نظمت مكتبة الإسكندرية مساء الأحد الماضي لقاء بعنوان "تأملات في أيام الثورة من الشارع السكندري"، بمشاركة مجموعة من الباحثين والناشطين والإعلاميين الشباب من مختلف الاتجاهات. وقال الباحث السياسي علي الرجّال منسق اللقاء وأحد الناشطين السكندريين في ثورة 25 يناير، إن اللقاء يأتي في إطار سلسلة من اللقاءات التي ستنظمها مكتبة الإسكندرية والمعنية بالتأمل والنظر في الأحداث والتحولات والمشاهدات الشخصية والموضوعية في أيام الثورة، خاصة تلك التي لم يتم تسليط الضوء الإعلامي عليها أو لم يتم بحثها بالشكل الكافي، إضافة إلى بحث أفكار ورؤى حول مستقبل مصر. وتضمن اللقاء محورين، حيث شارك في الأول، الذي ناقش أحداث الثورة والدلالات السياسية والاجتماعية والثقافية لها وكيف انعكست أحداثها على السلوك والأفكار وبالعكس، مجموعة من الباحثين والناشطين السياسيين؛ وهم: إسماعيل الإسكندراني، وماهينور المصري، ومحمد سمير، وعبد الرحمن محمود. وأشار محمد سمير إلى أن ثورة 25 يناير رسخت قيمة العمل المشترك في مصر بين الأشخاص والتيارات التي تحمل توجهات سياسية وإيديولوجية مختلفة، لافتا إلى أن فشل الكيانات الحزبية في التحالفات قبل الثورة كان يرجع إلى إحساسها الوهمي بقوتها. وأضاف أنه قبل 25 يناير، لم يكن أحد يتوقع أن تأخذ الأمور منحى الثورة؛ إذ كان الكثيرون يعملون في إطار أنها فعالية أقوى من التظاهرات التي كانت تتم من قبل. ولفت محمد إلى أن فكرة التغيير كانت أقوى من الانتماءات الإيديولوجية للمشاركين في الثورة، مما أكسبها زخما كبيرا ووحد الجميع تجاه تحقيق هدف واضح ومحدد، مؤكدا على ضرورة استمرارية "الحالة" الراهنة من خلال إيجاد مشروع وهدف يعمل من أجل تحقيقه الجميع، حتى وإن اختلفت طريقة العمل نتيجة لاختلاف الإيديولوجيات. ونوّه إلى أن الثورة لم تنتهِ يوم 11 فبراير، الذي شهد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، كما أنها أعلى من أي شخص أو كيان يتحدث باسمها، مشيرا إلى ضرورة محاسبة المفسدين، ومواجهة الفساد المستشري في المحليات، مختتما حديثه بالقول إن الشعب أقوى من الجميع، وأنه على درجة كبيرة من الوعي بحيث لا يمكن لأحد خداعه. من جانبها، قالت ماهينور المصري إن الفساد استشرى في النظام السابق، مما كان يستلزم إحداث تغيير جذري في السياستين الداخلية والخارجية، إضافة إلى تغيير الأنماط والبنى الفكرية، وليس مجرد إجراء إصلاحات، وهو ما يتأتى من خلال الثورات. و عبّرت عن إيمانها بقوة الإنسان، لافتة إلى أنه قبل ثورة 25 يناير، كانت هناك ملاحم استطاع فيها الناس تنظيم أنفسهم دون قيادة في مواجهة النظام لتحقيق مطالب فئوية. و أكدت أن ثورة 25 يناير مازالت في بدايتها؛ حيث لم تتحقق الكثير من مطالبها، مضيفة أن من يصنعون نصف ثورة يحفرون قبورهم بأيديهم. ولفتت إلى أن الثورة فجرت طاقات الشباب الكامنة وزادت من إيمانهم بوطنهم، فهي حررت الذات من الخوف والأفكار الإيديولوجية وأسلحة النظام التي جمّدت عقول الشباب، ليكون تحرر الذات أساسا لتحرر الجماعة. إلا أنها شددت على أن تحرر الذات والجماعة ليس كاملا، كما أننا نحتاج إلى رؤى وأفكار مختلفة تكرس فكرة أننا قادرون على بناء مجتمع جديد. وأيدت ماهينور ما يطلق عليه البعض المطالب الفئوية، قائلة إن المطالبة بحد أدنى للأجور أو تغيير مجلس إدارة فاسد في مؤسسة لا يعد مطلبا فئويا. وفي ذات السياق، أشار عبد الرحمن محمود إلى أن الثورة لن تكتمل سوى بظهور نظام جديد؛ ليس فقط على المستوى السياسي، وإنما أيضا على مستوى البنى العقلية المقيدة التي أدت بالبعض إلى التمسك بتصورات معنية وبنى فاسدة؛ فمازال النظام السابق، وفقا له، يعمل من خلال إدراك المصريين وعقولهم. وأضاف أن الثورة يجب أن تكتمل في عقول الناس وأن يعلموا أنهم قادرون على إبداع نظم جديدة خارج سياق تلك القديمة التي حاول النظام السابق ترسيخها، منوها إلى أن ثورة 25 يناير كانت