إذا حقق العمل الفني الغرض الذي صنع من أجله. اذن فقد نجح.. و"ابن القنصل" وفر جرعة الضحك كما يتوقعها المتلقي. وسلّي جمهور الصالة. وخرج الجميع في حالة من الانبساط.. كيف حقق ما حققه؟ قدم المؤلف أيمن بهجت قمر تمثيلية تختبئ في ثناياها أسرار وخدع يتم الكشف عنها في مواقف عولجت بذكاء يسمح لكل الضالعين فيها باستغلال مهارته بخفة تخدم الهدف وتحرك الشهية للضحك.. والمخرج عمرو عرفة في هذه المواقف باعتباره المايسترو أضفي الكثير من الحيوية والحركة السلسة عبر توجيهه الحساس واللاقط لآلية توليد الضحك وذلك عبر المفارقات في الأداء. وعكس الأدوار. وأيضاً الفهم لطبيعة السخرية الكامنة في تركيبة الدور المزدوج لكل شخصية.. مدير التصوير محسن أحمد فتح شهية العين "إذا صح التعبير" من خلال اختيار مدهش لملامح الإسكندرية وتأكيد شخصيتها بل وتقديم من خلال المشاهد المختارة شهادة مرئية لمدي التميز والجمال المتفرد لهذه المدينة التي أعادت إليها السينما في الفترة الأخيرة وضعها الأثير كعروس للبحر المتوسط.. وحين تسكن الأذن وترتاح لسير الحكاية ووقع الحوار وتنتعش الروح المعنوية بفعل التفاعل مع عدد الشخصيات التي تتحرك داخل العالم المصنوع علي الشاشة. وتجد أن صنَّاع العمل لم يخيبوا آمال الجمهور اذن نحن أمام عمل مسل نموذجي يضم الحدوتة. والشخصيات والضحك علي ذوق ومزاج الغالبية من الجمهور المصري. كما يضم "الأكشن" الذي يحتاج مصمم معارك.. اذن كل العناصر المسلية متوفرة. الحدوتة تنبع حدوتة "ابن القنصل" من صميم الخيال الشعبي الدارج والتقليدي الذي يبتهج أمام الفهلوة. والنكتة اللفظية. وفيض العواطف "السنتمنتالية" أي التي ليس لها معادل موضوعي يستدعيها بهذا الفيض. علي سبيل المثال. بكاء "سليمان عيد" حين يتم الإفراج عن "القنصل" "خالد صالح" بعد ثلاثين سنة سجنا ويستعد للرحيل تاركاً زملاء الزنزانة. وبدلاً من السعادة وتبادل التهاني يبكي الزميل ويصيح هذا "ظلم.. ظلم" فمن الطبيعي هنا أن يضحك الجمهور أمام انقلاب الحال وحدة المفارقة بين موقف يستدعي الفرح بينما يواجه بردود فعل باكية تري في خروج السجين "ظلم". وكثير من المواقف الأخري تستشعر من خلالها الحس المصري الشعبي الأصيل عند أيمن بهجت قمر ليس فقط فيما يكتبه للسينما وإنما أساساً في تأليفه للأغاني. وفي هذا العمل يدمج الأغنية والرقصة مع خفة الأداء في مشهد يجمع بين خالد صالح وغادة عادل يفيض بالبهجة والتهريج والحس الساخر. والنكتة المبطنة. وفي حركة الكاميرا المرحة.. وهنا أيضاً في نفس هذا المشهد الراقص الذي يتم داخل شقة "ابن القنصل" نشعر بقدر كبير من الانسجام بين العناصر المرئية والسمعية المكونة للمشهد وبين عنصري التأليف والاخراج ومدير التصوير ومؤلف الموسيقي. والمشهد نفسه نموذج لمفهوم التسلية "entertainment) التي يتوقعها دافع التذكرة ويشعر بأنه أخذ حقه "تالت ومتلت" من صنَّاع العمل. وهي تسلية حميدة وبلا إسفاف. هذا النوع من التسلية لا يتطلب من المتفرج أدني جهد. فهو مجرد متلق سلبي. يستقبل وينفعل ويضحك ولا يحتاج جهد التأمل أو التفكير أو الانغماس في مشكلة من ركام المشكلات التي يجود بها الواقع ويصطدم بها في تفاصيل حياته اليومية.. فنموذج "ابن القنصل" الفيلم. يعتبر تميمة لسد الفراغ علي نحو حميد وايجابي في نفس الوقت. فالفيلم لا يعكر صفو التقاليد ولا الأجواء المحافظة حتي في رسمه لصورة المتدين المضلل المنتمي إلي جماعة "إسلامية" مزيفة. ولا عندما يقدم صورة الغانية التي لعبتها غادة عادل في "التمثيلية" التي تلعب فيها أكثر من شخصية. وغادة في هذا العمل تضيف إلي "ألبوم" عملها الفني. صورة أخري لجانب من مهاراتها التمثيلية بعد "شقة مصر الجديدة" و"ملاكي اسكندرية".. فهي لا شك موهوبة واضافة ايجابية للثروة الفنية التي تملكها السينما المصرية.. نلاحظ أن ممثلات السينما المصرية الموهوبات قد تتفوقن علي نظرائهن