب، وكانت تلك الخطوة غير المسبوقة ضد ما تقوم به قطر من محاولات لتهديد استقرار مصر.. وأخيرا، أكد اللواء فؤاد عرفة ثقته في قيادة المملكة العربية السعودية الجديدة ممثلة في الملك سلمان بن عبد العزيز، لاستكمال دور الرياض التاريخي والإستراتيجي في دعم استقرار المنطقة، والحفاظ علي مقدراتها وخيارات شعوبها .