أعمال الترميم بمسجد زغلول الأثري برشيد رشيد مدينة الآثار والتاريخ، وملتقى البحر بالنيل، أنشأت سنة 870 ه في عصر الخليفة العباسي المتوكل. ويرجع اسم مدينة رشيد إلى ذلك الاسم المصري القديم "رخيت" والذي أصبح "رشيت" في العصر القبطي ثم تحور بعد ذلك فأصبح "رشيد". تتميز المدينة بموقعها الفريد حيث التقاء البحر المتوسط بالنيل في فرعه الغربي المسمى باسمها، حيث تقع على مسافة اثني عشر كيلو متراً فوق مصب النيل (فرع رشيد)، وقد كانت في القديم مركزاً متميزاً للتجارة لوجود ميناء بها على مصب الفرع الغربي للنيل في البحر الأبيض المتوسط، ويُرجع العديد من العلماء -أمثال ألفريد لوكاس- الفضل لمدينة رشيد وميناءها في نهضة أوربا العمرانية في الفترة القوطية وبدايات عصر النهضة. وعلى أرض رشيد اشتدت الحرب في 31 مارس 1807 بين علي بك السلانكلي حاكم رشيد وبين الجنرال فريزر قائد الحملة الانجليزية على مصر، والتي انتصر فيها أهالي رشيد فأحبطوا المشروع البريطاني لاحتلال مصر، وتم توقيع معاهدة الجلاء في عهد محمد علي، والتي تم بمقتضاها جلاء الإنجليز عن مصر ليرحل آخر جندي في 19 سبتمبر 1807. تعد رشيد مدينة تاريخية عظيمة بها الكثير من الآثار الفريدة والمعالم التاريخية القديمة، وبها اكتشف حجر رشيد والذي تم بفضله فك رموز الكتابة المصرية القديمة، كما يوجد بها "قلعة قايتباي" التي عرفها المؤرخون الأجانب باسم "قلعة جوليان"، والتي أنشأت على غرار قلعة قايتباي بالإسكندرية، وبالمدينة أيضاً التل الأثري الشهير "أبو مندور" والتي تذكر كتب التاريخ أنه يوجد تحته مدينة "بولبتين" أو رشيد القديمة. وتحوي المدينة التاريخية الكثير من المنازل والمساجد الأثرية ذات الطراز الإسلامية الفريدة، حيث يوجد بها 12 مسجداً أثرياً و22 منزلاً أثرياً أنشئت في العصر المملوكي والعثماني، لتحتل رشيد بذلك المرتبة الثانية بعد مدينة القاهرة من حيث كمية الآثار الإسلامية الموجودة بها، وقد حصلت رشيد عام 1990 ميلادية على جائزة أحسن مدينة تحتفظ بطابعها المعماري الإسلامي. ولعل من أكثر المساجد التي تتميز بها مدينة رشيد "مسجد زغلول" الذي من المرجح أن يكون منذ العصر المملوكي ويرجع لسنة 785ه ويعرف باسم الديواني، وأطلقت عليه بعض الوثائق مسجد الشيخ زين العابدين عبد القادر السنهوري، وفي العصر العثماني وسَّع الجامع سنة 957ه / 1549م التاجر نصر الدين علي الشهير بزغلول أحد مماليك السيد هارون، أحد الأمراء الذين عاشوا في القرن السابع عشر الميلادي بالمدينة، كما أضاف للجامع الحاج محيي الدين عبد القادر توسعة جهة الشرق، وأنشأ القسم الشرقي والذي يتكون من صحن وأربعة أروقة، ويعرفه البعض باسم الإيوان، وكذلك أنشأ المئذنة الشرقية للمسجد. وقد عُرف المسجد قديماً باسم "الجامع الكبير"، فهو يعد أكبر المساجد الأثرية برشيد وأكثرها اتساعاً، فهو كما ثابت لدى هيئة تنشيط السياحة بالبحيرة عبارة عن جامعين متصلين ببعضهما، الأول الشرقي باسم عبد القادر السنهوري والأخر الغربي باسم الحاج زغلول، وقد اُطلق اسم زغلول على المسجد بعد ضمهما ليُقام المسجد بذلك في مجمله على مساحة تقترب من 5000 متر تقريباً و244 عامود من الرخام والجرانيت. يحظى مسجد زغلول الأثري بتاريخ عظيم ومكانة كبيرة عند أهالي المدينة، لاسيما القدماء منهم، فمن مآذن هذا المسجد القديم انطلقت صيحات التكبير معلنةً بدء المقاومة الشعبية لأهالي رشيد ضد حملة فريزر، والذي انتقم بتحطيم إحدى مئآذنه. حيث تذكر الوثائق أنه في 31 مارس 1807 عندما هاجمت الحملة الفرنسية مصر من سواحل مدينة رشيد بقيادة الجنرال فريزر، اتفق 700 جندي رسمي بقيادة على بك السلانكلي حاكم رشيد مع أهالي رشيد بقيادة الشيخ حسن كيريت على الاختباء في