كاشفة لأوضاع المجتمع وقامت بفرز حقيقي لدور كل المؤسسات، كما أنها أسهمت في تغيير الأحزاب القائمة لتضبط "بوصلاتها على بوصلة الشعب، وليس النظام". وشدد عبد الرحمن على أن الكثير من الفساد تم تقنينه في السنوات الأخيرة، مما يخلق مشكلة تتعلق بكيفية محاسبة المفسدين. واتفق إسماعيل الإسكندراني مع المتحدثين في أنه مازالت هناك بقايا للنظام السابق، وأخطرها هي البقايا التي مازالت موجودة لدى كل فرد في المجتمع؛ حيث انعكست سلوكيات النظام السابق في الكثيرين. وأضاف أن الثورة أثبتت أننا كنا أسرى التصنيفات الإيديولوجية والسياسية والدينية، مما جعلنا ندور في دائرة مفرغة، داعيا إلى تجاوز التصنيفات. كما ألمح إلى أن ثورة 25 يناير أسقطت وهم أن الصراع الطبقي هو المحرك للثورات، إضافة إلى سقوط العديد مما أسماه الأوهام الأكاديمية والتنظيرية. وشهد المحور الأول من اللقاء العديد من المداخلات من الحضور، والتي دعت إلى: القضاء على الأمية، وتعزيز التوعية السياسية، والقضاء على البطالة، وعودة علماء مصر في الخارج لدعم البلاد في المرحلة المقبلة، وأن تكون الثورة في داخل كل شخص؛ حيث إن التغيير يبدأ من النفس، وتوحيد الأهداف نحو نهضة مصر، وتشكيل أحزاب تحوي أهداف الثورة. وفي سياق متصل، عقد المحور الثاني من اللقاء والذي تحدث فيه إعلاميون عن أهم مشاهداتهم أثناء ثورة 25 يناير واللحظات الحرجة والقاسية التي مروا بها والطرائف التي عايشوها أثناء تغطيتهم وأهم الصور التي التقطوها وما تحمله من معانٍ وأفكار . وأشار عبد الرحمن يوسف إلى أهمية الإعلام والكتابة في تشكيل وعي الجمهور، لافتا إلى أن ثورة 25 يناير هي ثورة الوعي. وأضاف أنه في الأيام الأولى من ثورة 25 يناير، وقبل يوم 28 يناير، كان الإعلاميون يعملون في إطار تغطيتهم لتحركات احتجاجية اكتسبت زخما، إلا أنه عقب ذلك مارس هو دور الصحفي والثوري في آن واحد؛ إذ كان ينقل الوقائع بصدق وموضوعية، وفي ذات الوقت يتظاهر مع المتظاهرين. وأكد عبد الرحمن أن المبالغة في الإعلام لا تفيد وإنما الموضوعية؛ حيث إن الإعلاميين يستهدفون عقل الشارع، والثورة أثبتت أنه لا يجب افتراض عدم وعي الناس. وقال إسلام أبو المجد إن التغطية الإعلامية المصرية والدولية للثورة المصرية كانت حيادية إلى حد ما، إلا أن الإعلام المصري الحكومي كان يهمش الثورة إلى حد كبير، ويطلق عليها لفظ الحركات الاحتجاجية. وأضاف أن بعض وسائل الإعلام حاولت استمالة الثورة من أجل مصالح ذاتية. ونوّه أحمد طارق، من جانبه، إلى أن نجاح الثورة لم يكن في تنحي الرئيس السابق، وإنما في تعزيز فكرة عدم الخضوع والانصياع للفساد والظلم، مشيرا إلى أن الثورة أدت إلى نشر أفكار غير مألوفة لدى الكثيرين، مما أدى إلى وجود المتشككين، وهو ما ينطبق على نظرية "نشر الأفكار المستحدثة"، داعيا إلى توعية هؤلاء. وأضاف أن الصحفيين لم يكونوا معتادين على خروج أعداد كبيرة في التظاهرات قبل يوم 25 يناير، وبالتالي حين اندلعت الثورة، كانوا يحاولون تقدير الأعداد الصحيحة للمتظاهرين من خلال حساب عدد الأشخاص في المتر المربع الواحد، وحساب الأمتار المربعة للمنطقة التي يتواجد بها المتظاهرون باستخدام برامج؛ مثل "جوجل إيرث". وأكد أحمد ناجي دراز على أهمية الصورة في التأثير، خاصة عقب حادثة خالد سعيد، مضيفا أن الصورة تأريخ لحياة البشر، كما أنها صادقة وتعضد الكتابة مثلما حدث حين تم نشر صور المسلمين الذين يحمون الكنائس والمعابد والمسيحيين الذين يدافعون عن المصلين. كما أن الصورة قادرة على إثارة حماس الجمهور، مثلما حدث لدى عرض صور شهداء الثورة، ولقطات لقمع المتظاهرين. وشدد على أن الصورة هي البطل الأساسي للثورة المصرية، وهو ما كان واضحا في حجم الصور التي تحويها الصحف، إضافة إلى عرض القنوات التليفزيونية للقطات آنية لأهم الأماكن التي كان يتظاهر فيها الناس دون تعليق؛ حيث كانت تلك اللقطات معبرة أكثر من الكلام.