"سبحان الله المغير من حال إلي حال"، كان هذا رد فعل معظم من استمعوا إلي خبر اعتزال الفنانة الراحلة مديحة كامل وارتدائها للحجاب؛ وأصبح السؤال المحير للجميع كيف تتحول من نجمة الإغراء الأولى في مصر إلي سيدة لا تفارق سجادة الصلاة، من أين أتى وجهها بكل هذه السماحة والورع والإيمان، ولكن الإجابة تتلخص في قوله تعالى، "ورحمتي وسعت كل شيء". كأس الجمهورية ظهرت الموهبة علي الفنانة مديحة كامل في مرحلة مبكرة من عمرها، ولم تكن من الطالبات المتفوقات في الدراسة، لكنها تحصل على درجات عالية في الألعاب الرياضية والتمثيل، وفي المرحلة الإعدادية تم اختيارها في إحدى الحفلات المدرسية للقيام بدور رابعة العدوية فأجادت الدور وحصلت علي كأس الجمهورية لأحسن ممثلة مدرسية. عارضة أزياء البداية الفعلية لمديحة كانت خلال فترة دراستها بالمرحلة الثانوية؛ حيث جاءت فرصتها عندما شاركت في مسابقة لاختيار عارضات الأزياء، ونجحت في هذه المسابقة ومن هنا بدأ مشوارها الفني. بداية الشهرة التقت بالمخرج أحمد ضياء الدين؛ فعرض عليها التمثيل في أحد أفلامه، إلا أن أسرتها رفضت، فوافقت علي الزواج من شخص يكبرها سناً لأنه سيوافق على مبدأ اشتراكها في الأعمال الفنية والتمثيل، وأنجبت ابنتها الوحيدة "ميرهان"، كما حصلت على شهادة الثانوية العامة، وأيضا شاركت في فيلم عن قصة "كريستين كيلر" مع الفنانة شويكار والفنان رشدي أباظة عام 1963 وكان ذلك بداية شهرتها. أحسن ممثلة شاركت مديحة كامل في بطولة ما يقرب من 75 فيلما، من أهمها فيلم "الصعود إلى الهاوية" المأخوذ عن قصة الجاسوسة المصرية "هبة سليم" عام 1977 من إخراج كمال الشيخ، وقد نالت عنه جوائز عديدة. حصلت علي جائزة أحسن ممثلة عن فيلم "بريق عينيك"، وعرفها جمهور التليفزيون من خلال دورها في الفيلم التليفزيوني "الأفعى" ولقت عن هذا الدور شهرة واسعة. قرار الاعتزال قررت مديحة كامل الاعتزال عام 1992، أثناء تصويرها لفيلم "بوابة إبليس" مع المخرج عادل الأعصر، ما اضطر المخرج إلى الاستعانة بدوبليرة لاستكمال مشاهد مديحة كامل. جاء هذا القرار بعد رؤيتها لشخص في المنام يتقدم إليها ويلبسها رداء أبيض فضفاضا وينظر إليها بحنان ويهمس لها: "لقد آن الأوان يا مديحة". سر التوبة لكن هل كنت هذه الرؤية هي السبب الوحيد وراء قرار توبة مديحة، تروي ابنتها "ميرهان" قصة توبة والدتها؛ فتقول: "علي الرغم من أن أمي كانت تلاطفني وتداعبني في فترات وجودها القليلة بالمنزل إلا أنني كنت أشعر بين أحضانها أنني بين أحضان امرأة غريبة عني، حتى رائحتها كانت مزيجا من رائحة العطور والسجائر ورائحة أخرى غريبة علمت فيما بعد أنها رائحة الخمر". تحكي الابنة عن ثورتها علي أمها بعد أن رأت آخر آفلام أمها الذي حوى قدراً كبيراً من مشاهد الشذوذ الجنسي، فذهبت لتصلي في أحد المساجد وتدعو الله، وأحست أن الله استجاب دعاءها وعندما عادت إلى منزل أمها قبلت يدها، وفي ذلك الوقت أحست أن أمها قد تغيرت، وأن قلبها بدأ يلين لنور الإيمان. ثم دعتها الابنة لمجلس علم في منزل إحدى الفنانات المعتزلات، وطلبت من ابنتها أن تصلي بها، وعندما قرأت القرآن في الصلاة، بدأت مديحة في البكاء. النهاية تحققت أمنية مديحة كامل عام 1997، ورحلت عن عالمنا وهي نائمة في فراشها بعد أن تناولت السحور وصلت الفجر، ونظرت تتأمل اللوحة التي أمامها وكتب فيها "ورحمتي وسعت كل شيء".