وجد مجلس الشعب نفسه في مواجهة الحكومة بعد أسبوع واحد علي بدء انعقاده. فقد أثارت مذبحة ستاد بورسعيد قضية جواز استمرار الحكومة في انتخاب الرئيس أو إصدار الدستور أيهما أسبق. وأضيف مطلب تغيير الحكومة إلي قائمة المطالب التي يراها قطاع من المجتمع عاجلة. وأدي ذلك إلي تجدد الجدل حول سلطة مجلس الشعب وما إذا كان سحب الثقة من الحكومة يدخل ضمن صلاحياته. وأعيد خلال هذا الجدل إنتاج ما سبق أن أدلي به أحد أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وهو أن صلاحيات مجلس الشعب لا تشمل سحب الثقة من الحكومة. وانضم إلي هذا الرأي سياسيون ومثقفون, بل بعض أعضاء المجلس أيضا. وأصبح هناك اعتقاد شائع في أن سلطة مجلس الشعب في سحب الثقة من الحكومة لاتزال غائبة في الإعلان الدستوري الساري حاليا. ومن شأن شيوع هذا الاعتقاد أن يعفي مجلس الشعب من إحدي أهم مسئولياته الوطنية التي يستطيع القيام بها عند الضرورة أو إذا كان سحب الثقة من الحكومة هو الحل الذي لا بديل عنه. ففي امكان مجلس الشعب أن يتخذ إجراء ينطوي ضمنيا علي سحب الثقة من الحكومة أداء لوظيفته الرقابية المنصوص عليها في الإعلان الدستوري, ولكن تحت عنوان تقرير مسئولية رئيس الوزراء وفقا للمادتين243 و244 في لائحته. فالوظيفة الرقابية للبرلمان, أي برلمان, تشمل أدوات تبدأ بتوجيه سؤال إلي الحكومة وتنتهي عند الضرورة بالمطالبة بتغييرها بعد استجواب رئيسها. فيجوز لعشرة أعضاء علي الأقل في المجلس, بعد هذا الاستجواب, تقديم طلب بتقرير مسئولية رئيس مجلس الوزراء. ويجب علي رئيس المجلس عرض هذا الطلب لمناقشته. فإذا وافق أغلبية الأعضاء, تقوم هيئة المكتب بإعداد تقرير بما انتهي إليه المجلس في هذا الشأن, والأسباب التي استند إليها. ويقدم رئيس المجلس هذا التقرير بعد موافقة أغلبية الأعضاء عليه إلي رئيس الجمهورية. وبالرغم من أنه لا يوجد ما يلزم رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه بإقالة رئيس الوزراء, فليس هناك ما يرغم المجلس علي الامتثال لإرادته إذا كان واثقا في أن الاتجاه الغالب في الرأي العام يرفض استمرار الحكومة ويريد تغييرها. ففي هذه الحالة, يستطيع المجلس أن يصر علي موقفه واضعا الرئيس أو من يحل محله في موقف يفرض عليه إما التصرف وفق الأصول الديمقراطية وإقالة الحكومة أو الدعوة إلي استفتاء علي حل البرلمان بما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة بالنسبة إليه إذا كان هناك اتجاه قوي في أوساط الرأي العام لا يريد هذه الحكومة.فلن يكون الاستفتاء في هذه الحالة علي البرلمان فقط, بل علي الرئيس أو من يحل محله أيضا. فإذا رفضت الأغلبية حل البرلمان سيكون هذا اقتراعا ضمنيا ضد الرئيس أو من يؤدي دوره. فالقضية, إذن, ليست في وجود نص واضح ومحدد من عدمه, بل في طبيعة الموقف وسياقه والاتجاه الغالب في أوساط الرأي العام تجاه الحكومة. وليس واضحا الآن, وخصوصا بعد مذبحة بور سعيد ما إذا كان هناك اتجاه غالب في المجتمع يفضل تغيير الحكومة من عدمه. فالشواهد تدل علي تباين اتجاهات الرأي العام. فثمة اتجاه يري أنه ليس عمليا, ولا هو منطقي, تغيير حكومة لم يبق في عمرها أكثر من خمسة أشهر إذا كنا جادين في نقل السلطة قبل 30 يونيو المقبل. وثمة اتجاه يعتقد أن أداء الحكومة الذي بدا في اسابيعها الأولي أفضل نسبيا من سابقتها يتراجع علي نحو يفرض تغييرها. ويعني ذلك أن الفيصل في مسألة العلاقة بين مجلس الشعب والحكومة الحالية ليس تفسير نص المادة 33 في الإعلان الدستوري, والمادتين 243 و244 في لائحة هذا المجلس, بل في واقع الحال واتجاه الرأي العام. ففي امكان المجلس أن يتحرك من أجل تغيير الحكومة إذا كان هذا هو الحل الوحيد, ولا يمكن أن يعوقه في هذه الحالة عائق لأن دور البرلمان أي برلمان في هذا العصر معروف وصلاحياته في الرقابة والتشريع لا تختلف من بلد إلي آخر إلا في الممارسة وفقا لديمقراطية النظام السياسي من عدمه وحسب مدي حضور الشعب في المعادلة السياسية. فلم يعد في عالمنا الراهن برلمان يشبه مجلس شوري النواب, الذي قرر الخديو إسماعيل إقامته في أكتوبر 1866, وحصر دوره في المداولة في المنافع الداخلية والتصورات التي تري الحكومة أنها من اختصاصه). وقد تجاوزت مصر هذا الوضع منذ عام 1924, وأصبح فيها برلمان كامل الصلاحيات ولكن هذا البرلمان حرم فعليا من أهم اختصاصاته في العقود الأخيرة بسبب هيمنة السلطة التنفيذية عليه. فلم يختلف مجلس الشعب طول العقود الماضية عن مجلس الخديوي إسماعيل إلا علي الورق. فقد كفل الدستور لمجلس الشعب صلاحيات رقابية لم يمارس إلا أقلها بفعل نضال نواب معارضين حاصرتهم أغلبية صنعها التزوير ودعمها القمع المنظم. ولذلك لم يختلف فعليا عن مجلس الخديوي إسماعيل الذي أراده مكلمة للمداولة. غير أنه لا هذا المجلس كان برلمانا ينوب عن الشعب, ولا ذاك. فلا يكون المجلس نيابيا إلا إذا اقترن الكلام فيه بالفعل. ولا يكون للبرلمان من اسمه نصيب إلا إذا أدي الدور الرئيسي الذي ينتخب من أجله, وهو الرقابة علي السلطة التنفيذية. فهذه الرقابة هي وظيفته الأولي التي تتقدم علي غيرها الذي يأتي كله بعدها, بما في ذلك التشريع. ولذلك يستطيع مجلس الشعب تقرير مسئولية رئيس الوزراء والمطالبة بتغييره, ولكن بشرط أن يكون الاتجاه الغالب في الرأي العام راغبا في ذلك وأن يكون هذا هو الحل الحقيقي الذي لا غني عنه. نقلا عن الأهرام