من الرجال. الحدوتة هذه الخيالية بعيدة الاحتمال والتصديق أسكنت الممثلين في أدوار لعبوها باحتراف فسكنوا بدورهم في المستوي المناسب النفسي والمزاجي لطبيعة الدور والشخصية التي يلعبونها.. خالد صالح المزور القدير والخطير للوثائق الذي خرج من السجن بعد سنوات طويلة لا يعرف أين سيذهب. فيتلقفه شاب ملتح يدعي أنه ابنه. فيوفر له المسكن والمأكل . بعد أن يضيق به الحال. ويفتح له الباب الخلفي لممارسة الجنس عبر الكمبيوتر دون أن يترك له الفرصة للدخول. مما يفتح الباب للسخرية والمفارقة التي تزداد سخونة حين يأتيه من هذا الباب نفسه غانية فاتنة لم يسمح له الابن أن يقترب منها حسب خطة مرسومة.. السجين الخارج من السجن يلتقي بماضيه. بالصديق الذي خانه. والمرأة التي باعها. والكنز الذي لم يستطع استعادته.. وحتي الجنس الذي حُرم منه وأراد أن يمارسه بشكل أو بآخر وهو في صحبة الغانية. كما يتضح في نهاية الفيلم اتفقت علي حصاره وأحكام الخناق عليه بخدعة الابن المزعوم الذي اتضح أنه ليس ابنه. وأنه ليس عضواً في جماعة الإرهابيين لأنهم في الحقيقة ليسوا جماعة ولا هم إرهابيون وإنما اصدقاء هذا الشاب الذي ادعي ذلك لأسباب تدخل في خطة الانتقام التي دبرتها المرأة التي أهانها وتخلي عنها والتي لعبت دورها سوسن بدر كضيف شرف بمهنية عالية. الفيلم كما أشرت في البداية أقرب إلي التمثيلية الفكاهية المحكمة التي تعتمد علي تركيبة "اللغز" وحبكته حيث يتم الكشف عن غموضه في النهاية والتي تتجسد من خلال مشهد استعراضي ظريف علي شاطئ الإسكندرية. حين تجتمع كل العناصر التي تضافرت ونسجت ألعابها حول الشخصية المحورية "القنصل" الذي لعب دوره خالد صالح بينما يتفهم تماماً طبيعة الدور وجوهره الساخر الطريف. وكذلك طبيعة المظهر "الاسطوري" الذي تستدعيه الشخصية شبيهة الحاوي. أو الساحر العجوز. أو حتي "الجني" الذي خرج من القبو "الزنزانة" وقد فقد مهاراته وارتعشت أصابعه. فوقع في "الشرك" الوهمي الذي نصبه من يتلقفه وهو خارج لتوه إلي دنيا النور. وإلي المدينة التي كانت مسرحاً لخطاياه في حق الصداقة والعاطفة والرجولة و.. الخ.. استعاد أحمد السقا في دورية "عصام. وناصر السماك" لياقته المعنوية والتمثيلية في أدائه للشخصيتين.. في الشخصية الأولي "عصام ابن القنصل" تقمص ملامح شخصية المتدين المتطرف. المغسولة دماغه من قبل الجماعات "الإسلامية". فأطلق اللحية وارتدي الجلباب. والطاقية وأخضع سلوكه إزاء الأب لمبادئ الدين الذي يوصي بالوالدين. فأطاع وأكرم وتقرب إلي القنصل عاطفياً. وأخيراً يتضح أن هذا المظهر ليس سوي "قناع" وحين يخلعه تظهر حقيقته وحقيقة الدور الذي أسند إليه انه "ناصر السماك" زوج "بوسي" التي لعبت دور الغانية!! و"بوسي" نفسها ابنة المرأة التي أزلها القنصل في شبابه "سوسن بدر". كل الممثلين في هذا العمل كانوا يلعبون ادوارهم وهم يضعون الأقنعة فهم ليسوا شخصيات حقيقية والمهارة المطلوبة هي فقط إحكام القناع أمام الحاضرين في صالة العرض.. كل اللعيبة في هذه التمثيلية ادركوا كنه الأدوار التي يؤدونها والهدف منها. خالد سرحان وهناء عبدالفتاح وضياء الميرغني وسليمان عيد . التمثيلية الفكاهية كما تجسدت في شريط ابن القنصل تضمنت مشاهد "بهلوانية" "جرافيك" نفذت بطرافة فيما يشبه النكتة البصرية واشير إلي مشهد "الكرسي المتحرك" الذي جلس عليه صديق عادل القنصل "هناء عبدالفتاح" وكان دوره أن يلعب دور المصاب بجلطة في المخ أقعدته علي المقعد المتحرك. ثم اتضح أنه عجوز متصاب ومتزوج من امرأة في سن ابنته. * ابن القنصل في الخلاصة الأخيرة. شريط ترفيهي ظريف. تمت حياكة خيوطه باستخدام جيد التوظيف لإمكانيات السينما من توليف "معتز الكاتب" وديكور "سامي الجمال" وصورة "محسن أحمد" وموسيقي "محمود طلعت".. ومن خلال اختيار جيد ومناسب لطاقم الممثلين بمن فيهم ضيوف الشرف "سوسن بدر. ومجدي كامل. ومصطفي هريدي"..