سعر الدولار اليوم أمام الجنيه المصري.. ارتفاع مفاجئ في البنوك وعودة نشاط السوق السوداء    الأمم المتحدة: نساء وفتيات غزة يواجهن معاناة مُهينة تحت وطأة النزوح    العراق: جميع البعثات الدبلوماسية في بغداد آمنة ولا يوجد أي تهديد    الهند.. إلغاء 3 رحلات جراء حادث تحطم طائرة الركاب    مصدر بالزمالك يكشف ليلا كورة تفاصيل أزمة أحمد حمدي.. وعقوبة تنتظر اللاعب    نجم ريال مدريد على أعتاب ميلان    محافظ كفرالشيخ: رفع درجة الاستعداد القصوى لضمان انتظام امتحانات الثانوية العامة    ننشر أقوال متهم بدهس 3 أشقاء أثناء عبورهم طريق الأوتوستراد بمدينة نصر    تسليم عروس الشرقية القاصر لوالدتها وأخذ التعهد بعدم زواجها قبل بلوغ السن القانوني    الخميس المقبل.. قصور الثقافة تقيم معرض مراسم بني حسن بالهناجر    عبد الصادق يتابع مستجدات مشروع الإسكان ويصدر حزمة قرارات لدفع معدلات التنفيذ وتسريع التسليم"    الوداد يعزز صفوفه بضم عمر السومة استعدادًا لكاس العالم للأندية    ميسي يعود إلى ميامي استعدادًا لمواجهة الأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية    ننشر تفاصيل لقاء الهيئة البرلمانية لدمياط مع وزير الشباب والرياضة    رئيس الوزراء يتابع خطط التوسع في مشروعات تحلية مياه البحر    الزراعة الذكية في مواجهة المناخ: ندوة بالوادي الجديد تدعو لدمج التكنولوجيا لتحقيق الأمن الغذائي    مدير تعليم القليوبية لمصححى الشهادة الإعدادية: مصلحة الطالب أولوية عظمى    ضبط 93.850 ألف لتر مواد بترولية بحملة تموينية بكفر الدوار    هل تخصيص قطعة أرض مميزة بالبحر الأحمر يعني بيعها؟ "المالية" تكشف التفاصيل    إزالة 215 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية بالمنيا    متحدث مجلس الوزراء: حفل افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون على مستوى عالمي    وزير الصحة يبحث مع شركة "MSD" تعزيز التعاون    محافظ المنوفية يعلن تدشين قافلة طبية للكشف المبكر وعلاج الأورام بالمجان    الثانوية العامة 2025.. 6451 طالبا يؤدون الامتحانات داخل 18 لجنة ببورسعيد    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    تامر حسنى وديانا حداد نجوم أحدث الديوهات الغنائية    "كنا بنربيه عشان يسد اللي عليه".. مقتل شاب بعد وصلة تعذيب في الوايلي    مفاجأة.. شكوك تحيط بمستقبل دوران مع النصر    ضبط 233 قضية مخدرات وتنفيذ 53 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    تجارة أسيوط تكرم عمالها تقديرًا لعطائهم وجهودهم المخلصة    خلال لقائه مع مبعوثة الاتحاد الأوروبى.. وزير الخارجية يؤكد على ضرورة الحفاظ على استقرار الممرات الملاحية الدولية    انقطاع كامل خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة في قطاع غزة    سعر اليورو اليوم الخميس 12 يونيو 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    عبد الرحيم كمال رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة ممدوح الليثي ب «الإسكندرية السينمائي»    وزير الثقافة يفتتح المعرض الاستعادي للفنان الراحل أشرف الحادي بعنوان «الفنان النبيل»    موعد مباراة الأهلى ضد إنتر ميامى في افتتاح كأس العالم للأندية    «ماضيين