تابعت باهتمام شديد اللقاء التليفزيوني للدكتور محمد البرداعي لكي أتعرف على ملامح شخصيته السياسية وكشف بعض الغموض الذي التف حولها مؤخرا، ولا أنكر أن لدي تصور مسبق عنه لا يخلو من بعض التوجس، والذي بنيته من خلال معلومات جمعتها منذ فترة طويلة حول شخصية البرادعي ورؤيته السياسية التي تتسم كثيرا بالتحضر والانفتاح على العالم والابتعاد عن هموم المواطن المصري العادي. وخلصت من خلال حوار البرادعي إلى تحليل سريع انتظر بعض الوقت لوضع صورة نهائية عنه، حيث رأيت شخصية ذات خبرة كبيرة على الساحة السياسية الخارجية والدولية استخلصها من موقعه كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية وعلاقته بالملف الأمريكي في العراق وغيرها من الملفات الدولية في تلك الفترة، ولدى البرادعي رؤية موضوعية واضحة لما يدور بالداخل، ربما يتميز ببعض التفاؤل الذي أفضله، ولكنه يواجه مواقف صعبة للغاية لوضع آليات حقيقية لتحويل تلك الأحلام إلى حقائق. ركز البرادعي خلال تصريحاته على عدة نقاط مهمة مرتبطة بالوضع الداخلي والخارجي على السواء ، ولعل أبرزها سعيه لاجتذاب شرائح متنوعة من المجتمع المصري في صفه من البداية كشريحة الشباب والمرأة والأقليات وحتى البسطاء من الناس الذين يمثلون الأغلبية الصامتة، ولم يغفل مغازلة القوى السياسية الدينية. من أهم تصريحات البرادعي التي أوقفتني تلك التصريحات المتعلقة بالتعديلات الدستورية ورؤيته لضرورة إنشاء مجلس رئاسي يتبنى عمل دستور جديد للبلاد ورفضه التام لما تم من ترقيع لبعض مواد الدستور، كما أهتم البرادعي بالتأكيد على الوحدة الوطنية، واهتمامه بالبسطاء من الناس الذي لم يخلو من الخطاب العاطفي الذي تميز به الزعماء في اجتذاب قلوب المصريين، رغم تأكيده على العقلانية في مناقشة القضايا المعلقة بإدارة البلاد في الوقت ذاته. تحدث البرادعي عن المادة الثانية من الدستور ونفى ما تردد بشأن اعتراضه عليها، وتحدث عن علاقته بالقادة السياسيين في مصر المتوقع منافسته في الانتخابات وقبل فكرة إجراء مناظرة تليفزيونية متوقعة مع السفير عمرو موسى المرشح المتوقع لرئاسة الجمهورية. وأعلن البرادعي صراحة بدء حملته الإعلامية لمنصب رئاسة الجمهورية في مصر وهي بداية تبدو مبكرة كثيرا في ظل الظروف الحالية، ويبدو أن حملته ستكون الأقوى وستكون مدعومة من بعض القيادات الإعلامية والسياسية في مصر حاليا. لاشك أن من ضمن اللقطات المهمة في هذه البداية لحملة البرادعي هي حرصه على رسم شخصيته وترويجها لدى جمهور البسطاء من الناس والتي يفتقدها أمام منافسه المنتظر عمرو موسى الذي لديه رصيد كبير لدى الجمهور المصري خلال توليه منصب وزارة الخارجية المصرية في حقبة مهمة وبعدها منصب الأمين العام للجامعة العربية. ويعلم البرادعي تماما أنه لديه رصيد ضعيف لدى جمهور البسطاء من المصريين وظهر ذلك في تركيزه على إقامة أول مؤتمر في العشوائيات في حالة توليه منصب رئيس الجمهورية ليعتذر لجمهور البسطاء ومن هم تحت خط الفقر- رغم أنه لم يكن سببا في مشاكل هؤلاء ! - ويراهن