يبدو أن الفساد الذي أصاب البلاد طيلة العقود الأربعة الماضية لم يترك شيئًا إلا نخر فيه نخرًا حتى أتى علي قلبه. فسدت أشياء كثيرة فيما فسد في مصر وتلوثت: الضمائر، النفوس، التعليم، الطعام، الهواء. وبلغ التلوث مداه فأصاب المفاهيم والمصطلحات، فبتنا في السنوات العشر الأخيرة نتسمع كلمات لم تألفها آذاننا، وبنتا نبصر استخدام مصطلحات في غير مكانها وليس علي دلالتها الحقيقية، فانحرفت المسميات، وتلوثت المفاهيم والمصطلحات، وما بالها تقاوم مالم يقاومه البشر وهي منتجات بشرية. كتبت في بداية هذا الشهر (أبريل/نيسان) مقالًا متأخرًا بعض الوقت عن المغالطة الاصطلاحية التي تضمنها مقال رئيس تحرير مجلة (أبيض وأسود) في عدد الثالث عشر من السنة الثالثة والصادر في شهر فبراير/شباط 2011م، حيث أوضحت ذلك الخطأ الاصطلاحي الذي سقط فيه رئيس تحرير المجلة، الذي لم يفرق بين "دراما سير الحياة" وبين "دراما السيرة الذاتية"، وقد قمت بنشر المقال في مدونتي المعنونة باسم "النص الثالث" بتاريخ 5 أبريل/نيسان 2011م، بعنوان "دراما سير الحياة"، ورابطه: [ http://qudapy.maktoobblog.com/947955/دراما-سير-الحياة/ ]، وكذلك، علي هيئة ملاحظة أشركت بها عددًا من الأصدقاء علي صفحتي الشخصية بموقع (الفيسبوك)، ورابطها: [ http://www.facebook.com/note.php?note_id=10150156621633464 ]، وكذلك علي مجموعة "سينما ما بعد 25 يناير" علي (موقع الفيسبوك)، ورابطه : [http://www.facebook.com/home.php?sk=group_195711707117646&view=doc&id=202060379816112 ]، وقد أوضحت به أن مصطلح "السيرة الذاتية" ليس مرتبطًا بالكتابة فقط، بل إنها قد تعداها إلي ما صرنا نطلق عليه مصطلح "دراما السيرة الذاتية"، والتي تعني بلا تلوث تلك الدراما التي يقدمها صاحبها بنفسه عن حياته/سيرته أو عن جزءٍ من حياته/سيرته، وضربت لذلك أمثلةً من أعمال المخرج الايطالي (فيلليني) فيلم "ثمانية ونصف"، ومن أعمال المخرج المصري (يوسف شاهين) مجموعة من الأفلام يحمل كل واحد منها جزءً من حياته هي: (أسكندرية ليه أسكندرية كمان وكمان أسكندرية نيويورك حدوتة مصرية)، وقد لعب شاهين دور البطولة في إحداها، كما لعب غيره أدوار البطولة في الباقيين، وأوضحتُ أنه يمكننا في هذا السياق التخلي عن أن يقوم صاحب السيرة بأدائها تمثيلاً بالإضافة إلي الكتابة والإخراج، ولهذا سيبقى حضور الممثل وتقمصه للشخصية هو إحدى أهم الشبهات التي يمكن أن تسلب هذا المصطلح "دراما السيرة الذاتية" طهره ونقاءه، إن كان نقياً. لكن يبدو أنني تمثلت قول شاعرنا (إبراهيم ناجي) إذ يقول: يا مُغنى الخُلْدِ ضيَّعتَ العمر في أناشيدَ تُغنّى للبشرْ ليس في الأحياء من يسمعنا مالنا لسنا نُغنيّ للحجرْ. فلم يصب حديثي في المقال السابق سوى بضع نفرٍ، ولم يتجاوزهم، ولم تتحرك أقلامهم لتنقذ هذا المصطلح من مصابه. وكان الأمس يومًا عصيبًا، إذ طالعت بعد إشارة من أحد الأصدقاء جريدة (الأخبار) المصرية في عددها (968) الصادر في يوم 28 أبريل/ نيسان 2011م، مقالًا للأستاذ الدكتور (حسن عطية) بعنوان "بيرم وشمس الأصيل في يوبيله الذهبي"، وإذا به يعمد إلي استخدام المصطلح "دراما السيرة الذاتية" استخدامًا ملوثًا، كبديلٍ لمصطلح "دراما سير الحياة" المنوط بيه أن يكون مصطلحاً دالًا ومنجزًا في المقام الذي كان يتحدث فيه عم مسلسل "أهل الهوى" للكاتب (محفوظ عبد الرحمن) والمخرج (إسماعيل عبد الحافظ)، إذ يقول في مقاله ما نصه: " ويبدو أن إقدام قطاع الإنتاج حاليًا علي تقديم عملين دراميين، أحدهما من المسار الأول (دراما السيرة الذاتية) ، وهو مسلسل (أهل الهوى) عن »بيرم التونسي« للكاتب محفوظ عبد الرحمن والمخرج »إسماعيل عبد الحافظ« "، ولي أن أسأل أستاذ النقد والدراما وعميد معهد الفنون المسرحية السابق، كيف يكون ما يكتبه (محفوظ عبد الرحمن) عن (بيرم التونسي) "سيرة ذاتية" "Autobiography"؟ أليس هذا "سيرة حياة" "Biography"؟ أليس الأجدر بنا أن نستخدم مصطلح "دراما سير الحياة"؟ أعرف أن ثمة فارقًا كبيرًا بين "سيرة ذاتية" "Autobiography" وبين "سيرة حياة" "Biography"، أفلا يصنع هذا الفارق مساحة من الاختلاف بين مصطلح "دراما سير الحياة" ومصطلح "دراما السيرة الذاتية"؟ أرجو أن يصيب حديثي آذانًا منصتة، وأبصارًا ناقدة، فاحصةٌ مدققة. واعتذر للمثل الزميل (تامر عبد المنعم) عما بدر في حقه في المقالة السابقة، إذ ألتمس له العذر الآن في استخدامه الخاطئ للمصطلح؛ وهو عذرٌ أقبح من الذنب؛ قبح من الذنبأأأافها هو أستاذ كبير يسقط في ذات الخطأ ويلوث بيديه مصطلحًا دقيقًا كهذا.