الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    التعليم: منح دراسية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لطلاب الثانوية العامة.. التقديم حتى 31 مايو    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ جنوب سيناء تفعيل مقترحات الاستثمار بالمحميات الطبيعية    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 17-5-2024 في الدقهلية    أسعار اللحوم والفراخ في أسواق أسيوط اليوم الجمعة    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية وسط مؤشرات على تحسن الطلب    «المشاط» تعقد لقاءات مكثفة مع شركاء التنمية ورؤساء مؤسسات التمويل الدولية    وزير الاتصالات: دعم ريادة الأعمال لا يقتصر على وزارة بعينها بل توجه لدى كافة الجهات    الصين تتراجع مجددا إلى المرتبة الثانية كأهم شريك تجاري لألمانيا    الشرطة السويدية تطوق منطقة بها سفارة إسرائيل بسبب إطلاق نار    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية تستهدف غرب مخيم النصيرات في قطاع غزة    اليوم.. الأهلي يخوض مرانه الرئيسي على ملعب رادس    ميتروفيتش ومالكوم ضمن تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر بالدوري السعودي    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    رئيس الإتحاد الدولى يدافع عن بطولة كأس العالم للأندية 2025    عيار خرطوش وجثة.. كواليس مشاجرة دامية في الشرقية    محافظ القاهرة: تكثيف أعمال الرقابة على أسعار السلع وضبط الأسواق    اختفاء موظف في ظروف غامضة بالقليوبية    استمرار القوافل التعليمية للمراجعات النهائية للثانوية العامة بملوي المنيا    رفع 42 سيارة ودراجة نارية متهالكة.. خلال 24 ساعة    المركز القومي للمسرح يحتفل بعيد ميلاد الزعيم    تاراتاتا تفتتح فعاليات مهرجان إيزيس لمسرح المرأة    أحمد السقا يطمئن الجمهور على صحة الفنان أحمد رزق    إنشاء مستشفى القوصية الجديد بطاقة 300 سرير    ابتعد عن هذه الفواكه للحفاظ على أسنانك    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    استكمال تنفيذ وتطوير منظومة المرافق بالعبور والشيخ زايد والسويس الجديدة    بعد افتتاحه رسميا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب رضي الله عنها    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17 مايو 2024 والقنوات الناقلة    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعمار السوفييتي
نشر في المساء يوم 19 - 05 - 2012

اتاحت ظروف عمل المفكر والكاتب الكبير عبده مباشر في بلاط صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن فرصا للاقتراب من رؤساء مصر الثلاثة ناصر والسادات ومبارك.. وعن الظروف والاسباب يكتب مجموعة من المقالات يكشف فيها الكثير من الاسرار والخفايا التي كانت تجري في الشارع الخلفي بعيدا عن الأضواء.. وعلي هذه الصفحة تنشر "المساء الأسبوعية" مقالات الكاتب الكبير.
في أعقاب نجاح محمد صادق في إدارة أزمة الصراع علي السلطة وتمكنه من الحفاظ علي الشرعية. أدرك السادات أن خيوط السلطة قد أصبحت في قبضته. وشعر بالارتياح النسبي بعد أن أصبح وحده صاحب القرار. وبعد أن تخلص من الضغوط التي كانت تمارس عليه طوال الفترة الماضية. وقرر تشكيل محكمة خاصة برئاسة حافظ بدوي رئيس مجلس الشعب لمحاكمة مجموعة الورثة. وقد أراد من المحاكمة أن يطلع الرأي العام علي جانب من الحقائق الخاصة بالتآمر عليه وعلي النظام وعلي الشرعية.. كان يعلم أن الشعب يكره هذه المجموعة. وستؤدي المعلومات التي ستنشر عن المحاكمة إلي مضاعفة حجم هذه الكراهية.
ولم يكتف بشكر صادق علناً في المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات المدنية والعسكرية. بل أضاف ممدوح سالم والليثي ناصف. ونسب إلي الثلاثة الفضل في حماية مصر وحمايته.
وكان من أهم ملامح هذه الفترة بدء التخطيط الجاد للمعركة من أجل تحرير مساحة من الأرض المحتلة في سيناء.. وركزت القيادة العامة جهودها من أجل تحقيق هذا الهدف.
