سبحان الله، أربعون عامًا لم أهتز أبدًا "للخرقة الخضراء" علم البلاد، أو لنشيد "الله أكبر"، الذي لم يصدر بقرار، ولم تشرح معانيه؛ لأنه بدون معنى ولا طعم ولا رائحة، ولم يوافق أو يتوافق عليه الناس، فهو علم لشخص، ونشيد هو في أصله أغنية حماسية، لم يتم كتابتها خصيصًا لليبيا ولم تُلحّن لهذا البلد الحبيب، مثل نشيد الاستقلال وعلم الاستقلال. الذي هزني أكثر هو أن الشباب من أعمار الثلاثين والعشرين وحتى الأربعين لم يعرفوا هذا العلم، إلا عندما تصفح البعض منهم تاريخنا غير المسموح به في ظل نظام قمعي، وحجر فكري، وقد رأيت في هؤلاء الشباب- وهم يقبلون العلم وينشدون النشيد- إصرار على رفضهم لكل ما يرمز لنظام الطاغية وآلته البولسية الظالمة التي عانوا منها الكثير والكثير، ووجدوا في العلم الأول والنشيد الأول الأصالة التي تعبر عن هويتهم الضائعة، إنه علم أصلي من أصل ليبيي، ونشيد كُتب لليبيا، ولحنٌ تمّ تلحينه لليبيا، وفي أقل من أسبوعين عم هذا النشيد وهذا العلم كل البلاد؛ في كل مدينة يثور شبابها يعلقونه، وفي سفاراتنا وقنصلياتنا يعلقونه. إنه ردٌّ معنوي كبير، وتعبير أكبر عن رفض كامل لأية سمة تربطنا بنظام كابوسي جثم على أرضنا وشبابنا اثنين وأربعين عامًا، واستطاع شبابنا البطل أن يزيحه عنّا. فبسرعة البرق تحققت اللُّحمة الوطنية، وبرز جليًّا حبّ الوطن من خلال الاعتزاز برمزيها: علمها ونشيدها، وأنا على يقين بأن هذا العام- بل الشهور القليلة القادمة- ستشهد أن كل الليبيين والليبيات- شيوخًا وشبابًا- سيحفظونه عن ظهر قلب. قد يقول البعض أو يدور في ذهن آخرين أن العلم والنشيد وضعا في نظام ملكي، وهذا معناه الرجوع إلى الملكية. وأقول: لا تسمّموا الموضوع، فالعلم لم يصممه الملك مثل الخرقة الخضراء التي فرضها القذافي بدون استشارة أحد، لأن العلم وضعت له مفاهيم لكل لون من ألوانه، وكذلك للهلال والنجمة، وصدر بمرسوم بعد أن وافقت عليه السلطة التشريعية الاتحادية. وكذلك النشيد لم يختره الملك، كما اختار القائد "الله أكبر" بنفسه، ولم يستشر حتى رفاقه في الثورة، بل إن النشيد كُتب خصيصًا لليبيا، وكذلك لُحِّن خصيصًا لليبيا، ووافقت عليه أيضًا السلطة التشريعية وصدر به قانون. أرأيتم- سبحان الله- في ظل السلطة الشعبية يتم اختيار العلم والنشيد بدون علم أصحاب السلطة، وفي ظل الملكية يصدر العلم والنشيد بموافقة الشعب وعن طريق نوابه! [email protected] [email protected]