إيصالات أمانة».. المجلس القومي للطفولة والأمومة يُعلق على واقعة زفاف الشرقية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    منظمة الصحة العالمية: رصد متحور كورونا جديد بصورة متقطعة في ألمانيا    صينية تحاول اقتحام منزل جونجكوك بعد ساعات على تسريحه من الخدمة العسكرية    برئاسة السيسي وولي العهد.. تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    بعد واقعة عريس متلازمة داون.. طبيب نفسي يوضح الحالات التي يُمنع فيها الزواج    الغفوة الصباحية بين الراحة الوهمية وتشويش دورة النوم.. ماذا يقول العلم؟    أقرب رفيق.. برقية تهنئة من زعيم كوريا الشمالية لبوتين بمناسبة يوم روسيا    كل ما تريد معرفته عن نظام المنافسة فى كأس العالم للأندية 2025    قرار جمهوري بالموافقة على تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي، اعرف التفاصيل    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    آكسيوس: نتنياهو يطلب وساطة أمريكا للتوصل إلى اتفاق مع سوريا    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفد : »الرئيس الكذاب«.. نموذج غير مسبوق في تاريخ مصر
نشر في المراقب يوم 07 - 06 - 2011

في حادث المنصة في السادس من أكتوبر 1981 اختفت قيادات النظام الحاكم تحت الكراسي، وواجه السادات مصيره في مشهد يجذر لبزوغ خلفه من تحت الكراسي ولتشكيل إحدي أهم سماته، وهي الخداع والمناورة والكذب.
ومن المثير للدهشة أنه بعد اغتيال السادات بأيام وقبل حتي أن يقسم مبارك اليمن الدستورية نشرت إحدي الصحف الأمريكية كاريكاتيرًا يصور الرئيسين عبدالناصر والسادات، ومعهما الرئيس القادم مبارك في سيارة يأمر الأول سائقها بالاتجاه يسارًا، ويأمره الثاني بالاتجاه ناحية اليمين فيما يأمره مبارك بالدخول في الجراج.. ومن يومها أدخل مبارك مصر إلي الجراج. ومن المدهش أن تكون هذه هي الرؤية الأمريكية لمبارك قبل توليه الرئاسة رسميا فيما استغرقت المسألة وقتًا طويلاً في مصر بسبب نهجه في الخداع والمناورة والكذب الذي سلكه مع الشعب الطيب.
فقد رفع مبارك في بداية عهده شعار »طهارة اليد« وشهد البلد في فترة حكمه فسادًا ونهبًا منظمًا للثروات لم يشهده في عصر المماليك، وشعار »لا أحد فوق القانون« وتم الفساد والنهب وهروب رجاله أمام أعين القانون الذي لوي ذراعه في الانتقام من معارضيه واستخدم ضدهم أساليب البلطجية، وشعار »الكفن ليس له جيوب« وتبين أن له أنفاقا.. وشعار »لن يقصف قلم ولن تغلق صحيفة«، وتم التنكيل بصحفيين، وإغلاق صحف، وشعار »أزهي عصور الديمقراطية« وفي ظله شهدت البلاد التزوير في أسوأ عمليات تزوير لإرادة الأمة، و»احترام أحكام القضاء«.. وداس علي كل الأحكام المتعلقة بمصالح الناس، وشعار »نزاهة الحكم«. فكانت أعمال السرقة غذاء نظامه اليومي، وشعار »الحفاظ علي سيادة البلاد« فسمح بالتدخل الأجنبي ووقع نظامه اتفاقيات تمس السيادة وتهدر الثروات، وشعار »أهل الخبرة« فاعتمد علي الجهلاء والفاشلين وعديمي الموهبة والابداع، وشعار »الوفاء لرموز مصر« فسجن الفريق سعد الدين الشاذلي ونكل بآخرين، وقال: »مصر ليست سوريا« وجهز نجله جمال لوراثة مصر، وأخيرًا قال: »التغيير سنة الحياة.. وسأكتفي بمدة رئاسية واحدة أو مدتين علي الأكثر«.. ولا تعليق.