ولما كنت أتوقع لقاء قريباً مع الرئيس السادات من أجل أن يشكرني علي الدور الذي قمت به طوال الفترة الحرجة التي سبقت الحسم. فقد توجهت بسؤال للفريق صادق: ماذا أقول؟!
فقال الرجل: إن السادات اليوم. غير سادات الأمس. بالأمس كان يبحث عمن يقف بجواره. والآن الكل يسعي لنيل رضاه. أو يطلب العفو بعد أن تربع وحيداً علي مقعد الرئيس بلا منغصات أو ضغوط.. وواصل قائلاً: باختصار.. يجب أن تراعي أنك تتحدث إلي رئيس الجمهورية. وأن تدرك أنه إذا شكرك اليوم. فليس معني ذلك أنه سيحتفظ بهذا الشكر طويلاً. وبما أنك أديت دوراً. وعرفت بما كان يدور. فتحدث معه عن كل ما تعرفه من معلومات.
وخلال الأسبوع الثالث من شهر مايو 1971 تحدد لي موعد للقاء السادات باستراحة القناطر الخيرية.. وهناك وجدت إنساناً راضياً. سعيداً. بشوشاً. هادئاً. مستريحاً.. وكأن دنياه قد خلت من المشاكل والصراعات. فسألني عن أحوالي.. فحمدت الله. فقال: لقد أردت أن أشكرك للدور الذي قمت به. وطبعاً أعرف أنه لولاك لقضيت وقتاً طويلاً غارقاً في الحيرة. ولظل الموقف ضبابياً. ولا شك أن محمد صادق أجاد اختيار قناة الاتصال..
فأكدت له فرحتي بانتصاره. وبالاستقرار الذي ستنعم به مصر بعد الخلاص من هذه المجموعة المكروهة شعبياً ذات الارتباطات المشبوهة بالاتحاد السوفييتي.
وانتقل للحديث عن محمد صادق. فقال: إنه "راجل ولا كل الرجالة".. وهذا هو صادق الذي عرفته منذ سنوات الدراسة بالكلية الحربية. ثم سألني: هل تعلم أنها ليست المرة الأولي التي يمد لي يده؟!.. ثم قال: إنه القائد الذي سيعد القوات المسلحة للحرب المقبلة. والتي أراها ضرورة لا غني عنها.
وواصل قائلاً: إن الاستعداد سيأخذ وقتاً. ولكنني لن أفعل مثلما فعل عبدالناصر. ولن أقع في الأخطاء التي وقع فيها.
فسألته: كيف؟!
فأجاب: لقد أعلن تأميم قناة السويس. وهو قرار وطني صحيح بنسبة100%. ولكنه فعل ذلك دون أن تكون مصر مستعدة للحرب. لقد بدأنا نتسلم السلاح من روسيا بعد صفقة 1955. وفي يوليو 1956. لم تكن مصر قد استوعبت هذا السلاح. كما وقع في خطأ سوء التقدير. لقد تصور أن فرنسا وانجلترا لن تحاربا بسبب التأميم.. وأنهما لن يتحالفا أبداً مع إسرائيل من أجل محاربة مصر.
وأكد أنه لن يقع في مثل هذه الأخطاء. وهو يستعد للحرب. ولن يقع في أخطاء مثل التي وقع فيها عبدالناصر قبل وأثناء معركة يونيه 1967. فلقد اتجه نحو الحرب. ومصر في أسوأ أوضاعها العسكرية والاقتصادية بسبب حرب اليمن.
فقلت: إن مصر تتطلع ليوم الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي.. فقال: ولن يطول انتظارها.
وبدا كأنه تذكر شيئاً. فتوقف وسألني: كيف تمكن محمد صادق من تغيير موقف الليثي ناصف؟!..
فقصصت عليه ما جري خلال دعوة الإفطار التي جمعت بيني وبين الفريق سعدالدين متولي بمنزل رئيس الأركان. والرسالة التي طلب منه أن يحملها لليثي ناصف.
وقلت له: إن محمد صادق كان علي يقين أن الليثي سيغير المعسكر الذي يقف فيه بعد تسلمه هذه الرسالة. وبعد أن يتأكد من أنه لن يستطيع تحريك أي قوات بسبب الكمائن التي انتشرت أمام مداخل ومخارج معسكرات الحرس الجمهوري.
