مشهد متكرر كريه في سيناريو رتيب وممل: نفاجأ.. ننزعج.. نغضب.. ننفعل.. نثور.. نطالب بالحسم.. بالمواجهة الجادة لكل من يسعي لإحراق الوطن.. بالقصاص للضحايا ومعاقبة الجاني دون النظر عمن يكون.. ثم يسري في شراييننا مخدر ينساب من شفاه بلاستيكية يتحلق أصحابها مائدة مستديرة يعلوها لافتة ساذجة الوحدة الوطنية في إحدي قاعات فندق خمسة نجوم يتباري أصحابها في ترديد عبارات عنصري الأمة.. نسيج واحد.. الوحدة الوطنية.. نحن أبعد عن أن ننزلق فى هاوية الفتنة الطائفية " .. وفى نفس الوقت وفى زاوية بعيدة من تلك القاعة يحتضن شيخ معمم أحد القساوسة أمام كاميرات التليفزيون وكأن شيئا لم يقع أو على الأقل أصبح كل شئ على مايرام , لنعود مرة أخرى إلى ما كنا عليه انتظاراً لحادث آخر مماثل يفاجئنا بعد أيام أو شهور !! الوطن بات كله " مصلوباً " ومواطنوه جميعاً أصبحوا "معتقلين " داخل جدران الخوف على مستقبل وطن بدأت تضيع ملامحه التي تشكلت فى وجداننا عبر عشرات بل مئات السنين .. ولنواجه أنفسنا بحقيقة مُرّة فالبعض يستهدف أن نُشكل من بيننا ميليشيات يقودها من يرتدي "الجبة والقفطانأو من يضمه الروب والفراجية" .. أن تصبح عمليات " تنظيف السلاح " من مفردات الحياة اليومية للمواطن ليحمي أسرته ويدافع عن حياته وحياة أفرادها .. أن يستبدل تلاميذ المدارس "المطواة " بالقلم مادام يفتقد من يحميه في ظل غياب الأمن وسكون الحكومة وسكوتنا نحن المواطنين عما يجري ويحدث !! أجراس الكنائس وآذان المساجد تبدلت وبدت كما لو كانت كلمة السر لبعض الأغبياء من الطرفين : ممن أطلقوا لحاهم باعتبارها صك الإيمان وآخرين توهموا أن الوقت قد حان ليعبروا عن أنفسهم باعتبار أنهم أصحاب الأرض وأن غيرهم ضيوف فى هذا الوطن لتنطلق فرق الإغتيال لتصفى وطن .. تجهض حلم شعب .. تخنق بسمة طفل يسأل ببراءة عن أسباب عدم إصطحاب صديقه إلى صلاة الجمعة أو دعوة صديقه له لمصاحبته إلى قداس الأحد !! حادث عابر فى إحدى قرى القليوبية قابل للتكرار فى أى لحظة غير أن البعض رأى ضرورة مقايضة " قميص احترق بوطن يُحرق " .. اختاروا أن يسكبوا مزيداً من البنزين على الرماد فربما يشتعل وينعكس ضوء لهيبه على وجوههم فيروها مواطنوهم ويتأكدوا من أنهم وحدهم أصحاب الكلمة في هذا الوطن الذي يسعى الأغبياء لإكسابه صفة "أنه كان آمناً " دون أن يدروا أن اليد التى تُشعل النيران هى أول ما يحترق !! أحداث عدة مماثلة جرت خلال الشهور الماضية أحدثت تجريفا واضحا فى هيبة الدولة .. هددت بإحراق الوطن بعد أن تنازل أصحابها طواعية عن مبادئ التسامح والعفو والمحبة التى تدعو إليها الأديان السماوية التى يغلق أصحابها دائرتها عليهم وحدهم باعتبارهم هم وحدهم المؤمنين أوأصحاب الرأى .. من تظاهرة القوة على شريط السكك الحديدية بقنا احتجاجا على محافظ دُق صليب على باطن ساعده ومرورا بأحداث أطفيح وإنتهاء بقميص دهشور جرفت أحداث الكثير من هيبة الدولة ومؤسساتها وسط سكون وسكوت من جانب أصحاب القرار وعقلاء الوطن عدا وعيد يكرر شرخ حنجرة مُطلقه بالحسم والمواجهة !! بالتأكيد لا أحد يريد عودة عصور الإعتقالات .. لا أحد يرغب في إستضافة "زوار الفجر " له .. لا أحد يتمنى أن تمتد يد بشريط لاصق يغلق به فمه .. أو بعصابة سوداء تتوحد مع جفونه كي لا يرى .. غير أن الأمر لا يحتمل أن نظل على ما اعتدناه : هادئين ولا أقول " وديعين" .. خجولين ولا أقول "منكسرين" .. شاخصين بأبصارنا ربما نرى في الأفق حلاً "إلهياً " ولا أقول ذائغي العينين مصدومين مما جرى .. الأمر ليس فيه أي تعقيد ..فترسانة القوانين كافية .. وقوة المواجهة بنصوصها القانونية رادعة فبالتأكيد لا أحد يرغب فى أن يشم رائحة احتراق وطنه بيد أي جماعة كبرت أو صغرت .. أو أن تتحول " مصر هي أمي " إلى مجرد رماد .... " اللهم أبلغت .. اللهم فشهد !! نقلا عن الأهرام