ظاهرة محزنة طالعتنا في الفترة الأخيرة هي الأمراض القاسية. والمستعصية أحياناً. التي عاني تأثيراتها السلبية بعض رموز حياتنا الأدبية: محمود السعدني ومحمد ناجي وفاروق عبدالقادر وطاهر البرنبالي ومجيد طوبيا وغيرهم. وخطورة هذه الظاهرة في التكاليف الباهظة التي تقصر مشروعات العلاج في اتحاد الكتاب والجمعيات الأهلية الأخري عن الوفاء بها. عدا تدخل وزير الثقافة لدي الدولة. وهو ما يحتاج إلي مكاتبات ومراسلات وأخذ ورد. تجعل الأديب في موضع التسول. وقد تستغرق وقتاً لا نضمن معه بقاء الأديب المريض علي قيد الحياة. يشير يوسف الشاروني إلي اتفاق سبق عقده بين اتحاد الكتاب وعدد من الأطباء. وهذا التعاون يتيح لأديب أن يعالج أمراضه العادية.. ومن المهم في تصوري أن أذكر تجربة شخصية. منذ سنوات فوجئت بورم في المخ. وحصل وزير الثقافة آنذاك علي 12 ألف يورو من رئيس الوزراء للتعرف إلي طبيعة الورم. وأن إبني مقيم في هولندا. فقد تم علاجي هناك. وكان الورم والحمد لله حميداً. وعولجت فقط بمائتي يورو. أعدت باقي المبلغ إلي خزينة الدولة. ويؤكد الفنان وكاتب أدب الأطفال عبدالرحمن نورالدين أن من يقوم برعاية الأدباء من الأمراض المستعصية هو المجتمع المدني. فهو الأشد قدرة علي ذلك لما له من قدرة علي الاتصال المباشر بالمبدعين. ونحن نجد حالياً أن أهل الخير لهم دور كبير في المشروعات المجتمعية. إضافة إلي المؤسسات والجمعيات التي تقيم مشروعات كثيرة للرعاية والعلاج. ومن الممكن أن تؤدي النقابات دوراً مماثلاً. لكن النقابات للأسف تخدم أعضاء نقابتها فقط. وهو دور من الصعب أن يتجاوز هذا. أو يقدم الكثير لمثل هذه الحالات المستعصية.. أعتقد أن شخصية الوزير أقصد وزير الثقافة تلعب دوراً في مثل هذه الحالات. واستجابة الحكومة لعلاج من يعانون. ويري د.رمضان بسطاويسي أن التعاون بين وزارة الثقافة واتحاد الكتاب يمكن أن يقدم برنامجاً طبياً جيداً. ومن الممكن تطوير التعاقد مع الشركات الكبيرة. حتي لو جاز أن يدفع الأعضاء جزءاً والدولة تتحمل الجزء الأكبر "75%" من تكاليف العلاج.وعلينا أن نجد صيغة محددة وقريبة لما تقدمه الجامعة. وتتكلفه في رعاية أستاذ الجامعة الذي يعاني الأمراض المستعصية. ومهما حصل الأديب من جوائز. فهو غير قادر علي النفاق علي هذه الأمراض. ونحن نري ظاهرة أخري. من الممكن إحياء المشروعات القديمة. التي تساعد المبدع حتي علي إيداعه. فلم يعد هو الأديب المحبوس في مكتبه. المبدع عليه أن يذهب إلي السينما. ويشاهد المسرح. ويقرأ أحدث الكتب. ويتصفح النت إلخ. وتلاحظ القاصة نجلاء علام أن الأدباء يخافون المرض أكثر من أية فئة أخري في المجتمع. وهم معرضون أكثر من غيرهم للأمراض. فالأديب عليه أن يسعي في الحياة. ويعمل في أية وظيفة أو مهنة تكفيه قوت يومه. وعليه أيضاً أن يوفر الوقت والجهد للقراءة والكتابة. والتواصل مع جمهور الأدباء والفعاليات الثقافية. وهو ما قد يؤدي إلي استهلاك صحته بشكل مضاعف. كما أنه معرض أكثر من غيره للمرض. لأن لديه مشاعر مركبة. وفي حالة شحن نفسي دائم. واتشاد للكتابة. بل تحتاج إلي رعاية نفسية وجسدية. وأرجو أن تفكر وزارة الثقافة واتحاد الكتاب باعتباره نقابة في توفير مشروع طبي شامل. لا يهتم بصرف الأدوية أو التعاقد مع المستشفيات والأطباء فقط. لكن المشروع يشمل الرعاية النفسية والجسدية. وتري القاصة صفاء عبدالمنعم أن الموضوع يحتاج إلي تنسيق. فلدينا تأمين اتحاد الكتاب وتأمين الدولة. وبوسعنا استخدام رقم التأمين القومي. بحيث يدعم تأمين الدولة بتأمين اتحاد الكتاب في حالة ازدواجية التأمين. أما من ليس لديه. فعلي اتحاد الكتاب أن يتكفل بهم. وأن تساعده الدولة أيضاً. لكن السرعة مطلوبة قبل ذلك كله. أي سرعة الإجراءات فالعلاج أولاً. وتلقي الرعاية. ثم تأتي المسائل الإدارية والمادية. لكن المرض للأسف قد يتطور. أو يتعرض المرض للوفاة. دون أن تستكمل إجراءات العلاج. والمفروض في تقدير الروائية وكاتبة السيناريو وفية خيري أن يكون التأمين الصحي جزء مهم من عمل النقابة أو الاتحاد. لأن اتحاد الكتاب هو نقابة الأدباء. بحيث يتحمل مشروع التأمين الصحي الجزء الأكبر كما هو الحال بالنسبة لمشروع العلاج بنقابة المهندسين. المريض يتحمل 60% والعضو يتحمل 40%. لكن علينا أن ننتهي من فكرة التبرعات. فهذا الأمر ينال من قدر المبدع.