وبعد انتهاء الإفطار ومغادرة الفريق سعد منزل صادق. طلب من رجاله متابعة تحركات الليثي ناصف. فعرف أنه خرج سيراً علي الأقدام واستطلع المنطقة وتأكد من وجود الكمائن. بعدها توجه لمقابلة سيادتك. وكان المعني. أنه قرر الإعلان عن ولائه لسيادتك.
وسألني عما جري بالوزارة.. ويقصد وزارة الحربية.. وكيف صعد محمد صادق إلي مكتب فوزي بدون سلاح؟!
فحكيت له ما جري. وأكدت له أن رئيس الأركان ترك سلاحه بمكتبه أمامنا جميعاً. وصعد وحده. ليطلب من فوزي ومن كل القادة الموجودين مغادرة الوزارة. الأول إلي منزله بعد أن استقال. ولم يعد من حقه البقاء بمكتبه. والقادة إلي مكاتبهم. وقد استجابوا دون نقاش أو إبداء أي اعتراض.
وكان صادق يعلم أن في الأمر مخاطرة. محمد فوزي المحاصر. والمأزوم. والذي يعيش تحت وطأة ضغوط الموقف والصراع. وتحت إحساسه بأن الخيوط بدأت تفلت من يديه لا يمكن استبعاد إقدامه علي أي تصرف. ولكنه كان يري أن تتم هذه المواجهة. والكل يعلم أنه لا يحمل معه سلاحه الشخصي. وأنه صعد إليهم وحده دون أن يصطحب أحداً معه.
فعلق قائلاً: "طول عمره راجل".
وسألني فجأة عما إذا كنت أقرأ كتباً سياسية؟!.. فأجبته بنعم.. ثم قلت: إنني حصلت علي درجة الماجستير عن رسالة لي في العلوم السياسية.. فقال: ولكن هذه الكتب ليست هي السياسة.. إن السياسة بمعني فن الحكم وممارسة السلطة أمر مختلف. وهذا ما أود أن أعلمه لك. فقلت له: كم أتمني ذلك.. واستأذنت بعد أن وصل عثمان أحمد عثمان. وكنت أعلم أن هذا وقت ممارسته لرياضة المشي.
كان اللقاء طيباً. وعلي امتداد طريق العودة استعدت ما دار من حوار. وحمدت الله أن كل شيء مضي بصورة طيبة.
ومن منزلي اتصلت بالفريق أول صادق. وأنبأته بأن اللقاء كان عظيماً. وأن الرئيس لم يتوقف عن مدحه ووصفه بأنه "راجل ولا كل الرجال".
وكان منطقياً في ظل دوران عجلة الاستعداد للحرب أن يحرص رئيس الجمهورية القائد الأعلي للقوات المسلحة علي زيارة الجبهة والالتقاء بالقادة والضباط والجنود. بالإضافة إلي قيادات الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.
.. والذين صحبوا السادات خلال زياراته للجبهة وللمواقع العسكرية بصحبة محمد فوزي قبل وخلال أزمة الصراع علي السلطة. ثم صحبوه بعد أن حسم الصراع لصالحه. لاحظوا فرقاً جوهرياً في سلوك الرجل وتصرفاته.. وأقواله.
وفي كل الأحوال. كان يخاطب القوات المسلحة مؤكداً أن المعركة قادمة. واثقاً من دعم الشعب واستعداده للتضحية. مؤمناً بالقدرة علي تحقيق النصر. وبالغد. ومطالباً الجميع بالعمل من أجل هذا اليوم.
ولأن السادات كان يرتجل كلماته دائماً. وبما أنني كنت الصحفي الوحيد الذي يشهد كل هذه اللقاءات. فقد كان الفريق أول يطلب مني كتابة الكلمة التي ألقاها الرئيس. بعدها يتصل بالرئيس تليفونياً. ويقرأ له قبل أن تأخذ طريقها للنشر.
ومرة بعد مرة. أصبح الأمر روتينياً. ولم أكن أنتظر طلباً من الفريق أول صادق. وفجأة أخبرني وزير الحربية أن السادات طلب منه أن يكلفني بكتابة الكلمة التي سيلقيها في لقاءاته المقبلة.