المدينة وإفساح الطريق لجنود الحملة للدخول في وسط المدينة، وبالفعل حدث ذلك وما أن انتشروا في شوارع المدينة وأزقتها حتى انطلق نداء الآذان بأمر السلانكلي من فوق مئذنة جامع زغلول مردداً "الله أكبر حي على الجهاد" فانطلق الأهالي والجنود صوب الجنود الانجليز وأطلقوا النيران من نوافذ المنازل وقتل الجنرال ويكوب أحد قائدي الوحدات وبلغ عدد القتلى من جنود فريزر 170 قتيل و120 أسير و250 جريح وفر باقي الجيش في معركة لم تتجاوز الساعتين، فيما حاولت المدفعية السيطرة لكنها لم تستطيع لشراسة المقاومة فلم يجدوا سوى أن يقوموا بضرب مئذنة مسجد زغلول الغربية وقد تهدمت أدوارها العلوية ولم يبق منها إلا القاعدة، وبذلك أصبح مسجد زغلول شاهد على المقاومة الشعبية لأهالي رشيد ضد محاولات احتلال مصر. المسجد كما تذكر كتب التاريخ طوله 90 متراً وعرضه 48 متراً، وهو غير منتظم الوضع ويحتوي على أربعة قبلات مجوفة، ويحتوي على حقل من الأعمدة عددها 244 عمود متعددة الأشكال والمقاسات، بعضها من حجر الصوان والبعض من الرخام والبعض الآخر منحوت من الحجر الجيري، وأعمدة المسجد تحمل سقفاً على شكل قباب صغيرة من الطراز العثماني، وقد تم بناؤها باستخدام الطوب "المنجور" والأسقف الخشبية متعددة الطبقات، والأعمدة الرخامية والجرانيتية القديمة، والوحدات الزخرفية ذات الأشكال الهندسية البديعة. ويحتوي المسجد القديم على 34 قنديل للإضاءة، كما توجد به بقايا دكة المبلغ ذات السقف المذهب وبعض الكتابات التي توضح تاريخ تأسيس المسجد وكذا بعض المقرنصات الخشبية الجميلة. وللمسجد مئذنتين، الأولى في الجهة الغربية وهي التي هدمتها حملة فريزر فزالت أدوارها العلوية ولم يبق منها إلا القاعدة، أما الثانية فبالجهة الشرقية وهي تتكون من خمسة أدوار تبدأ بدور مربع، يعلوه ثلاثة أدوار مثمنة يحمل كلٌّ منهما شرفةً، ودور أسطواني تعلوه قمة المئذنة. والذي يزور المسجد حالياً فأنه يجده يتكون من جزءين، جزء حديث بنته وزارة الأوقاف تقام فيه الشعائر، وهو جزء لم تبنه الأوقاف على نسق المسجد القديم وإنما غيّرت الكثير من معالمه، فهو عبارة صحن صغير الحجم تحيط به أروقة عبارة عن صفوف من الأعمدة عددها أربعة تحمل عقود القباب التي تغطي المسجد، وبهذا الجزء منبر ومحرابان، المحراب الكبير منحرف وهو حنية ذات عقد مدبب يكتنفها عمودان من الرخام، وأعمدة الجامع في هذا الجزء تسير متوازية عليه، والمحراب الثاني سادة، وأمام المحراب قبة محمولة على أربعة أعمدة وحنايا ثم ثمانية شبابيك خرط منجور، ويلاحظ أن القبة أعلى المنبر مرتفعة لتتناسب مع ارتفاعه وبها أربعة شبابيك، ودكة المبلغ محمولة على أعمدة من الرخام مثمنة الأضلاع عددها ستة. والجزء الثاني من المسجد هو جزء يعاني من التدهور والإهمال الشديد، كما يعاني من ارتفاع منسوب المياه الجوفية لعدم انتهاء مشروع الصرف الصحي برشيد حتى كتابة هذه السطور، وحالياً فإن الجزء المتخرب يقوم المجلس الأعلى للآثار ببنائه من جديد على النسق القديم، وأسندت أعماله إلي شركة المقاولون العرب. وفي أكتوبر 2011 أعلن المهندس مختار الحملاوي محافظ البحيرة، خلال تفقده أعمال التطوير بمدينة رشيد، أن التكلفة الإجمالية لأعمال فك وإعادة بناء المسجد تقدر بنحو 37 مليون جنيه، مشيراً إلى أنه تم الانتهاء من المرحلة الأولى بتكلفة 24 مليون جنيه وجارى العمل بالمرحلة الثانية بتكلفة 13 مليون والمقرر الانتهاء منها فى فبراير 2012. إلا أنه حتى اللحظة لم تنتهي أعمال الترميم ولا زل المسجد يعاني من الإهمال الشديد، وسط حزن من أهالي المدينة على هذه التحفة المعمارية الرائعة، وهذا المسجد الشاهد على تاريخ بطولات أهل المدينة والذي عانى من الإهمال الشديد خلال الفترة الماضية.