- القبائل تدفع الملايين لشراء السلاح.. والاشتباكات تتجدد مع غياب الشرطة - الانتخابات البرلمانية تزيد الاحتقان.. والعائلات ترى «المقعد» رمزًا للزعامة - أزمة «العرب» و«الهوارة» تسمم أجواء دشنا.. والرعب يجبر طلاب 10 مدارس على الغياب - المصالح تسهل تدفق السلاح والذخيرة.. والجرينوف «يدخل الخدمة» - بدران: البطالة كرست سطوة القبيلة على أبنائها.. و60% من عمليات الثأر ينفذها خريجو الجامعات جاءت الاشتباكات المسلحة التى شهدها مركز دشنا بمحافظة قنا، خلال الأيام الماضية، بين قبيلتى «العرب والهوارة» وأدت لمقتل اثنين من القبيلتين، بعد خلافات على ملكية قطعة أرض مملوكة للدولة، لتكشف حجم الصراع على النفوذ فى الصعيد، لا سيما مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، التى يرى كثير من العائلات الفوز بها سببا من أسباب الزعامة والقيادة. حاولت «الشروق» رصد المسكوت عنه فى صراع القبائل فى الصعيد، وتحديدا فى محافظة قنا التى تسيطر عليها ثلاث قبائل هى «العرب والأشراف والهوارة»، بحثنا عن المستفيدين من أحداث الفتن القبلية وتأجيجها بين العائلات والقبائل، خاصة مع تزايد مفهوم «القبيلة والقبلية» التى أصبحت سلطة موازية للدولة فى أحكامها وأعرافها وحتى فى أوقات النزاعات والاشتباكات يصبح الدفاع عن القبيلة بمثابة الدفاع عن الشرف وعن هيبة وزعامة القبيلة التى تحولت مع مرور الزمن إلى بديل عن الدولة فى حماية أفرادها ورعايتهم. لم يكن غريبا أن يلجأ أفراد كل قبيلة إلى شراء أسلحة وذخائر يتعدى ثمنها 3 ملايين جنيه فى مشكلة عائلتى «حسن والطويل» بدشنا و12 مليون جنيه فى صراع «العتامين والحمامدة» و5 ملايين جنيه فى مشكلة الأشراف والحميدات والملايين الأخرى فى مشكلات عائلات أبوتشت بالإضافة إلى المشكلات الثأرية بين عائلات القبيلة الواحدة. فوسط أجواء من التوتر فى قرى مركز دشنا، وكثرة الرباطات «أكمنة أهلية مسلحة» التى تقيمها مجموعات من الأهالى داخل القرى، لحراسة مداخلها ومخارجها من أى هجوم أو تعد، يسود الهدوء الحذر بين العائلات ولكن الجميع فى حالة تأهب، فساعات السكون والهدوء لا تدوم طويلا، ففجأة تتعالى أصوات الرصاص بكثافة من أحد الجانبين ليرد الطرف الآخر بعدد أكبر من الطلقات، فتنطلق صفارة الإنذار وتتوجه قوات الشرطة بسرعة ناحية مكان الاشتباك، ومصدر الإطلاق، وتحاصره بعدد كبير من المدرعات والسيارات المصفحة، ليهدأ الحال لساعات، ثم يعود للانفجار بمجرد انصراف قوات الأمن. عدد من المواطنين بقرى دشنا قالوا ل«الشروق» إنه فور بدء الاشتباكات بين عائلتى حسن والطويل التى تحولت من مشكلة بين عائلتين إلى أزمة بين قبيلتى العرب والهوارة أخرجت كل قبيلة سلاحها وتم شراء كميات جديدة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والجرينوفات والذخائر يتعدى ثمنها أكثر من 3 ملايين جنيه. وأضاف المواطنون أن المشكلة تفاقمت بين القبيلتين نتيجة صراعات ونزاعات قديمة، فكلاهما يبحث عن الزعامة والقوة على حساب الآخر، وحينما تجددت الاشتباكات الأخيرة بين القبيلتين كان يعود الهدوء بتواجد الشرطة، وينتهى بغيابها. أزمة العرب والهوارة بمدينة دشنا، ألقت بظلالها على قرى أبو مناع والميات ونجع عبدالقادر وهى القرى التى تسكنها عائلات القبيلتين، ومازالت المحال التجارية مؤصدة الأبواب، فيما تخلو الشوارع من المارة إلا قليلا، وشهدت أكثر من 10 مدارس غياب الطلاب والمدرسين بشكل كامل، وارتفعت أسعار السلع والخضراوات إلى الضعف نتيجة توقف حركة السيارات، بينما خلت الطرقات السريعة من المارة إلا من قوات الشرطة التى تواجدت بكثافة كبيرة بعد الدفع بأكثر من 6 تشكيلات أمنية، لمحاولة السيطرة على الموقف بين القبيلتين وإعادة الهدوء وتشكيل لجان عرفية من حكماء وكبار العائلات لمحاولة الصلح. توهج المشكلات القبلية والخصومات الثأرية جاء نتيجة التهميش الذى عاناه الصعيد من قبل الدولة على مدى عقود طويلة من نقص الخدمات وقلة فرص العمل وغياب التنمية، أدى إلى أن القبيلة أصبحت بديلا عن الدولة، فهى تعطى الحماية لأفرادها وتحميهم وترعاهم. وأوضحت مصادر قبلية، أن الفرد يدفع كل