رفض مبارك المساس بالمادة الثانية من دستور 1971 بشأن اعتبار »مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيا من مصادر التشريع«، ولم يكن ذلك سوي غطاء للتنكيل بأقوي جماعات المعارضة في الشارع جماعة الإخوان المسلمين، وأعلن في فبراير 2005 تعديل المادة 76 بشأن انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح في اقتراع مباشر وتمت صياغة التعديل بشكل لا يسمح سوي بانتخابه وتوريث نجله رئاسة مصر، وادعي الحرص علي حق المواطن في العلاج علي نفقة الدولة وتطوير التأمين الصحي فساءت حالة المستشفيات العامة وتوسع في إنشاء المستشفيات الخاصة، وزعم الحفاظ علي مجانية التعليم فتقلصت المدارس الحكومية وتوسع التعليم الخاص من الابتدائي حتي الجامعي، وأنفق مليارات علي مشروع توشكي بحجة زيادة الرقعة الزراعية وتم في عهده أوسع عمليات البناء علي الأراضي الزراعية لتحقيق ثروات خيالية، وأصاب الناس بالملل من حديثه عن رعاية محدودي الدخل فسرقت حكومته أموال التأمينات وألغت الدعم وتلاشت الطبقة المتوسطة وارهق شعبه بالضرائب، وتظاهر بالحفاظ علي حقوق العمال فاعتمد رجال الأعمال العقود المؤقتة والتهرب من التأمين علي العمال، وفرض المعاش المبكر علي العمال، ودخل حيز البطالة سبعة ملايين مواطن، واعتبر نفسه قائد مسيرة التنمية فبات 40٪ من الشعب يعيش تحت خط الفقر، ووضع نهر النيل ومياهه علي رأس أولوياته فتمت في عهده أوسع عمليات ردم في طرح النهر ومجراه لتشييد القصور، وصرخ بالانتماء والهوية العربية لمصر فتآمر مع الولايات المتحدة وإسرائيل علي العراق مرتين عامي 1990 و2003، وانخرط في محاولة تقسيم اليمن عام 1995، وضرب المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين، وفرط في أمن مصر القومي من جهة الجنوب.. في السودان وبضرب علاقات مصر مع دول حوض نهر النيل، وصادق إسرائيل وتنازل وزير خارجيته أحمد أبوالغيط عن حقوق الشهداء في جريمة قتل الأسري، واعتبر المقاومة ارهابًا، واحتلال »العراق« تحديرًا وسمح بانتهاك السيادة وخطف القذافي المعارض منصور الكخيا من القاهرة عام 1990.
إن قراءة دقيقة في معايير الحراك الاجتماعي والوظيفي وآليات الفرز في المجتمع - في كافة المجالات - خلال عهد مبارك تستدعي إلي الذاكرة نفس المعايير والآليات التي انتهجها الخديو توفيق قبل الثورة العربية للتحضير للاحتلال البريطاني لمصر 1882 ثم لوأد أي محاولة لتكرار الثورة بعد اجهاضها، حيث اعتمد توفيق توثيق الروابط مع بريطانيا ومحاكمة الثوار ومطاردتهم، والولاء له وللاحتلال معيارًا لتوزيع أجود الأراضي الزراعية المصدر الرئيسي للثروة والنفوذ في تلك الأيام.
ولوصول مصر إلي هذه النقطة الباهتة في تاريخها فقد تعددت أساليب مبارك ونظامه، فقد اعتمد سياسة »تجفيف المنابع« للحؤول دون ظهور بديل محتمل أو قيادات شعبية مستقلة عن نظامه، وانتقلت هذه السياسة من قمة رأس الدولة إلي كافة المؤسسات العامة التي تحولت بدورها إلي اقطاعيات، وطالت هذه السياسة النقابات العمالية والمهنية بل ومنظمات غير حكومية وفوق ذلك الأحزاب السياسية المعارضة التي لم تعد في معظمها جزءا من نظامه بل منفذ أمين لسياسته تلك.
