الصين بهرت العالم بانطلاقتها العلمية والتكنولوجية.. كما بهرت العالم من قبل بثوراتها السياسية والاجتماعية. وأعتقد أن الربيع الصيني قد سبق الربيع العربي بحوالي 23 عاماً عندما انطلقت حركة الاحتجاجات الطلابية في ميدان السلام السماوي عام 1989 ونالت تأييداً شعبياً وعمالياً كبيراً. وحتي لو كانت الحركة الطلابية قد تم قمعها. حيث تدخل الجيش الصيني بدباباته التي سحقت مئات الطلاب وتم إطلاق النار علي الآلاف واعتقال آلاف آخرين.. فقد كان لهذه الثورة الطلابية نتائج ملموسة تمثلت في حدوث إصلاحات كبيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وربما كانت هذه الإصلاحات هي التي تسببت في تحقيق النهضة الصناعية والعلمية والتكنولوجية الحالية في الصين والتي جعلت من التنين الأصفر ديناصوراً اقتصادياً عالمياً. ولأن النظام الصيني يتميز بالمرونة وعدم الجمود حتي وان كان يتبني سياسات اشتراكية فقد التقط طرف الخيط من الثورات الملونة في شرق آسيا وقام بتحصين نفسه ضد هذه الثورات. حيث بدأ منذ حوالي ثلاث سنوات اتخاذ إجراءات وتبني سياسات تتسم بمزيد من الشفافية والمكاشفة والحد من الفساد. وفي هذا السياق تلتزم الهيئات والمؤسسات التابعة للحكومة المركزية في الصين بالكشف عن ميزانياتها بكل دقة ووضوح وتخضع لهذه الإجراءات معظم الهيئات الحكومية والوزارات في مختلف أرجاء الصين. وتقول الحكومة الصينية.. إن المجموعة الأولي من هذه الهيئات تشمل وزارة المالية ولجنة الدولة للإصلاح والتنمية. وهي أعلي هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين ومكتب الدولة للمحاسبة "يوازي الجهاز المركزي للمحاسبات" ولجنة تنظيم التأمين ووزارة الأراضي والموارد.. حيث إن هذا العام هو الثالث منذ بدء تطبيق النظام الجديد. هذاالنظام بدأ عام 2010 وخضعت له 75 وزارة وهيئة من أصل 98 وقدمت حساباتها للجنة الدائمة بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وذلك لمراجعتها.. ثم ازداد العدد في 2011 إلي 92 هيئة ووزارة وتم السماح للمواطنين بالإطلاع علي 90 هيئة منها. والكشف عن الميزانيات طبقاً لهذا النظام. لا يقتصر علي البنود العامة أو "الفهلوة" بل يتطرق إلي أدق التفاصيل المتعلقة بالمشروعات التي يتم تنفيذها وأوجه الإنفاق عليها والأرقام الإجمالية لها. وقد طالب مجلس الوزراء الصيني هذه الهيئات والوزارات بتقديم تفسيرات وافية عن تكاليف شراء السيارات ورحلات سفر المسئولين إلي الدول الأجنبية ومصاريف الاستقبالات الرسمية خلال العام الذي يقدم عنه كشف الحساب. هذه الإجراءات الصارمة تتخذها الصين عملاق الاقتصاد العالمي وأكبر الدائنين للولايات المتحدةالأمريكية.. فما بالنا نحن في مصر نتبع مبدأ "المال السايب"..؟! وإذا كنا غير قادرين علي مجاراة الصين فيما حققته من تقدم تكنولوجي وصناعي واقتصادي.. فهل نعجز عن مجاراتها في مثل هذه الإجراءات التي لو التزمنا بها سوف نتمكن من توفير الكثير من الموارد المهدرة واستثمارها في أنشطة ومجالات تدفع بنا نحو التقدم والتنمية بوتيرة أسرع؟! أفكار مضغوطة: ليس المهم أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة.. المهم أن يجد لنفسه فكرة قبل أن يموت! "غسان كنفاني"