وفي كل مرة كنت أسلم الكلمة إلي مكتب الوزير فيقرأها. ويعدل فيها. ثم يأمر بإرسالها لمكتب رئيس الجمهورية مكتوبة إما بخط اليد علي يد خطاط محترف. أو مكتوبة علي الآلة الكاتبة إذا ما كان الوقت لا يسمح باللجوء للخطاط.
وكثيراً ما كان السادات يخرج علي النص. ويرتجل إذا ما كانت هناك قضية أو موقف يريد التركيز عليه أو رسالة يريد إبلاغها لهذا الطرف أو ذاك.
ولقد كنت أتابع خطاب الرئيس أثناء هذه اللقاءات لتسجيل ما يرتجله لكي أستخدمه وأنا أعد الخطاب للنشر. وكنت أكتب النص الصالح للنشر. وكلمة الرئيس. ويتولي مكتب الوزير توزيعه علي الصحف ووكالة أنباء الشرق الأوسط.
وأمام مماطلة السوفييت في الوفاء بالتزاماتهم العسكرية وضغوطهم التي لا تتوقف من أجل الحصول علي المزيد من القواعد العسكرية في مصر والفوز بامتيازات جديدة في كل مجال من مجالات الحياة في مصر. وتوتر العلاقات بين الخبراء والمستشارين السوفييت وأعداد كبيرة من القادة والضباط والجنود. كان علي رئيس الجمهورية ووزير الحربية بصفة خاصة اتخاذ خطوات مناسبة تتفق والموقف السوفييتي.
ورأي رئيس الجمهورية أن توقيع معاهدة صداقة وتعاون مع السوفييت تضمن لهم النفوذ والاستقرار. وبالتالي تحفزهم علي الانتظام في تنفيذ صفقات الأسلحة التي سبق توقيعها. وتلبية احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات والذخائز وقطع الغيار. إلا أن السوفييت واصلوا أسلوبهم المفضل في المماطلة.. هذا النهج السوفييتي أثر علي الترسانة العسكرية المصرية. وكان تأثيره أكثر وضوحاً علي واضعي خطط العمليات للمعركة المقبلة.
ولم تكن القيادة الجديدة لتوافق علي خطط عسكرية لا تستند علي إمكانيات موجودة. أي أن الخطط يجب أن توضع بشكل يتفق وما هو موجود فعلاً من أسلحة ومعدات وذخائر.
وكان الخبراء والمستشارون السوفييت يشاركون في وضع الخطط وبرامج التدريب. فكل قائد ابتداء من الوزير حتي قائد الكتيبة كان بجوار مستشار سوفيتي وكانت احتياجات الخطة توضع في قائمة احتياجات يحملها معه المفاوض المصري ابتداءً من رئيس الجمهورية إلي رؤساء الوفود المتخصصة وهم يتفاوضون مع الجانب السوفييتي.
كان هناك تصور في عمليات التسليح. واختار وزير الحربية الفريق أول محمد صادق أن يصارح به القوات المسلحة.
هذا التصدع في العلاقات المصرية السوفيتية. كان من الفقرات الرئيسية في الكلمات التي أكتبها لرئيس الجمهورية. وبما أنني كنت أشارك في كتابة خطب الوزير. فقد كانت موجودة دائماً. ومدعومة بالمعلومات التي يطلب الوزير الكشف عنها.
وبعد عدة أشهر. أي في بداية عام 1972. تلقي السادات تقريراً إيجابياً عن تأثير الخطب التي ألقاها خلال لقاءاته بالقادة والضباط والجنود من سيد مرعي رئيس مجلس الشعب عقب زيارته للجبهة. فشعر بالرضا. وطلب من الوزير توجيه الشكر لي.
وابتداء من عام 1972. كانت حملة الفريق أول صادق المعادية للوجود السوفييتي تنتقل من نجاح إلي نجاح. ومع كل خطوة كان غضب القوات المسلحة يتضاعف. وفي نفس الوقت لم تكن القيادة السوفيتية قادرة علي تغيير سياساتها. كان الجمود هو العامل الأقوي داخل الكريملين.
والأسوأ أن مطالباتهم وإلحاحهم لتحويل مرسي مطروح إلي قاعدة جوية وبرية وبحرية تتردد علي ألسنة الجميع كبار القادة في موسكو والوزراء وكبار المسئولين الذين يزورون القاهرة. والخبراء والمستشارون الموجودون بمصر. السفير السوفييتي.
