أثار تنصيب لجنة من الخبراء لصياغة دستور جديد للجزائر جدلا في الساحة السياسية بين المعارضة التي اتهمت السلطة بممارسة سياسة "الغموض" في معالجة الملف، فيما رحبت أحزاب موالية للنظام بالخطوة واعتبرت أنها في الاتجاه الصحيح. وأشرف الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال الاثنين على التنصيب الرسمي للجنة خبراء عينها رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة أول من أمس لصياغة دستور جديد للجزائر. وأكد سلال خلال حفل التنصيب "إنه لم يتم وضع أي سقف مسبق لمشروع التعديل الدستوري باستثناء الحدود المتعلقة بالثوابت الوطنية والقيم والمبادئ المؤسسة للمجتمع الجزائري"، في إشارة إلى تكريس الهوية العربية الإسلامية للبلاد. وكشف سلال أمس، لأول مرة، عن وجود مسودة أولية لمشروع الدستور الجديد تم إعدادها سابقا بعد انتهاء مشاورات مع الأحزاب غير أنه تكتم بشأن محتواها، فيما قالت مصادر رسمية إن مستشارين للرئيس قاموا بإعدادها. وأعلنت أحزاب موالية للسلطة الحاكمة ترحيبها بالخطوة وأكد حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في بيان له "نرحب بتنصيب هذه اللجنة كون التعديل الدستوري يندرج في محتوى الإصلاحات التي أمر بها رئيس الجمهورية". ودعا إلى "أن تكون الهيئة التنفيذية موحدة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة تجنبا لأي تناقض" وهو إعلان تأييد لتطبيق النظام الرئاسي في الحكم. أما حزب الحركة الشعبية الذي يقوده وزير البيئة في الحكومة الحالية عمارة بن يونس فأعلن "مساندته لرئيس الجمهورية في مسعاه لتعديل الدستور كما سبق وأن سانده من قبل في الإصلاحات السياسية". وتحدث الحزب عن تأييده للإبقاء على " نظام الحكم شبه الرئاسي" المعتمد حاليا في البلاد حيث السلطات موزعة بين الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان. من جهتها، قالت لويزة حنون المرشحة السابقة للرئاسة وزعيمة حزب العمال المعارض في تصريحات إعلامية إن "هناك غموضا حول مهمة لجنة تعديل الدستور التي تتشكل من خبراء في القانون". ودعت إلى "فتح نقاش وطني حول تعديل الدستور وإشراك مختلف شرائح المجتمع فيه وكذا تقديم توضيحات أكثر حول مهمة هذه اللجنة". وأعلنت حركة النهضة المنضوية تحت لواء تكتل "الجزائر الخضراء" الإسلامي الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية معارضة رفضها لهذه اللجنة لأنها "لجنة تقنية لا تمثيل للأطراف السياسية فيها، وهي لا تختلف عن اللجان السابقة، كونها تمثل رأي السلطة، ولا تستجيب لمطلب الدستور التوافقي". وأكدت الحركة في بيان تلقى مراسل وكالة الأناضول نسخة منه أن "إصرار السلطة على الانفراد بتعديل الدستور، مغامرة أخرى لإفراغ التعديل الدستوري من محتواه، مثلما كان الحال عليه مع القوانين السابقة، الهدف من ذلك التسويق الإعلامي لإصلاحات لا حقيقة لها في الواقع." من جهتها، دعت حركة مجتمع السلم شريكة "النهضة" الجزائرية في التكتل الإسلامي إلى "فتح نقاش عميق" حول الدستور الجديد للجزائر وضرورة "أن يكرس في الدستور المقبل النظام البرلماني وعدم المساس بالمادة 178 من الدستور الحالي التي تتحدث عن النظام الجمهوري وثوابت الأمة والحريات والتعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان". وذكر محمد حديبي القيادي في التكتل "السعي لتعديل الدستور بهذه الطريقة تكريس لأمر واقع، وهو دستور لاقتسام السلطة بين أجنحة النظام، وليس دستورا للجزائريين"، في إشارة إلى وجود توافق داخل النظام حول التمديد للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة. وبشأن هذا الجدل السياسي رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجزائري عابد شارف أن "تعديل الدستور حاليا ليس له مبرر سوى أنه يعكس اتفاقا مرتقبا لتمديد فترة حكم بوتفليقة لولاية أخرى". وتنتهي ولاية بوتفليقة الثالثة في أبريل/نيسان 2014، غير أنه لم يعلن بعد إن كان سيترشح لفترة رابعة وسط جدل في الساحة السياسية بين دعوات بالرحيل وأخرى تدعوه للتمديد. وأوضح شارف في تحليله : "يبدو أن الأمور حسمت سياسيا وهذه اللجنة دورها تقني فقط والخلفية السياسة للمشروع أن بوتفليقة والسلطة الفعلية في البلاد –يقصد مؤسسة الجيش- قد وصلوا إلى اتفاق حول استمراره لولاية رابعة وسيتم إخراج هذا الاتفاق من خلال تعديل دستوري". وتابع أن "الوضع العام في البلاد يقضي بأن يرحل بوتفليقة (76 عاما) نظرا لوضعه الصحي وكذا فضائح الفساد، لكن يبدو أنه سيواصل ولكن بقواعد جديدة هي استحداث منصب نائب الرئيس كمطلب لأجنحة في السلطة وهذا الأمر هو لب التعديل الدستوري القادم". وكان بوتفليقة قد أعلن خلال خطاب له في أبريل/نيسان 2011 عن حزمة إصلاحات شملت قوانين الانتخابات، الأحزاب، الجمعيات والإعلام لمواجهة موجة الثورات بدول المنطقة التي عرفت إعلاميا باسم "الربيع العربي" الذي قال إن الجزائر استثناء فيه. كما شكل الرئيس الجزائري حينها لجنة للمشاورات السياسية مع الأحزاب حول قوانين الإصلاح وتعهد بتعديل دستور البلاد وإشراك كل الفاعلين السياسيين في إعداده. وكلف الرئيس الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة الوزير الأول عبد المالك سلال بعقد جلسات مع الأحزاب الممثلة في البرلمان لاستقبال اقتراحاتها بشأن التعديل الدستوري الجديد.