وبلغت المأساة ذورتها بأن أصبح المتضررون »الضحايا« في هذه المؤسسة أو تلك يطالبون ببقاء »رئيسها« أو مديرها أو نقيبها بحجة عدم وجود البديل الذي وأد هذا الرئيس أي محاولة لظهوره وحجب عنه كل الفرص ومارس حياله القهر لإبعاده، ولم تعد هناك جماعة واحدة محظورة في البلد »حالة جماعة الإخوان« بل باتت هناك جماعات سياسية وفئات وطبقات محظورة ومحاصرة بقوانين استثنائية وإجراءات ملتوية بضمان البقاء باستخدام و»تشجيع« كل أدوات وآليات الفساد والافساد، ومنها قرارات »المد« »البقاء« في المنصب فوق سن التقاعد في مجتمع بلغ فيه من تقل أعمارهم عن 30 عامًا نحو 70٪ من عدد السكان، بل تفشت ظاهرة الاستدعاء من التقاعد لشغل مناصب في أجهزة السلطة.
ولم تشهد مصر اقالات من الوظيفة العامة لمن سرقوا ونهبوا واهانوا الشعب وبددوا ثرواته، فقط اقالة من استشعر مبارك نحوهم خطرًا شخصيا علي بقاء نظامه أو تهديد استقراره أو مشروعه لتوريث الحكم أو شعبيته مثل المشير عبدالحليم أبوغزالة واللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق أو حسب الله الكفراوي وزير الإسكان والتعمير الأسبق، أو عمرو موسي وزير الخارجية الأسبق أو كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء الأسبق، كما أقال من مس به شخصيا، »حالة اللواء زكي بدر وزير الداخلية الأسبق« أو تسبب له في فضيحة دولية »حالة وزير الداخلية الأسبق محمد حسن الألفي في حادثة الأقصر عام 1997« وحالة رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران الأسبق محمد فهيم ريان بعد حادث سقوط الطائرة المصرية في تونس«، أما رجاله من الخارجين علي القانون فقد وفر لهم مبارك« الحصانة »بوسام الجمهورية« أو بعضوية المجلسين النيابيين.
ومن ثم لم تعد الكرامة أو النزعة الوطنية شرطًا من شروط تولي الوظيفة العامة في عهد مبارك، بل تعرض من يتحلي بتلك الصفات لعمليات منظمة لتشويه السمعة والاغتيال المعنوي وتدبير المؤامرات ولاختلاق اتهامات تراوحت بين الدعارة وبين قلب نظام الحكم!، كما لم تعد المبادرات الشخصية والشهامة والبطولة محلاً للتكريم من قبل نظامه بل هدف للقتل في النفوس »تجاهل علاج طالب بالأزهر بترت ساقاه في محطة قطار دمنهور حين حاول التقاط طفل من السقوط تحت عجلات القطار علي نفقة الدولة كنموذج«، والتباطؤ بعد اضطرار لتكريم شخصيات مرموقة دوليا »حالتا أحمد زويل ومحمد البرادعي«، و»في نفس السياق« أغدق نظام مبارك علي من قدم عملاً جليلاً لخدمة آمنه وتجاهل ضحايا فساده، ففي عام 1993 - علي سبيل المثال - منح رجال مبارك مواطن »صاحب معرض سيارات« 30 ألف جنيه مكافأة لارشاده عن عناصر من الجماعات الإسلامية، ونشر الخبر في الصحف القومية علي مساحات واسعة وبجواره خبر بسطور قليلة حول منح وزارة الشئون الاجتماعية 500 جنيه للقتيل و300 للمصاب في حادث انهيار صخور من المقطم، فكانت الرسالة للمواطنين هي أن عملك في خدمة أمن النظام يمنحك 30 ألف جنيه أما انهيار صخور جبل المقطم علي رأسك فليس لك لديه سوي 500 جنيه.. للورثة!.. وادعي احياء البرنامج النووي السلمي وفي الخفاء بدأت عصابة نجله الاستيلاء علي الأراضي المخصصة لإنشاء مفاعل نووي.