وبالرغم من زيارات رئيس الجمهورية المتعددة والوفود العسكرية والمدنية الزائرة لموسكو. والوفود السوفيتية القادمة للقاهرة. وساعات التفاوض الطويلة. لم يتغير النهج السوفييتي.
وجاء الإعلان الصادر عقب لقاء كل من الرئيس الأمريكي نيكسون. والزعيم السوفييتي بريجنيف في موسكو. بداية صيف عام 1972. وتحديداً في 20 مايو 1972. والذي نص علي فرض الاسترخاء العسكري علي الشرق الأوسط. والصراع العربي الإسرائيلي. ليشكل صدمة لصانع القرار المصري. فقد كان البيان يعني استمرار حالة اللاحرب واللاسلم.
كانت القاهرة تمضي علي طريق الاستعداد للمعركة بكل جدية. وكان القائد الأعلي قد أقر التخطيط لمعركة هجومية لاقتحام القناة وتدمير خط بارليف الحصين. وإنشاء رءوس كباري شرق القناة بعمق يتراوح بين 8 . 12 كليومتراً. وصد الهجمات الإسرائيلية المضادة. وتكبيد العدو خسائر مادية وبشرية مؤثرة. اعتماداً علي الإمكانيات المتاحة. وتطوير الخطة مع أي زيادة في هذه الإمكانيات.
وأدي غضب السادات من مماطلة السوفييت ومن البيان الصادر عقب قمة نيكسون بريجنيف. الخاص بالاسترخاء العسكري المصري من مواقف السوفييت وسلوك الخبراء والمستشارين بكل ما يتصف به من صلف واستعلاء وغطرسة. وزيادة القوات السوفيتية الموجودة في قواعد برية وبحرية وجوية إلي ما هو أكثر من 24 ألف فرد. وبما شكل قوة احتلال. والأهم كان غضب الشارع المصري الذي عبر عن نفسه بقوة.. فرد السادات بإنهاء مهمة الخبراء المستشارين وطرد القوات السوفيتية من مصر. وتم إبلاغ السفير السوفييتي بالقرار يوم 8 يوليو 1972. علي أن يجري التنفيذ خلال أسبوع.
وفعلاً تحررت مصر من الاحتلال السوفييتي يوم 16 يوليو .1972
وفي اليوم التالي لقرار إنهاء مهمة الخبراء والمستشارين السوفييت. التقي الفريق أول صادق بالأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام وكان من أهم ما قاله: "إنني سأدفع ثمن هذا اليوم.. فرد عليه الأستاذ هيكل قائلاً: إن ما تقوله غير معقول. أفي هذا اليوم الذي يعد انتصاراً مصرياً. كنت من أبرز أصحاب الفضل فيه. تتحدث عن دفع الثمن؟!
إن السادات يقدر وبلا شك دورك وهدفك الذي شكل دعماً لسياسته تجاه السوفييت. وهذا التقدير سينعكس علي مواقفه منك".. وعاد صادق ليقول لهيكل: إنك تعرف السادات منذ عام ..1952 أما نحن "أي صادق وزملاء الدراسة بالكلية الحربية" فنعرفه منذ كنا معاً بالكلية سنوات طويلة. عشناها معاً. منذ بواكير الشباب وحتي الآن. وتجارب بلا حصر. فرشت طريقنا إلي الحاضر. وكل منا يعرف جيداً كيف يفكر الآخر. وطبقاً لما أعرفه عن السادات. سأدفع الثمن. ولن يتأخر ذلك عن نهاية هذا العام.
ورد الأستاذ هيكل: "أنا لا أوافقك الرأي"..
وواصلت أجهزة القيادة العامة الاستعداد والتخطيط للحرب. وانطلق السادات علي هذا الطريق بعد أن تخلص من مراكز القوي التي كانت تتجه إلي مجرد معارك استنزاف محدودة. وكان طرد السوفييت من أهم المؤشرات إلي عدم قدرة مصر علي إشعال حرب بالمنطقة. انطلاقاً من الاقتناع بأن السوفييت هم القوة العالمية القادرة علي دعم أي استعداد عسكري مصري من أجل الحرب. ومساندة هذا الاستعداد سياسياً.
كانت إسرائيل والولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية علي اقتناع بأن مصر لن تتوجه للحرب وحدها أبداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.