تقدم الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة كل يوم. بل ربما كل ساعة. دليلاً جديداً علي أنها غير جادة في محاولة الوصول إلي سلام من أي نوع ولا بأي درجة مع الفلسطينيين المستميتين من أجل هذا السلام حتي لو كان اسماً بلا مضمون!! فها هو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلن منذ أيام أنه علي استعداد لتجميد مؤقت قصير الأمد للاستيطان مقابل أن يوافق الفلسطينيون علي الاعتراف بإسرائيل دولة خالصة لليهود. وها هي حكومته التي تضم بين جنباتها كثيرين من مجرمي الحرب توافق علي قانون جديد للمواطنة يفرض علي عرب فلسطين أن يقسموا يمين الولاء لإسرائيل بوصفها دولة يهودية إذا أرادوا أن ينعموا بالجنسية الإسرائيلية. وها هو أفيجدور ليبرمان وزير خارجية الدولة الصهيونية يواصل تصريحاته التي تشكِّك في إمكانية الوصول إلي اتفاق مع الفلسطينيين حتي لو اعترفوا بيهودية إسرائيل قبل عدة عقود قادمة!! من جانبهم يواصل المستوطنون اليهود اعتداءاتهم علي الأرض والشعب الفلسطيني في كل مكان من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة تحت سمع وبصر الحكومة التي يتفاوض معها الفلسطينيون. ولماذا لا يحدث هذا إذا كانت الحكومة ذاتها تفعل ما هو أكبر حيث تصرح كل يوم ببناء مستوطنات جديدة أو ببناء وحدات سكنية جديدة لتوسعة المستوطنات القديمة تحت راية النمو الطبيعي لهذه الكيانات المصطنعة علي أرض فلسطين. أو تتكفل هي ببنائها بينما تهدم بيوت الفلسطينيين جهاراً نهاراً!! والغريب وإن كان لم يعد هناك غريب في عالمينا العربي والإسلامي أن تجتمع القمة العربية الطارئة في سرت بليبيا منذ أيام لمناقشة الموضوع ضمن موضوعات أخري فتخرج بقرار يكرِّس الضعف العربي وهو إعطاء للولايات المتحدةالأمريكية مهلة جديدة لمدة شهر تحاول خلاله دفع عملية التفاوض بين الجانبين. هكذا فقط دون التلويح بأي إجراء آخر إذا مر الشهر دون أن تتمكن واشنطن من إقناع إسرائيل بمواصلة التفاوض و الضغط علي الفلسطينيين لقبول التفاوض دون تجميد للاستيطان لمدة شهر أو شهرين!! وللأمانة نذكر أن البعض قد لوَّح بشكل غير رسمي بإمكانية اللجوء لمجلس الأمن من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد في حالة فشل الولاياتالمتحدةالأمريكية في إقناع إسرائيل أو إرغام الفلسطينيين علي مواصلة التفاوض. وكأن مجلس الأمن هذا جهة محايدة يطبق القانون الدولي بأمانة ونزاهة وليس إدارة أمريكية تأتمر بأوامر ساكن البيت الأبيض. أو كأن الموقف الأمريكي حينئذ سيكون مؤيداً للحق الفلسطيني أو علي الأقل محايداً وهو أمر دلت الأحداث الفعلية علي مدار أكثر من نصف قرن أنه شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً علي الإطلاق. وبفرض صدور مثل هذا القرار من مجلس الأمن الموقر فهل يبقي مثل غيره من عشرات القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية حبراً علي ورق تدوسه إسرائيل بأقدامها. أم أن الحالمين العرب يتصورون أنه بالإمكان إدراج هذا القرار تحت البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز للمجتمع الدولي تنفيذه بالقوة كما حدث مع دول أخري هي بالضرورة عربية أو إسلامية وحسب. وبفرض أن القرار قد صدر علي هذا النحو الأبعد من المستحيل فأي قوي دولية ستشارك في تنفيذه بالقوة بينما الصهيونية العالمية تمسك برقبة معظم حكومات الدولة النافذة في هذا العالم الذي لم يعد يعرف للحق قيمة. بل لم يعد يعرف إلا لغة المصالح والقوة والمعروف أن العرب والمسلمين بعيدون كل البعد عن استخدام أي من الورقتين ربما بسبب عدم القدرة أو حتي عدم الرغبة أصلاً في استخدامهما. إن الجامعة العربية بموقفها الضعيف هذا ربما تعطي المعارضين للتفاوض دليلاً ملموساً علي أنها ليست سوي غطاء عربي للفريق المستميت من أجل التفاوض في السلطة الفلسطينية امتثالاً للإملاءات الأمريكية التي تستهدف بالأساس استهلاك مزيد من الوقت حتي تتمكن إسرائيل من استكمال مخططها للاستيلاء علي ما تبقي من الأراضي الفلسطينية وحينئذ تنتهي القضية ذاتها حيث لن يكون هناك ما يتفاوض عليه أصلاً!! وقد يري البعض أن الجامعة التي يعكس موقفها موقف الدول العربية ذاتها. ليس لديها ما تفعله غير ذلك ولكن هذا ليس صحيحاً بالمرة إذ أن لديها إذا صدقت الدول العربية أوراقاً أخري كثيرة منها إعلان سحب المبادرة العربية القتيلة لدفنها في مقابر العرب. ومنها مقاطعة إسرائيل ومنها التهديد بسحب الاعتراف بإسرائيل ومنها التأثير علي المصالح الأمريكية الكثيرة جداً بالمنطقة وهكذا. ورغم ذلك فلننتظر ماذا سوف يحدث خلال هذا الشهر فمدة ثلاثين يوماً ليست مدة طويلة فقد انتظرنا أكثر من 60 عاماً كاملة حتي يتكرم علينا العم سام بحل للمعضلة التي كشفت عوراتنا للعالمين.