نشأ تنظيم داعش فى سجون العراق تحت سمع وبصر القوات الأمريكية، هذا ما كشف عنه تقرير حصرى لصحيفة جارديان البريطانية، اعتمد بوجه أساسى على مقابلة أجرتها الصحيفة الشهر الماضى مع شخص يدعى أبوأحمد (اسم مستعار) وصفته، بأنه من كبار قادة التنظيم، بعد مفاوضات استمرت أكثر من عامين لإجراء تلك المقابلة. وخلال التقرير، الذى أعده الصحفى مارتن جولوف، يروى أبوأحمد قصة اعتقاله فى صيف عام 2004، وإيداعه سجن معسكر «بوكا»، الذى يديره مسؤولون أمريكيون، فى جنوبالعراق، إذ التقى هناك بالعديد من رفقائه الحاليين فى التنظيم على رأسهم أبوبكر البغدادى (زعيم داعش)، وأصبح عضوا أساسيا فى النواة الأولى ل«داعش»، مما أهله لتبؤ مكانة رفيعة داخله إلى الآن. وكشف أبوأحمد عن العديد من الجوانب المتعلقة بشخصية البغدادى من خلال معايشته له فى السجن، حيث قال إن خليفة داعش «غامض ومعزول»، وهى رؤية تغاير ما ذهب إليه سجناء آخرون، قائلين إن «البغدادى شخصية اجتماعية» ووفقا لأبوأحمد ورجلين آخرين سجنا فى «بوكا» عام 2004، استعان الأمريكيون بالبغدادى أثناء سجنه فى بوكا للتدخل والتوسط لتهدئة التوترات بين المجموعات المتنازعة داخل السجن والحفاظ على هدوء المعسكر». ونقلت الصحيفة عن أبوأحمد قوله: «إنه أراد أن يكون مدير السجن، وعندما أتمعن فى الماضى الآن، يبدو لى أنه كان يستخدم سياسة فرق تسد للحصول على ما يريد...». وأضاف: «كان يحظى باحترام كبير جدا من قبل الجيش الأمريكى، وإذا أراد أن يزور سجناء فى معسكر آخر، كان بوسعه ذلك، فى حين كان يتعذر علينا». أبوأحمد قال إن البغدادى وضع استراتيجية بناء تنظيم «الدولة الإسلامية» أثناء تنقله بين السجون، وأضاف فى هذا الصدد: «لو لم يكن هناك سجن أمريكى فى العراق، ما كان هناك داعش الآن»، متابعا: «كان معتقل بوكا مصنعا، هيأنا جميعا وصاغ منهجنا». وأكد أبوأحمد، فى حواره، أن الجماعة التى كان يقودها البغدادى وقت اعتقاله فى بوكا كانت غير معروفة بل إنه «كان أقل بكثير من أن يبرز كزعيم»، مشيرا إلى أن وسيلته الفريدة لتمييز نفسه عن غيره من القادة «ادعاؤه النسب القرشى وحصوله أيضا على درجة الدكتوراه فى الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية فى بغداد»، مضيفا أن زعيم داعش «اعتمد على كلا الأمرين لإضفاء الشرعية على إعلانه كخليفة للعالم الإسلامى فى يوليو 2014». ومضى قائلا: «أفرج عن البغدادى من السجن فى ديسمبر من عام 2004، بعد أن رأى سجانوه أنه لا يشكل أى خطر فى المستقبل». وبعد ذلك بوقت قصير، التحق أبوأحمد به للعمل مع المقاومة، التى تحولت من معركة ضد جيش الاحتلال (الأمريكى) إلى حرب شرسة ضد الشيعة العراقيين، بحسب تقرير الصحيفة. أبوأحمد قال أيضا إن أعضاء النواة الأولى للتنظيم كانوا يسجلون أرقامهم ووسائل التواصل معهم، على ملابسهم الداخلية، حتى لا يكتشفها المسئولون عن السجن، ويستفيدون من هذه المعلومات فى التجمع بعد الخروج من المعتقل، وعلق مازحا: «الملابس الداخلية سمحت لنا بكسب الحرب». وعن قصة صعود البغدادى، أشار أبوأحمد إلى أنها بدأت مع تمكن الولاياتالمتحدة بمساعدة من المخابرات الأردنية من التخلص من أبومصعب الزرقاوى (زعيم القاعدة فى العراق السابق)، فى غارة جوية شمال بغداد فى أواخر عام 2006. ومع تقلص وجود القاعدة فى العراق استغلت داعش تلك الفرصة لتتطور، فسنوات الهدوء النسبى بين عامى 2008 و2011 تمثل فترة هدوء وليست هزيمة، على حد تعبير أبوأحمد. وأوضح أبوأحمد «فى فترة الهدوء أصبح أبوبكر البغدادى مساعدا موثوقا به لزعيم المجموعة أبوعمر البغدادى ونائبه، الجهادى المصرى أبوأيوب المصرى، اللذين فجرا نفسيهما بأحزمة ناسفة انتحارية لتجنب إلقاء القبض عليهما فى مارس 2010». وتابع: «فى هذا الوقت بالذات، اقتربت داعش من فلول البعث من النظام القديم؛ المعارضين للاحتلال والحكومة الشيعية، والذين فقدوا كل شىء عندما أطيح بصدام حسين (فى 2003)، مستندين لقاعدة: عدو عدوى صديقى». وخلال المقابلة، أعرب أبوأحمد عن قلقه العميق إزاء رؤية «داعش» للمنطقة، فى ظل انتشار الاضطرابات وسفك الدماء على يد «إخوة المنهج»، موضحا: «الحياة مع داعش تعنى السلطة والمال والزوجات والمكانة، وكل هذا يغرى الشباب، ولكن تعنى أيضا المزيد من القتل والهيمنة». وأضاف: «أكبر خطأ ارتكبته هو الانضمام إليهم، لكن ترك الجماعة يعنى أننى وعائلتى سنقتل». واعترف أبو أحمد بأن الأمور الآن أصبحت أكبر من الجميع، ولا يمكن ايقافها، قائلا إن «الأوضاع خرجت عن سيطرتنا جميعا، حتى من البغدادى نفسه أو أى شخص آخر فى دائرته الضيقة