وفي هذا السياق أيضا باتت جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية تمنح علي أساس الولاء والثقة، فأحجمت شخصيات محترمة عن الترشيح فقد أصبحت تلك الجوائز مكافأة لخدام النظام مثلما باتت مناصب المحافظين ورؤساء المدن مكافأة التقاعد، أما باقي الشعب فهو بالنسبة لمبارك ونظامه عبارة عن أفواه تحتاج إلي إطعام.
وكنتيجة لتصميم نظام كهذا بهذه الكيفية عرفت مصر »اللوبيات« »المافيات« في السلطات والمؤسسات وعانت من سطوتها، فشاعت - عند الضرورة والاضطرار - ظاهرة التسويات خارج القانون، وخضع ضحايا نظام مبارك ورجاله تحت التعذيب البدني والنفسي، والقوة الغاشمة فأسر قتلي في جرائم ارتكبها رجال مبارك أجبروا علي القبول بتسويات خارج القانون.
لضمان استمرار النظام ولتوفير الحماية لرجاله شهدت مصر خلال 30 عامًا إلي جانب القمع صدور كمية من القوانين المقيدة للحريات بكل أشكالها مثل القانون 114 لسنة 1983 الخاص بانتخابات مجلس الشعب وقوانين تعديل الدوائر الانتخابية والتعديلات الدستورية، والقانون رقم 88 لسنة 1986 ورقم 97 لسنة 1992 والقانون رقم 100 لسنة 1993 الخاص بالنقابات المهنية ورقم 93 لسنة 1995 بشأن الصحافة ورقم 84 لسنة 2002 بشأن إنشاء الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.
وانسدت بذلك فرص التعبير عن الرأي، وإن مورس فسياسة القتل بالاهمال موجودة. كما أحال نظام مبارك الصراعات في المجتمع إلي صراعات داخل قوي المعارضة وبين بعضها البعض، وصراعات داخل النخب السياسية والثقافية في تطبيق أمين لمدرسة السادات السياسية لكي ينشغل الناس بتلك الصراعات بعيدًا عن مبارك ورجاله.
أما الضمانة الكبري للبقاء والاستمرار والحصانة فكان اختراع »التوريث«، فمنذ اطلق مبارك تبريره - في حديثه لمجلة المصور في أكتوبر 1997 - لجريمة نجله جمال ببيع ديون مصر بأنه يساعده واعتبار هذه الجريمة عملاً مشروعًا انطلق رجاله يعيثون فسادًا في مؤسسات الدولة تجريفًا وتوريثًا.
لو أن هناك وصفًا يمكن اطلاقه علي عصر مبارك بكل هذا الكذب والخداع فإنه »عصر البجاحة والصفاقة«، حديث متكرر عن القيم وهو أول من ينتهكها.. يرفع شعار محاربة الفساد ويسهل الانحراف.. ويهدد الفاسدين ثم يتقاسم هو وأولاده معهم الغنائم.. يعلن ايمانه بالشباب ويؤبد في السلطة ويورثها لنجله، وإيمانه بوجود قيادات وطنية ويعلن أنه لا يجد شخصًا في 80 مليون مصري يصلح نائبًا للرئيس.. ويتعهد بضخ دماء جديدة في أجهزة الدولة ثم يسد شرايينها.. ويتعهد بضمان حقوق الإنسان وتمارس أجهزة أمنه الشخصي القتل خارج القانون.. ويفاخر بحرية التعبير ويحبس أصحاب الرأي.. ويطالب بتقنين الحج والعمرة بدعوي وقف استنزاف رصيد الدولة من النقد الأجنبي ويهرب هو ورجاله ثروات مصر للخارج في بنوك سويسرا وبريطانيا وأمريكا والسعودية. ولعل الدرس المستفاد من عصر مبارك عند العمل علي بناء الدولة الوطنية الحديثة هو عدم السماح بتكرار هذا النموذج الذي غابت فيه »المواقف المعيارية« التي يقاس بها ويقاس عليها الصواب - من الخطأ - وسلامة القصد من سوء النوايا، حتي لا يصبح الانتماء الوطني أو الخيانة وجهة نظر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.