منذ العام 1990 شاركت تقريبا في تغطية كل حوادث القطارات، ذلك الدم النازف بسكين الإهمال والاستهانة بالكرامة الانسانية ... وثمة فرق كبير بين أن تكن في موقع الحدث وبين أن تكن بعيدا عنه.. في موقع الحدث قد تساعد في إخراج جثة فتمسك اليد فيخرج معك إصبع التجربة مختلفة عن التخيل حتي في درجة القشعريرة وأن تحمل جريحا ضعف وزنك تقريبا فلا تشعر بثقل وزنه فالكوارث تمنحنا قدرة فوق قدرتنا وطاقة أكبر من طاقتنا لكن الذي ظل يوجعني من ذكريات هذه الكوارث ذلك السؤال الذي كنا نسأله لأهل الضحايا عن شعورهم للذي جري لذويهم، سؤال أمسخ من ذلك السؤال الذي نسأله لمن هو خارج من الحمام.. كنت بتعمل إيه في الحمام ؟ كنا نسأل السؤال لأن من كانوا يعلموننا كانوا يقولون لنا ركزوا علي القصص الإنسانية وإسالوا أهل الضحايا عن مشاعرهم... لاحقا أدركنا أن المهنية أن ترصد المشاعر لا أن تسأل عنها، في إحدي هذه الكوارث منحني رئيس التحرير مكافأة بلغت ثلاثمائة جنيه لأني بعد أن رصدت كارثة القطار وكانت في بنها كتبت في عمود صحفي جانبي رأيي-ولم أقحم الرأي في التغطية الاخبارية - هذا الرأي الذي قلت فيه إن الفرق بين الكوارث عندنا وعند غيرنا المتقدم الذي يعلي قيمة العلم يكمن في إدارة الكوارث والأزمات فالكوارث والأزمات عندنا تتوغل وتتوحش وتفترس لأننا دوما نطبق ما يعرف بأفضل سيناريو الذي قوامه انتظار الستر لينقذنا دوما فتتحرك أجهزة الإنقاذ ببطئ ورتابة مملة في حين أن غيرنا المتقدم يطبق ما يعرف بأسوء سيناريو فيتحرك بأكبر من احتياجات الكارثة وبأسرع منها وبالتالي ما كان يمكن أن ينقذ ثلاثة سينقذ الواحد من الضحايا أما عندنا إذا ما كنا نريد إنقاذ مائة شخص فأننا نكتفي بإرسال ما يكفي لإنقاذ واحد وعقب كل كارثة قطار بما في ذلك مجزرة قطار الجنود الأخيرة المسبوق بمحرقة قطار الصعيد ودهس أطفال اسيوط يجري الحديث عن تطوير منظومة السكة الحديدولا شيء يحدث فقط يستمر الموت الكاشف لعورة حكامنا.. ومثلما فعلنا في السابق نفعل الآن نقدم العزاء لأهالي الضحايا و للوطن كله فيما ابتلاه الله به من مسئوليه علي مر الزمان -محمد كالحج محمد- والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه.