عشت أكثر من35 عاما في بلاط صاحبة الجلالة.. تعلمت ومازلت أبحث عن التعلم لكنني أكتشف في تلك الأيام, أن كل علمي وما تعلمته لا يعرفه علماء الصحافة والسياسة والفضائيات في الإعلام!! اكتشفت أن كافة بلا استثناء أزمات المجتمع سببها الإعلام.. تأكدت من أن الإعلام المنافق والإعلام المعارض, وما بينهما.. لا يرضي إطلاقا أولئك الباحثين عن كرسي وسط أولئك المسئولين الكبار.. وبالقدر ذاته لا يرضي الباحثون عن الكرسي ذاته.. كما اكتشفت أن الإعلام تحول إلي مهنة من لا مهنة له وهو قول قديم له حكاية.. لا داعي للحديث عنها, فهي تطول. يحدثونك عن الإعلام علي أنه وجهة نظر, أو موقف سياسي.. قل إنه مهنة لها قواعدها وأدواتها, فضلا عن التاريخ.. يعتقد البعض أن الإعلام هو مجرد موقف.. وآخرون يعتقدون أنه خادمة في بلاط أصحاب السلطة.. ودعونا من أولئك الذين يعتقدون في أن الإعلام صالة من صالات الترفيه والترويح عن النفس. الإعلام كمهنة هدفه المعلومة والقاريء.. من يعمل في الإعلام يجب أن ينحني ويخاف ويحترم.. القاريء والقاريء فقط.. يعينه القاريء مسئولا عن الصحيفة.. ينصبه القاريء نجما تليفزيونيا.. يذهب إليه المستمع كمهني عبر ميكروفونات الإذاعة.. إذن فالإعلامي مع رفضي للتوصيف مواطن يعمل لدي من يقرأ له أو يشاهده أو يستمع إليه.. وقد أكون أطلت في مقدمة, تتطلب مني شرحا لمساحة طويلة.. لكن أصل الحكاية يرجع إلي ذلك الصداع, الذي نعانيه في مجتمعنا حول مسئولية الإعلام.. فلو أنك اتهمت مسئولا أو انتقدته.. ولو أنك قلت رأيا مختلفا.. ولو أنك أيضا قدمت معلومات جديدة لا يعرفها مستقبل رسالتك.. فأنت متهم بأنك لا تجيد فنون الإعلام.. وعلي هذا الأساس كان تقييم واختيار القيادات المسئولة عن الإعلام في زمن ما يسمي جماعة الإخوان المسلمين.. هذا شأنهم ومن حقهم لكنه يمثل الجهل بعينه!! لاحظت أن قضية الإعلام تشغل الأغلبية الساحقة من المهمومين بممارسة فن النصب السياسي.. وأعترف بأنهم مبدعون في هذا اللون من ألوان السلوك العشوائي.. فقد كان من حظي أن أشارك كضيف خلال حلقات منفصلة لحوار حول قضايا مختلفة.. وتعرضت للإيذاء باستقبال تعريف وتوصيف لعلم وفن الإعلام, من أطباء ومهندسين.. وكلهم كانوا يشرحون لي بجرأة أحسدهم عليها مفهومهم للإعلام.. تأكدت أننا جميعا اتفقنا علي ترويج الكلمة مع تزوير معناها وتوصيفها.. وفي هذا كان يمكن تفسير سر هدوئي.. ولعلي ألتمس العذر للزميلة هالة سرحان كلما انفعلت عند مواجهة الاتهامات العشوائية الصادرة عن ضيوف برنامجها.. ويكفيني التوضيح أن الإعلام في معناه ومغزاه كمهنة توصيل الرسالة التي يقصد بها صاحبها إقناع مستقبلها بها.. والمؤسف أن كل الذين يهاجمون الإعلام يخسرون قضيتهم إذا كان من يواجههم يفهم المعني ويجيد ممارسة فنونه لكنهم يشغلون المجتمع بتلك القضية الجدلية.. والخلاصة أن الإعلام هو الوسيلة القادرة علي إقناع الناس بصدق ومعلومات ما يريدون توصيله إليهم.. لكن الأنظمة الحاكمة في مجتمعاتنا, تعتقد في أن الإعلام, معناه امتلاك القدرة علي تدوير الصحيفة والإذاعة والقناة.. لذلك سقط الحزب الوطني الذي اغتصب الحكم لسنوات طويلة.. والمدهش أن ورثته يعتقدون في أن الإعلام إن كان ملك يمينهم فهم الأقدر علي خداع الأمة.. والحقيقة المؤكدة.. أن هذا فن وعلم لهما قواعد وأصول.. وأن القائمين علي الإعلام يجب أن يتمتعوا بالموهبة الشديدة.. وتسبقها الثقافة الرفيعة.. وبينهما القدرة علي المزج بين كليهما لاختراق عقول الناس.. والفارق كبير بين أن يخاطب الإعلام عقول الأمم وبين ما يريده البعض من أن يصل إلي عجول من أي شعب علي وجه الكرة الأرضية!!