البرادعي على علاقته بنخبة من شباب الانترنت ودورهم المهم في ثورة 25 يناير. على الجانب الداخلي ركز البرادعي على ضرورة التخلص من كل رموز النظام القديم، وكان جريئا جدا في طرحه من أجل العمل في مناخ سياسي صافي ونظيف، رغم صعوبة تحقيق ذلك وعدم عرضه لآليات التنفيذ في هذا الصدد. يراهن البرادعي داخليا على بعض قيادات المجتمع المصري من الليبراليين، ويراهن أيضا على عدم وجود شخصيات حزبية في مصر قادرة على المنافسة، وسعى البرادعي إلى تقمص شخصية الرئيس الأمريكي " باراك أوباما" في التركيز على المطالب الداخلية للشعب المصري للانطلاق من خلالها إلى السياسة الخارجية، ووضع في إطار ذلك تصورات وأحلام تبدو قريبة من العامة والبسطاء عاطفيا وبعيدة المنال واقعيا في ظل الظروف الحالية. وعلى الجانب الخارجي ركز البرادعي على نقاط مهمة أبرزها تلك المتعلقة بإقامة علاقات دبلوماسية مع إيران وعلاقة مصر بإسرائيل في ظل اتفاقية السلام، وركز البرادعي على فكرة توازن القوى في الشرق الأوسط وضرورة حصول مصر على وضعها الطبيعي في المنطقة، فأكد على ضرورة إقامة علاقات طبيعية مع إيران، وعدم الاصطدام بالسياسة الإسرائيلية في الوقت الراهن، رغم تأكيده على إمكانية إجراء تعديلات في اتفاقية السلام المصري الإسرائيلي في وقت لاحق بما يتناسب مع وضع مصر المنتظر ووجوب أقامة العلاقات من منطلق توازن القوى، وأكد على ضرورة العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد لتصفية الأجواء الخارجية لتعمل مصر بدون وصاية. لاشك أن تصريحات البرادعي كلها تبدو وردية ومتفائلة، واعتماده على مقارنة مصر بدول أوروبية واجهت ظروف مماثلة تؤكد على أن البرادعي لديه أجندة مدروسة للسياسة المصرية في الفترة المقبلة داخليا وخارجيا، ولكن ينقصها الكثير من الآليات التي ربما لم يستقر عليها حتى الآن. على الجانب الآخر ننتظر وجهات نظر منافسة حتى يستطيع الشعب المصري المقارنة بين تلك الأجندات والبرامج، ونحتاج أيضا إلى وضع ملامح صريحة لكل مرشح للرئاسة حتى نستطيع وضع المقارنات، وفي رأيي أن أي مرشح للرئاسة حاليا هو شخص يسعى لخدمة بلاده أكثر منها لخدمة مصالح شخصية أو أجندات خارجية حتى لا ندخل في دوامات نظريات المؤامرة وانعدام الثقة في الأشخاص، لأن فترة الرئاسة لن تتعدى 4 سنوات والبلاد تمر بمرحلة صعبة جدا تحتاج إلى جهود كبيرة من أجل العبور إلى بر الأمان. أنا شخصيا متفائل جدا بالأوضاع المصرية رغم وجود بعض النقاط التي تبدو غير واضحة على الساحة السياسية والدستورية في مصر في الوقت الحالي، ولكنني سعيد بكوني أحد أبناء جيل سيرى مصر تتغير وسيشارك بحال من الأحوال في إحداث هذا التغيير، وسأنتظر مزيد من النماذج الديمقراطية التي لم نراها ولم نكن نحلم بها قبل 25 يناير. فلنعمل جميعا على نيل شرف خدمة الوطن والارتقاء به. مرحبا بالبرادعي مرشحا للرئاسة وننتظر المزيد من المرشحين الأكفاء للعبور بمصر إلى الديمقراطية الحقيقية. صلاح عبد الصبور الأمين العام للاتحاد العربي للصحافة الالكترونية [email protected]