يبدو أن الحلقة الأخيرة من مسلسل الفساد لم تأت بعد، فمازال المواطن المصري يعاني من نتائج إهمال الحكومات وفساد بعض العاملين بدولاب العمل الحكومي الذين لا يراعون ذمة أو ضمير، فقد تورطت هيئة السلع التموينية منذ أيام قلائل في السماح بدخول 63 ألف طن قمحا فرنسيا غير مطابق للمواصفات، بتكلفة بلغت 120 مليون جنيه. وعقب وصول الشحنة لميناء سفاجا ، شكلت الهيئة العامة للصادرات والواردات التابعة لوزارة التجارة والصناعة لجنة ثلاثية لأخذ عينات من الشحنة الواردة بالتعاون مع مأمور انتدبته مصلحة الجمارك بسفاجا، وإرسال عينة من الشحنة لمعامل القاهرة، وفوجئت اللجنة بأن شحنة القمح فاسدة وغير مطابقة للمواصفات القياسية، وأن أغلب حبات القمح بالشحنة يشوبها الضمور وذات لون أخضر الأمر الذي يؤكد انتشار الفطريات بها بعد فسادها، ومن ثم كتبت تقريراً يوم 15 نوفمبر الماضي بذلك. والغريب في الأمر أنه رغم عدم صلاحية شحنة القمح الواردة لمصر من فرنسا ، إلا أن هيئة السلع التموينية طلبت من إدارة الجمارك الإفراج عن الشحنة وتجاهل ما ورد في تقارير المعامل التي قامت بفحص الشحنة. ولم يتوقف الأمر على ذلك بل كشفت المستندات التي حصلت النهار على نسخة منها عن تورط هيئة السلع التموينية في إهدار المال العام خاصة وأنها استوردت طن القمح بسعر أعلي من سعره العالمي، إذ إن سعر طن القمح العالمي المطابق للمواصفات القياسية هو 200 دولار ، في حين استوردته مصر بسعر 227.5 دولار أي بفارق 27.5 دولار في الطن الواحد الأمر الذي يعد إهداراً للمال العام، وهذا ما كشف عنه ائتلاف «جمارك ضد الفساد». وكشف «ائتلاف جمارك ضد الفساد» أن التقرير الذي كتبته هيئة الجمارك حول الشحنة تسبب في خلق نوع من المضايقات على رجال الجمارك، كأسلوب جديد لكي يتراجعوا عن إظهار تقرير عدم صلاحية الشحنة وكتابة تقرير جديد يؤكد سلامتها وصلاحيتها للاستخدام الآدمي. ولم يتوقف الفساد عند هذا الحد بل وافقت الإدارة المركزية بالحجز الزراعي بوزارة الصحة على الشحنة وسمحت بدخولها للسوق المصري دون وضع أي اعتبارات لعدم صلاحيتها وعدم مطابقتها للمواصفات القياسية الأمر الذي يهدد حياة المواطنين الذين يعتمدون بشكل أساسي على رغيف الخبز في معيشتهم اليومية. في الوقت ذاته اتهم الدكتور نادر نور الدين، المستشار السابق لوزير التموين هيئة السلع التموينية بالمسئولية عن استيراد القمح وتحديد مواني الوصول في مصر، وكذلك اتهم وزارة التموين بإهدار المال العام للدولة ليس فقط في الفرق في سعر طن القمح المستورد عن سعره العالمي، قائلاً إن صفقة القمح الفرنسي الفاسد جاءت من فرنسا، والقمح الفرنسي يتم شحنه لمصر من ميناء مرسيليا على البحر المتوسط إلى أن يصل إلى مصر عن طريق مواني البحر المتوسط أيضا سواء في الإسكندرية أو الدخيلة أو بورسعيد أو دمياط ، إلا أنه فوجئ بوصول الصفقة إلى ميناء سفاجا وهذا الأمر يعني أن وزارة التموين تحملت رسوم عبور قناة السويس للباخرة ذهابا وإيابا وهو ما يعني مبلغ 4 ملايين جنيه في كل مرة بالإضافة إلى إيجار السفينة لمدة أسبوعين وهي المسافة التي ستقطعها من مواني البحر المتوسط إلى ميناء سفاجا ذهابا وإيابا وفترة التفريغ. أكد محمود دياب المتحدث الرسمي باسم وزارة التموين أن كل ما يتردد حول هذه الأزمة لا أساس له من الصحة ويعد كلاماً غير صحيح، قائلاً إن الهيئة العامة للجمارك تعد جهة غير مختصة على الإطلاق بفحص شحنات القمح المستوردة، حيث يتم تشكيل لجنة حكومية تضم خمسة جنيهات وهي هيئة الصادرات والواردات، والحجر الصحي والطب البيطري ووزارة الزراعة والتموين لفحص شحنات القمح المستوردة والتأكد من مطابقتها للمواصفات ومن ثم لا يمكن لمصلحة الجمارك أن تحدد صلاحية القمح من عدم صلاحيته.