كثيرة هى التهانى التى تلقاها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى فى عيد ميلاده الخامس والسبعين، إلا أن التهنئة التى تلقاها من المشير عبد الفتاح السيسى تظل لها مكانة ودلالة خاصة عند الأبنودى نفسه ولدى الكثير من المثقفين والجمهور، فقد التقى المرشح الرئاسى المحتمل، عبدالفتاح السيسي، منذ أيام الأبنودي، فى إطار اللقاءات، التى يجريها (السيسي) مع المثقفين والسياسيين والشخصيات العامة، والرموز الوطنية، للتعرف على رؤيتهم المستقبلية للأوضاع فى مصر، وتقديرًا للدور، الذى لعبه الشاعر الكبير فى مسيرة الإبداع الفني. زيارة السيسى تحمل أكثر من معنى ومغزى، وجاء رد فعلها على أكثر من اتجاه ومستوى، وذلك لأن بدء الحملة الانتخابية للسيسى بالأبنودى يعنى أنه اختار أهم شاعر مصرى عامى والأعلى صوتا وتأثيرا فى الحياة الثقافية الجارية، وبالتالى يأتى ذلك على المستوى الإيجابى للزيارة، أما على المستوى الآخر فقد لاقت الزيارة ردود أفعال سلبية على مستوى بعض صفحات المبدعين على موقع «فيس بوك»، معتبرين الأبنودى شاعر السلطة الذى لا يتوانى عن مداهنة أى سلطة، وإذا به ينقض عليه فور رحيله كما حدث مع مبارك. إلا أن المتتبع أيضا لسيرة الأبنودى يجده يمتدح عبد الناصر بعد موته فى قصيدة صادقة، بعنوان «الله يجازيك يا عم عبد الناصر»، ويعد هذا الامر بالنسبة للأبنودى هو أكثر النقاط إثارة للجدل فى حياته كلها، ففى السجن وأثناء اعتقاله فى عهد عبد الناصر اكتشف أن «الشيوعية ليست طريقا لتحقيق الذات أو تقديم خير إلى الفقراء»، وجاءت النكسة ليرى كل الأحلام تنهار. وكتب وقتها أغنيات وطنية لعبد الحليم حافظ، وفى تلك المرحلة وفر له إعجاب الرئيس عبد الناصر بأعماله، حماية من بطش «زوار الفجر». وبعد انقلاب السادات بدأ التضييق الأمنى على الأبنودى الذى رفض «أمن الدولة» سفره إلى تونس ليستكمل مشروعه فى جمع الهلالية.. واتصل به أحد الضباط يفاوضه على السفر مقابل «كتابة تقارير عن زملائه»، فرفض.. وكانت أكثر ذكرى تزعجه من تلك الفترة «شائعات الرفاق الثوريين» حوله. استطاع الأبنودى الخروج من مصر بعدما يئس الأمن منه.. واختار الشاعر لندن منفى اختياريا لثلاث سنوات، أنهاها عبد الحليم مستخدما «سلطته» فى السماح له بالدخول إلى مصر. اعتقد السادات أن الأبنودى سيكون صوته، فأعلن رغبته فى تعيينه «وزيرا للثقافة الشعبية».. لكن اتفاقية «كامب ديفيد» ألهمت الشاعر قصيدته الشهيرة «المشروع والممنوع»، وهى أقسى نقد وجه إلى نظام السادات.. وبسبب هذا الديوان جرى التحقيق مع الأبنودى أمام المدعى العام الاشتراكى بموجب قانون سمى «حماية القيم من العيب». وسيظل الأبنودى إلى فترة بعيدة مثار جدل لكن ما حدث منذ أيام فى حفل عيد ميلاده بالأهرام كان أمرا لافتا للنظر بسبب حجم الحب الذى بدا للجميع خلاله، حيث حضر الاحتفالية الكبرى حشد كبير من الكتاب والأدباء والفنانين، أبرزهم محمد حسنين هيكل والروائى بهاء طاهر والكاتب جمال الغيطاني، والكتاب محمد المخزنجى ووحيد حامد والإعلامى إبراهيم عيسى ومحمد أبو الغار رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعي. من جانبه روى الكاتب بهاء طاهر عن الروائى العالمى نجيب محفوظ ما قاله عن الكاتب محمد حسنين هيكل عندما قال «الحمد لله إنه مبيكتبش روايات وإلا كان قعدنا كلنا فى البيت». وقال الشاعر عبدالرحمن الأبنودى قائلاً: هكذا قلت على نجيب محفوظ «الحمد لله إنه مطلعش شاعر وإلا كان قعدنا كلنا فى البيت». وأكد طاهر، خلال حفل توقيع أحدث دواوين الأبنودى «مربعات» أن هيكل متعدد المواهب ولم يكن ممكنا أن يكتب مقدمة للأبنودى غيره. كما قال الكاتب الكبير جمال الغيطانى : أطلق المصريون على الأبنودى لقب الخال؛ لأن الخال لا ينافس على الميراث، والمصريون إذا أحبوا أحدًا أطلقوا عليه هذا اللقب. وأضاف الغيطاني: أوجه التحية للأبنودى باعتباره ضمير مصر والإنسانية، والديوان هو عمل من أعمال المقاومة بامتياز، وكل سنة والخال طيب ومستمر كضمير حى للمصريين، بدأ من مرافقته لبناء السد العالى وجوابات «حراجى القط»، ثم إقامته فى الجبهة أثناء حرب الاستنزاف، ثم مقاومته للحكم الفاشى الذى انتهى بحمد الله. قال الدكتور صابر عرب وزير الثقافة إن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى يعد أجمل من أرّخ للأغنية الشعبية وأجمل من عبّر عن حياة المصريين وضمائرهم رغم ابتعاده عدة سنوات خارج القاهرة، لكن قلوب المصريين جميعا كانت تهفو إليه. وأضاف عرب: سيظل الأبنودى دائما معبرا بصدق عن ضمير ووجدان ووطنية المصريين غناء وفنا ووطنية.