ما يملكه من أموال للدفاع عن قبيلته، ولذلك لم يكن غريبا أن يشترى أهالى القرى بدشنا أسلحة وذخائر تتعدى 12 مليون جنيه بعد نشوب مشاجرة بين عائلتين من العرب والهوارة عقب ثورة يناير. وقال خالد حسين، من أهالى دشنا، إن انتشار الأسلحة التى يتدخل فيها أصحاب النفوذ فى أحيان كثيرة ويتاجرون فيها، تنتشر كثيرا بداخل المحافظة، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية وزيادة الفقر وانتشار زراعات القصب التى تستخدم ككمائن لإطلاق الأعيرة النارية وسهولة الهرب من خلالها أثناء المشكلات، فالبحث عن النفوذ لدى كل قبيلة يرتكز على شراء مساحات واسعة من الأراضى وتوسيع زمامها ناهيك عن حيازة الأسلحة النارية الثقيلة والخفيفة التى تعد أبرز مظاهر القوة وتسعى كل قبيلة لتحقيقهما من أجل الحفاظ على هيبتها وزعامتها. حالة الاحتقان المستمرة بين قبائل «العرب والأشراف والهوارة» تشتعل دائما قبل بداية موسم الانتخابات البرلمانية، بين القبائل وبعضها من ناحية والعائلات وبعضها بداخل كل قبيلة من ناحية أخرى، فالمقعد النيابى يعد رمزا لزعامة كل قبيلة، بغض النظر عن إمكانيات وثقافة المرشح ذاته، ولذلك وقعت الكثير من النزاعات القبلية فى فترات الانتخابات وتسببت فى مقتل العشرات فى نجع حمادى ودشنا وقنا وقوص، ليس من أجل مصلحة شخصية، وإنما دفاعا عن مقعد البرلمان الذى تحتفظ به عائلات على مدى سنوات طويلة. وأوضح محمد الجبلاوى، القيادى بقبلية العرب، أن بعض القيادات القبلية تعزف على وتر القبلية وتأجيج المشكلات من أجل الاستفادة منها وحشد أكبر عدد من الأصوات بعد حدوث حالة من الاستنفار داخل القبيلة، كأنه «الأسد الذى يغير على قبيلته» وبالتالى يخرج كل قبيلته للتصويت لصالحه. وأضاف الجبلاوى، الأسلحة منتشرة بكميات كبيرة فى صعيد مصر، وخاصة محافظة قنا، وفى حالة انفجار أى نزاع قبلى سوف يؤدى إلى كارثة قبلية وبشرية يصعب السيطرة عليها، ويجب التنبه لذلك جيدا والعمل على القضاء على البؤر الإجرامية المعروفة ببيع الأسلحة والذخائر، والمنافذ التى تدخل منها والدروب الصحراوية التى تتهرب منها للقرى المحافظة. أما محمد حسن العجل، القيادى بقبيلة الأشراف، فقال إن غالبية المشكلات تبدأ بين أشخاص يسعون إلى كسب تأييد شعبى، لذلك لابد أن يكون للجهاز الأمنى دور فاعل بشن حملات مكثفة وسحب الأسلحة غير المرخصة. وأضاف العجل، أن هناك عناصر من مصلحتها تأجيج المشكلات القبلية حتى تصبح تجارة السلاح رائجة لتحقيق مكاسب مادية، وأيضا هناك أصحاب مصالح سياسية أو مالية. أما أحمد مختار، النائب السابق بمجلس الشعب والقيادى بقبيلة «الهوارة»، فأكد أن معظم المشكلات القبلية الموجودة بالمحافظة سببها الأساسى الانتخابات والبحث عن زعامات من أجل كسب أصوات المواطنين، فهناك الكثير من المرشحين الذين لا يملكون شيء يقدمونه للمواطنين وليس لهم خدمات ورصيد فى الشارع، ولذلك يحاولون النفخ فى النار وتحويل المشكلات البسيطة إلى معارك. ويضيف الدكتور أبو الفضل بدران، العميد الأسبق لكلية الآداب بقنا، أن نيران القبائل والعصبيات والثأر تأتى لعدم إعمال القانون، مما يساعد القاتل على الهرب وتقتصر المجالس العرفية على إخماد القتل فى وقته، لكن بعد ذلك تقتص عائلة القتيل وتثأر له حين ترى القاتل حرا، ولذلك يحب أن يسلم القاتل للشرطة، ناهيك عن عدم وجود شهود فى معظم حالات القتل ومعظمهم يذهبون للنيابات والمحاكم ويقولون لم نر ولم نسمع ومن هنا يستمتع القاتل بحريته وحياته. وأشار بدران إلى أن وجود بعض تجار السلاح فى الصعيد يساعد فى تأجيج ظاهرة القتل والعنف لأن تجارتهم لن تلقى سوقا ولن تتواجد إلا بوجود مثل هذه الصراعات والنزاعات، هذا بالإضافة إلى أن إحدى الإحصائيات أشارت إلى أن حوالى 60% من المتهمين فى قضايا الثأر والقتل من خريجى الجامعات فى الصعيد، ومعنى ذلك أن الجامعة لم تغير من قناعات وطريقة تفكير هؤلاء، وأن المجتمع القبلى أقوى من الجامعة. ويرى بدران، أن انتشار البطالة جلعت القبيلة تفرض نفوذها على أبنائها لاسيما العاملين فى الخارج لكى يتكفلوا بالفقراء والمعوزين، ولذلك يكون ولاؤهم لمن يصرف عليهم.